معارك أبو تايه وحادثة السفارة والسيادة الأردنية: هل نملك قرارنا السيادي؟ ولماذا غابت مؤسسات الدولة عن المشهد؟
“شعرت اليوم بأن الدولة كلها وقفت بجانبنا”
المجرم زيف مردخاي قاتل المواطنين الأردنيين مخاطباً رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.
رغم عدم خروج أية مظاهرات احتجاجية على حادثة السفارة –باستثناء مظاهرة يتيمة من أمام مسجد الكالوتي-، إلا أن الغضب الشعبي عبر شبكات التواصل الاجتامعب كان كافياً لإجبار الحكومة على تغيير الخطاب الرسمي الأردني، واتخاذ إجراءات تخفف من حجم الاحتقان داخل المجتمع الأردني.
وكانت الحكومة قد تعاملت مع ملف حادثة السفارة من منطلق التابع والخاضع، ولم يصمد قرارها بمنع سفر رجل الأمن الصهيوني القاتل لبضع ساعات، لتخضع لإرادة الحكومة الصهيونية ورغبات نتنياهو وسيده ترامب. وكان المؤتمر الصحفي لوزيري الخارجية والدولة لشؤون الإعلام أقرب إلى المهزلة. حيث لم يستطع أي منهما في إقناع المواطن الأردني بأسباب ودوافع الحكومة لاستمرار في الاستخفاف بدماء أبناء هذا الوطن وكرامتهم.
كما لم يكن تعاطي الحكومة مع القضية بمستوى الحدث، فقد اكتفت ببيان مقتضب من قبل الأجهزة الأمنية، وقامت بتسريب أخبار متضاربة لوسائل إعلام محسوبة عليها، ولم يخرج الناطق الرسمي باسم الحكومة بأية تصريحات إلا بعد أن انتهت الحادثة بعودة الصهيوني المجرم إلى “إسرائيل”، وذلك من خلال مؤتمر صحفي كان أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه صادم للمواطن الذي كان ينتظر تبريرات وخطوات تصعيدية رسمية للحفاظ على ما تبقى من كرامة المواطن والوطن.
الخواجا: حكوماتنا الأردنية أصبحت مجال تندر المواطنين، وتآكلت هيبتها مع كل حكومة جديدة تتشكل، بسبب نهج الحكم الثابت في طريقة تشكيل الحكومات وإملاء برنامجه عليها.الغضب الشعبي الأردني جاء بعد عدة حوادث تكررت فيها إهانة الجانب الصهيوني للأردن والاستخفاف به، ابتداءً بالشهيد رائد زعيتر مروراً بشهيد القدس الكركي العمرو، وليس انتهاء بالأسرى الأردنيين المعتقلين في سجون الاحتلال. إلا أن حادثة السفارة كانت الأكثر مهانة خاصة وأنه تم خلالها احتجاز أو على الأقل منع سفر رجل الأمن الصهيوني، ومن ثم السماح له بمغادرة الأردن دون أسباب حقيقية، إضافة إلى التصريحات الصهيونية الرسمية وتسريبات محادثات رئيس الوزراء الصهيوني مع السفيرة الصهيونية في الأردن ورجل الأمن المجرم، والتي كانت في قمة الاستفزاز والاستخفاف بمشاعر الأردنيين. ليأتي المؤتمر الصحفي لوزيري الخارجية والدولة لشؤون الإعلام ليزيد الطين بلة، وكأنهما يدافعان عن حق نتنياهو وحكومته في مطلبهم بإعادة هذا المجرم.
حادثة السفارة التي قام من خلالها رجل الأمن الصهيوني الذي يعمل بالسفارة الصهيونية، بقتل مواطنين أردنيين اثنين بدم بارد، ومن ثم سمحت له الحكومة الأردنية بمغادرة البلاد والعودة إلى “إسرائيل”، هذه الحادثة تزامنت مع الحكم بالسجن المؤيد بحق الجندي معارك أبو تايه الذي قام بقتل جنديين أمريكيين في قاعدة عسكرية لتدريب المعارضة السورية في الجفر بالأردن، وهو الأمر الذي فاقم من حجم الاحتقان لدى الشعب الأردني بشكل عام وعشيرة الجندي أبو تايه بشكل خاص والتي أقامت سلسلة احتجاجات رفضاً للقرار القضائي الذي اعتبرته مسيساً ومحابياً للجانب الأمريكي.
