جمال عبد الناصر..”كاريزما” الأصالة العربية في وقت الانتصار والهزيمة
عرف جمال عبد الناصر بعلاقته الحميمة مع المصريين العاديين، كان خطيباً ماهراً، ألقى نحو 1359 خطبة بين عامي 1953 و1970، وهو رقم قياسي بالنسبة لأي زعيم مصري أوعربي.
ويقول كاتباً سيرته، روبرت ستيفنس وسعيد أبو الريش، أن عائلته كانت مؤمنة بفكرة “المجد العربي”، ويتضح ذلك في اسم شقيقه، “عز العرب”، الاسم النادر في مصر.
بسبب قدرته على تحفيز المشاعر القومية، “بكى الرجال والنساء، والأطفال، وصرخوا في الشوارع” بعد سماع وفاته، وفقا للسياسي البريطاني أنطوني نتنغ.
جمال عبد الناصر حسين، المولود في عام 1918، بالإسكندرية، بدأ نشاطه السياسي في فترة مبكرة من حياته، وهو لا يزال على مقاعد الدراسة، حين شاهد مظاهرة في ميدان المنشية بالإسكندرية، وانضم إليها دون أن يعلم مطالبها. وألقي القبض على عبد الناصر واحتجز لمدة ليلة واحدة.
نما نشاطه السياسي أكثر طوال سنوات دراسته، وبدا ذلك من خلال اعتراضه بشدة على المعاهدة البريطانية المصرية لعام 1936.
وحين دخل كلية الأركان العامة، بدأ عبد الناصر بتشكيل مجموعة من ضباط الجيش الشباب الذين يملكون مشاعر قومية متدفقة.
تطوع للقتال في فلسطين في أيار / مايو عام 1948 في “اللجنة العربية العليا” بقيادة محمد أمين الحسيني، ورفضت الحكومة المصرية دخول قوات “اللجنة العربية العليا” في الحرب لكن ذلك لم يمنع من إرسال الجيش المصري إلى فلسطين، حيث خدم جمال عبد الناصر في كتيبة المشاة السادسة.
بعد الحرب، عاد جمال عبد الناصر إلى وظيفته مدرسا في الأكاديمية الملكية العسكرية، واعتمد في عام 1949 اسم “حركة الضباط الأحرار” لعبدالناصر ورفاقه.
في تموز/ يوليو عام 1952، نجح “الضباط الأحرار” في إنهاء حكم الملك فاروق فيما عرف بثورة 23 يوليو. وحكم “الضباط الأحرار” باسم “مجلس قيادة الثورة” عن طريق محمد نجيب رئيسا وجمال عبد الناصر نائبا للرئيس.
وركز ناصر جهوده على التصدي للإستعمار في أفريقيا وآسيا وتعزيز السلام العالمي في ظل الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفياتي.
وقدم الدعم لاستقلال تونس والجزائر والمغرب عن الحكم الفرنسي، ودعم حق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم، ومساندة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
ترشح عبد الناصر عام 1956 لمنصب رئاسة الجمهورية، وطرح الدستور الجديد للاستفتاء العام ، وحاز كلاهما على الموافقة بأغلبية ساحقة، وتزامنا مع ذلك، حل “مجلس قيادة الثورة” نفسه كجزء من الانتقال إلى الحكم المدني.
اصطدمت سياسة جمال عبدالناصر الخارجية والداخلية المستقلة بشكل متزايد مع المصالح الإقليمية لكل من المملكة المتحدة وفرنسا، وفي عام 1956، ألقى ناصر خطابا في الإسكندرية أعلن فيه تأميم شركة قناة السويس كوسيلة لتمويل مشروع سد أسوان في ضوء انسحاب القوات البريطانية الأمريكية.
رأت فرنسا والمملكة المتحدة، أن تأميم القناة عمل عدائي من قبل مصر، وفي تشرين الأول عام 1956، عبرت القوات الإسرائيلية شبه جزيرة سيناء، كما، قصفت الطائرات البريطانية والفرنسية المطارات المصرية في منطقة القناة بما عرف ب”العدوان الثلاثي”.
