الاستقواء على الطبقة الوسطى
يقترح الأعيان زيادة الضريبة على الأفراد والأسر الأردنية، عبر تخفيض الإعفاءات الممنوحة لهم، في ظروف ربما تكون هي الأصعب اقتصاديا واجتماعيا، نتيجة ضغوطات غير مسبوقة يتعايش معها المواطن الأردني منذ سنوات.
فالمقترح المقلق يأتي في ظل ثبات مداخيل الأسر الأردنية، وبعد سنوات من تراجع معدلات النمو الاقتصادي، نتيجة حالة التباطؤ التي يمر فيها الاقتصاد.
كما يأتي مقترح الأعيان مجتزأً؛ إذ لا يرتكز على نظرة إصلاحية شاملة للنظام الضريبي، ولاسيما ما يتعلق بالعبء الضريبي المطبق حالياً، والمرتفع على دخل الأردني وأسرته، فتزداد فيه ضريبة المبيعات التي توفر ما يزيد على 4.5 مليار دينار إيرادات للخزينة.
وحسب ما أفادت به مصادر مطلعة لـ”الغد”، فإن مقترح مشروع القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل، يفضي إلى تخفيض سقف الإعفاءات للأسرة من 24 ألف دينار إلى 12 ألف دينار سنويا، بداعي توسيع شريحة الخاضعين لضريبة الدخل. كما تضمنت التعديلات المقترحة، زيادة نسبة الضريبة على دخل الأفراد بدلا من 20 % في القانون الساري بحدها الأقصى.
مجلس الأعيان نسّب بفتح عدد من مواد القانون الحالي ضمن ما يعرف بقانون معدل مقترح، ستتم بموجبه أيضا مراجعة النسب الضريبية المفروضة على الشركات والبنوك والقطاع الزراعي. وتشير المعلومات إلى أن الحكومة ستفتح المواد المطلوبة، لكنها لن تأخذ بالمقترحات كما جاءت من الأعيان، على أن تحول لمجلس الأمة، فتناقش وتقر من النواب والأعيان.
مبرر الأعيان الأساس لتلك المقترحات هو أنها خطوة نحو تعميق المواطنة، وإشراك الجميع في دفع الأموال للخزينة. لكن من قال إن المواطن الأردني لا يدفع أموالا للخزينة، وإن اختلف مسمى البند الذي تتأتى عبره؟! بل إن جُلّ الإيرادات المحلية، المقدرة بحوالي 6.2 مليار دينار، يأتي من الضرائب والرسوم التي تسدد من قبل الأردنيين.
ثم من قال إن تعميق المواطنة يتحقق بهكذا خطوة؟ وكيف لهذا الرأي أن يكون صائبا والمواطن يشعر، يوما بعد يوم، بارتفاع الكلف وتآكل دخله، خصوصا أن الضريبة المفروضة على القطاعات الاقتصادية عموما يتم تحصيلها، بشكل أو بآخر، من جيب المواطن؟!
الحقيقة أن المقترحات الجديدة التي قدمها مجلس الأعيان للحكومة تشكل ضربة جديدة لما تبقّى من الطبقة الوسطى، وتحمل بين ثناياها نظرة طبقية، كما تدافع عن مصالح قطاعات بعينها، من دون أخذ بالاعتبار للتأثير السلبي والخطير للتشريع الجديد على الاستقرار الأسري، والاجتماعي بمداه الأوسع.
تبعا لمقاييس الحكومة نفسها، فإنها قدمت الدعم النقدي لكل من قل دخله عن 10 آلاف دينار سنويا، على اعتبار أنه يندرج ضمن فئة الفقراء ومحدودي الدخل المستحقين للدعم؛ فكيف لها أن تفكر اليوم بفرض ضرائب على شرائح جديدة، يقترب دخلها من مستوى الأسر التي استحقت الدعم النقدي سابقاً؟! مع التذكير بأن نحو 5 ملايين فرد أردني حصلوا على ذاك الدعم.
المقترحات المقدمة، وللأسف، فيها استقواء على أفراد الشرائح الثابتة ومحدودة الدخل، وهي تهرب من علاج الاختلالات الحقيقية في القانون المطبق حاليا، خصوصا ما يتعلق بمراجعة معدل العبء الضريبي، وكذلك تهرب قطاعات ومهن واسعة، لم تعد تخفى على أحد، من تسديد الحقوق المترتبة عليها للخزينة.
بموجب الخريطة الحالية لتوزيع الأدوار، فإن “الأعيان” يحمل ويتبنى القضية. والحكومة لم توافق عليها، لكن دورها يقتضي الموافقة على فتح المواد المرتبطة بالمقترحات، وتحويلها للسلطة التشريعية بمجلسيها، النواب والأعيان، لبحثها وإقرارها.
في كل دول العالم، ثمة فلسفة من قانون ضريبة الدخل، أساسها تحقيق العدالة ومحاولة إعادة توزيع مكتسبات التنمية، وهو ما يغيب عن المشرّع لدينا. بل يبدو أن لدينا فلسفة مغايرة تماماً، قوامها الاستقواء على أصحاب المداخيل الثابتة، وربما القضاء على ما تبقى من الطبقة الوسطى!