الدكتور عصام الخواجا نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني يؤكد في حديث خاص لـ نداء الوطن أن حادثة السفارة كشفت حجم الضعف، وغياب الندية، والتبعية وغياب استقلالية القرار، والإرتهان لمعاهدة وادي عربة ، التي تطال كافة القطاعات والسياسات، وتصبح بموجبها أولويات الاحتلال الصهيوني ومصالحه فوق مصالح وأولويات السيادة الوطنية الأردنية. ورأى الخواجا أن تصريحات نتنياهو مثلت أقسى درجات الازدراء وعدم الاكتراث تجاه الطرف الأردني الرسمي، ناهيك عن مشاعر الشعب الأردني، وتصرف بما ينسجم والعقلية الصهيونية العنجهية التي تشرع لنفسها أنها فوق كل قانون وفوق كل اعتبار أو حق للآخرين.
غياب مؤسسات الدولة والسيادة الوطنية
تعاطي الحكومة مع حادثة السفارة ومن قبلها محاكمة الجندي معارك أبو تايه، فتح الباب مجدداً لملف الولاية العامة خاصة في ظل الغياب التام لرئيس الوزراء عن المشهد.
يلفت الدكتور عصام الخواجا إلى أنه كما هو حال كل الأشياء ، فالأزمات والتحديات هي محكات واختبارات موضوعية لقدرة الدولة ومؤسساتها ، وكفاءة برامجها وخططها المُعدة مسبقاً لمواجهة أي خطر محتمل ، سواء كان بيئياً – طبيعياً ، صحياً ، سياسياً ، أو اقتصادياً . هذه الفرضية تنطلق من أن هناك في الأصل ، تفكيراً مسبقا بكل هذه الاحتمالات وغيرها ، وتأتي التحديات لتختبر ما هو مُعد وما يمكن تصويبه وتطويره بناء على التجربة وقياس درجة الاستجابة والإخفاق. لكن الأخطر هو عندما تغيب الاستعدادات والخطط والبرامج ، فتتحول ردود الفعل إلى حالة من الفوضى والإرتباك والتخبط ، وينكشف للجميع فداحة غياب الرؤية والمنهج والضوابط والهدف.
ويشير الدكتور الخواجا إلى أن هذا هو حال مؤسسات الدولة الرسمية تجاه حادثة السفارة ، والتي هي بأبسط التوصيفات جريمة قتل عمد ، ومرتكب الجريمة معلوم كما الضحايا ، وبالتالي ، وبغض النظر عن صفة القاتل ، فالقضاء الأردني في دولة يفترض أن يحكمها القانون والمؤسسات، لكن ما حصل أن كل الأجهزة المعنية بإلقاء القبض على المجرم وضمان تقديمه إلى القضاء لحفظ حق الضحايا أولاً وكحدٍ أدنى ، تعطلت بفعل قرار لم يعرف كيف اتخذ ومن اتخذه وما هي قنوات تنفيذه.