أدانت إدارة الرئيس الأميركي أيزنهاور الغزو الثلاثي، ودعمت قرارات الأمم المتحدة المطالبة بسحب قوات الدول الثلاثة الغازية، وانسحبت القوات الغازية من الأراضي المصرية.
في عام 1961، بدأ ناصر برنامجا كبيرا للتأميم في لمصر، معتبرا ان اعتماد قراراته الاشتراكية سيكون الحل لمشاكل بلاده.
وأعيد انتخاب جمال عبد الناصر لولاية ثانية كرئيس للجمهورية العربية المتحدة بعد استفتاء في البلاد، في أوائل عام 1967، من جانبهم حذر الاتحاد السوفيتي ناصر من هجوم إسرائيلي وشيك على سوريا، وطالب ناصر في وقت لاحق بسحب قوات الطوارئ الدولية في شمال سيناء، وفي وقت سابق من ذلك اليوم، تلقى ناصر تحذيرا من الملك الحسين بن طلال من تواطؤ إسرائيلي أمريكي لجر مصر إلى الحرب.
ومارس الشارع العربي ضغوطا متزايدة للتحرك العسكري ضد “إسرائيل”.
لكن الضربة المفاجئة التي قام بها سلاح الطيران الإسرائيلي في الخامس من حزيران / يوينو عام 1967 ضد القواعد الجوية المصرية، أحدثت تحولا كبيرا في الحرب لصالح الاحتلال الصهيوني.
أحبط ناصر أي تحرك نحو المفاوضات المباشرة مع “إسرائيل” في عشرات الخطب والبيانات، وافترض ناصر أن أي محادثات سلام مباشرة مع “إسرائيل” هي بمثابة الاستسلام.
بعد انتهاء القمة العربية في القاهرة في 28 أيلول/ سبتمبر عام 1970، عانى ناصر من نوبة قلبية، ونقل على الفور إلى منزله، وبعد عدة ساعات توفي ناصر ، ووفقا لطبيبه كان السبب المرجح لوفاته هو تصلب الشرايين، والدوالي، والمضاعفات من مرض السكري منذ فترة طويلة.
بعد الإعلان عن وفاة جمال عبد الناصر، عمت حالة من الصدمة في مصر والوطن العربي
وحضر الجنازة في القاهرة من خمسة إلى سبعة ملايين مشيع، وشارك فيها جميع رؤساء الدول العربية، وبكى الملك الحسين وياسر عرفات علنا، وأغمي على معمر القذافي مرتين.
وكان رد الفعل العربي عامة هو الحداد، وتدفق الآلاف من الناس في شوارع المدن الرئيسية في جميع أنحاء الوطن العربي، وفي القدس، سار ما يقرب من 75 ألف عربي في البلدة القديمة وهم يهتفون “ناصر لن يموت أبدا”.
واحدة من جهوده المحلية الرئيسية كانت إقامة العدالة الاجتماعية، وخلال رئاسته، تمتع المواطنون العاديون بمزايا غير مسبوقة في السكن والتعليم وفرص العمل والخدمات الصحية والتغذية.
كتب المؤرخ إيلي بوده أن من الثوابت في شخصية عبد الناصر “قدرته على تمثيل الأصالة المصرية، في الانتصار أو الهزيمة ساهمت الصحافة الوطنية أيضا في تعزيز شعبيته، خاصة بعد تأميم وسائل الإعلام الرسمية”.
حتى يومنا هذا، يعتبر ناصر شخصية بارزة في جميع أنحاء الوطن العربي، ورمزا للوحدة العربية والكرامة، وشخصية هامة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.
تقول مجلة “التايم” :”أضفى ناصر شعورا بالقيمة الشخصية والكرامة الوطنية، التي كان المصريون والعرب لا يعرفونها منذ 400 سنة”.
إقرأ أيضا: عبدالناصر ودعم المقاومة الفلسطينية