البعد الإسرائيلي للإستفتاء الكردي
مقابل الرفض الإقليمي للإستفتاء الكردي على الإنفصال عن العراق (رفض ايران وتركيا والعراق وسوريا) ومقابل الموقف المزدوج للإدارة الأمريكية، تقف حكومة العدو الصهيوني الى جانب هذا الإستفتاء والإنفصال الكامل، وتعلن دعمها له.
وبالإضافه للإعتبارات المتداولة التي تفسر الموقف الإسرائيلي، وعلى رأسها تشكيل طبعة جديدة من تل أبيب في أربيل، ثمة معطيات واعتبارات أساسيه تجعل من الإستفتاء مشروعا إسرائيليا بالدرجة الأولى.إن قراءة آفاق هذا الإستفتاء، تشير الى أن الكيان الإنفصالي سيولد مطوّقا من البر والجو وبدون أي منفذ بحري، وبالتالي فمن الصعب التصديق أن قوى سياسية مجربة مثل القوى الكردية لا تدرك ذلك. كما أن التجربة التاريخية الكردية مرت بأحلام مماثلة انتهت على نحو تراجيدي، على غرار جمهورية مهاباد في ايران بعيد الحرب العالمية الثانية. وغير ذلك، فإن الأكراد في كل البلدان التي يتواجدون فيها بحضور قومي يعتد به مثل العراق وتركيا وايران وسوريا، كانوا جزءا حيويا من الحياة السياسية والإقتصادية والثقافية في هذه البلدان، واحتلوا مواقع مرموقة في أنظمة الحكم وفي الأحزاب المعارضة على حد سواء.
في المقابل، فإن الأصابع الإسرائيلية للإستفتاء تبدو الأكثر حضوراً وتحريكاً، وبما يتناقض مع المصالح الكردية نفسها، ومن ذلك:
سقوط البافرستيت أو العازل الطائفي المسلح، داعش، بعد تحوله الى عبء دموي ثقيل على الرأي العام الأوروبي والأمريكي، واستبداله بشكل جديد من البافرستيت، أقل إثاره، ويخدم في الوقت نفسه استراتيجية عزل المحور السوري الإيراني وخط المقاومة عبر قاطع مناهض لهذا المحور. ويبدو أن إقامة (إسرائيل كردية) بين سوريا والعراق وايران باتت البديل الإسرائيلي للبافرستيت الداعشي.
يتصل بذلك تصور تل أبيب لإحياء خط كركوك حيفا النفطي، الذي يناقش منذ عقود، كجزء من مشروع كونفدرالي يضم الأردن والضفة الغربية والكيان الكردي مع (إسرائيل) ويأخذ في البداية شكل تشبيكات إقتصادية على غرار إتحاد البينيلوكس الذي أسس للإتحاد الأوروبي، وذلك وفق اقتراح لشمعون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد.
حسب مداولات في مؤتمر هرتزليا 2015، فإن (إسرائيل) التي كانت المستفيد الأول من المناخات الدامية للإحتقانات المذهبية في العراق، قد تجد نفسها في لحظة تاريخية مواتية مع احتقانات قومية في الإقليم ناجمة عن زياده نزعات الإنفصال الكردية.
وتتجلى هذه اللحظة في وضع حد لصعود القوى الإقليمية، المنافسة (ايران) والصديقة (تركيا) واستنزاف هذه القوى في المستنقع الكردي إذا ما نجحت زعامة أربيل في إقناع الأكراد بالإنفصال، كما أن من شأن هذا المستنقع حسب المداولات المذكورة إغراق سوريا من جديد بعيدا عن الحدود الجنوبية.
الى ذلك، فإن تحرك زعامة أربيل نحو الإنفصال، تغذي من الزاوية الإسرائيلية نزعات أخرى من التشظي والتمزق المذهبي والكراهية الطائفية، بالنظر الى (الطابع السني لأكراد العراق وسوريا وايران) وهو الأمر الذي لا ينطبق على أكراد تركيا وتنوعهم المذهبي.