وفيما يتعلق بدور وصلاحيات رئيس الوزراء المتاحة له، فيرى الخواجا أنه يحكمها نزع الولاية العامة عن الحكومة، في مخالفة فاضحة للدستور الأردني، الذي هو بدوره كان ضحية تعديلات متتالية أجريت عليه بشكل لا دستوري، ما جرد الحكومة من كل صلاحياتها التقريرية، وحصر دورها في إدارة الوزارات وموظفيها ضمن سقف السياسات التي تُملى من الخارج سياسياً واقتصادياً، إلى درجة أنها طالت القضاء في قضية معارك أبو تايه، ولذلك ومنذ زمن ، فإن كل من أوكلت له هذه المهمة لم يكن افرازا لحالة سياسية برنامجية تحظى بدعم وقاعدة اجتماعية وجماهيرية عريضة ، بل موظفاً يقبل هذا الموقع الذي يكلف به ويتمتع بامتيازاته ، دون ان تكون له أية بصمة أو دور تقريري ، إلا من باب الإمعان في تنفيذ ما اجتلب للقيام به ، فلا علاقة له بنبض الشارع وهموم الناس. ويؤكد الدكتور الخواجا على أن نموذج الحكومات في الأنظمة الرئاسية يتمتعون بصلاحيات أوسع من صلاحيات حكوماتنا الأردنية، التي أصبحت مجال تندر المواطنين ، وتآكلت هيبتها مع كل حكومة جديدة تتشكل ، بسبب نهج الحكم الثابت في طريقة تشكيل الحكومات وإملاء برنامجه عليها.
غياب الأحزاب عن المشهد الوطني: هل أضحى العالم الافتراضي بديلاً؟!
حادثة الجندي معارك أبو تايه وغياب الأحزاب التام عنها –باستثناء بيان أو انثنين صدرا من حزبين اثنين فقط-، وبطء تعاطي الأحزاب مع حادثة السفارة وتحركها بشكل خجول، فتح الباب واسعاً أمام آليات العمل الحزبي في الأردن.
ويرى نائب الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية الدكتور عصام الخواجا أن الأداء المتواضع للأحزاب بشكل عام ، رغم التفاوت في دور البعض القليل جداً منها ، والذي لا يغير كلية المشهد، كان أحد أبرز تداعيات الواقعتين ، وهو يعكس غياب الرؤية والإرادة لدى غالبيتها الساحقة، ما حولها إلى حالة معزولة عن الجماهير، لا تشعر بنبضها ووجعها، ولا تتقدم الصفوف لقيادتها، ونحن شهود بالوقائع على مبادرات بالكاد استطاعت انتزاع قرارات بالتحرك تجاه هذا الملف أو ذاك، وأجزم أن الروح المثبطة تهيمن على هيئاتها القيادية وبنيتها التي تآكل أغلبها. وبالمعنى العملي هناك حالة عجز تسربت إلى العديد من البنى الحزبية تضعها الآن أمام تحدي الاستمرار أو الأفول.
ويعتبر الخواجا أن العالم الافتراضي كوسيلة لتحقيق المطالب الشعبية والوطنية ، قد يكون مهماً كأحد الأدوات ، لكن ، دون الوصول إلى التنظيم الحزبي والتنظيم النقابي، أي أن تنتظم الناس في مؤسسات حزبية ونقابية قطاعية واسعة ومنتشرة وتمارس نشاطها دون مضايقات وتقييدات، فإن العالم الافتراضي سيبقى دوره محدوداً، وقد يساهم في التعبئة والتحريض والدعوة لقضية ما ومحددة، لكنه غير قادر على بلورة وتنظيم قوى التغيير الديمقراطي القادرة على فرض وقائع جديدة وتغيير موازين القوى وصولاً لتحقيق المطالب الشعبية والوطنية.
ويضيف الدكتور عصام الخواجا أنه للأسف فإن غالبية، وليس كل، رواد وسائل التواصل الاجتماعي لا يمثلون حالة راقية من الوعي العميق بأهمية التغيير وبرنامج التغيير وآفاقه الاجتماعية الاقتصادية التي تعيد السلطة للشعب والتحكم بمقدراته وبسط سيادته وضمان استقلاله.
ولفت إلى أن مجتمعات الدول الأكثر تطوراً وتقدماً في وعيها الاجتماعي وارتقاءً بآليات الديمقراطية الانتخابية في تداول السلطة هي الأقل استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي وما زالت الصحف الورقية والكتاب الورقي هي أهم وسائل الحصول على المعلومة والترويج للأفكار والتعبير عن البرامج.