مقالات

معركة “الأقصى”.. وامتحان الأمة!

اضافة الى مواقف وتحرك الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وحده الأردن الذي تقدمت على اجندته وتصدرتها مهمة التصدي لتصاعد الانتهاكات الاسرائيلية في المسجد الاقصى والحرم القدسي الشريف، فيما بدا ان باقي الدول العربية والاسلامية لا تتخذ سوى الحد الادنى من المواقف الخجولة المنددة بالجريمة الاسرائيلية بحق الاقصى واغلاقه والتضييق على مصليه.
لم تحتل قضية الأقصى وما يتعرض له اليوم من محاولات اسرائيلية لفرض امر واقع جديد، يمكّن الاحتلال من تمرير مخططاته العدوانية ضد اقدس بقاع الارض، مكانتها من الاهتمام والتفاعل الذي تستحقه عربيا واسلاميا، وما نتحدث عنه هنا الحد الادنى المتوقع تجاه قضية العرب والمسلمين الاولى، اي حتى في باب التصريحات المستنكرة وخطوات دبلوماسية وسياسية وتحركات على الصعيد الدولي للتصدي للانتهاكات الاسرائيلية.
ورغم عدم تناسب التحرك الحكومي الاردني مع ارتفاع حدة الخطاب الشعبي والنيابي تجاه تطورات الاقصى والمطالبة الواسعة بالرد بقطع العلاقات مع اسرائيل واغلاق سفارتها في عمان، فان من الظلم عدم التنويه الى ان التحرك الدبلوماسي والسياسي الاردني الرسمي كان لافتا ونشطا وحازما في ادانته للعدوان الاسرائيلي من جهة، وفي اثارة هذه القضية والتحذير من تداعياتها على الاستقرار والامن الاقليمي والدولي.
لم تثن الانتقادات الاسرائيلية، بل وتهجم مسؤولي الاحتلال، على الموقف الاردني الرسمي والشعبي، دون مواصلة الاردن لتحركاته وجهوده بقرع جرس الانذار امام المحافل الدولية بخطورة التصعيد الذي تتسبب به اسرائيل بانتهاكاتها وتهديدها بنسف كل جهود احتواء ازمات الاقليم بما فيه الارهاب. ضمن هذا السياق جاء اتصال جلالة الملك مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، ولاحقا اتصالات وزير الخارجية مع نظيره الروسي ومن ثم اجتماعات الوزير امس مع سفراء المجموعة الأوروبية والدول الآسيوية، وغيرها من تحركات، فيما اسند مجلس النواب الموقف الرسمي الاردني بهذه القضية بصورة ايجابية ولافتة.
اغلب الدول العربية والاسلامية اكتفت – وللاسف- بمواقف وتصريحات خجولة من التصعيد الاسرائيلي في القدس، وحتى الجامعة العربية لم تبادر الا للتحذير من التصعيد الاسرائيلي، وكفى الله المؤمنين شر القتال! بينما كان لافتا استحواذ الازمة الخليجية الداخلية، التي لا ترتقي بحال لخطورة القضية الفلسطينية وقداسة الاقصى والقدس، على اهتمام واستقطابات واسعة عربيا واسلاميا!
لا بل، ولا يستطيع المواطن العربي البسيط الا ان يقف اليوم ليتساءل بكل استنكار الارض، عن سر اندفاع العديد من الدول العربية والاسلامية للتدخل، ان لم نقل اشعال، الازمات الداخلية في سورية وليبيا وغيرها، وضخ عشرات المليارات من الدولارات لتمويل المعارضات المسلحة وفتح خزائن الارض بالرجال والسلاح والمال لها، رغم ما جره ذلك من دمار وخراب واضعاف لم يقتصر على الدول المتضررة مباشرة بالازمات بل تعداها ليطال باضراره الاستراتيجية الامة قاطبة.
هذا “الكرم” والاغداق غير المقيد على تلك الدول وازماتها الداخلية لم يقابله ولو 1 % لدعم الشعب الفلسطيني وصموده في ارضه وقدسه، بل ترك هذا الشعب نهبا للفاقة والازمة الاقتصادية والمعيشية، لتنضاف بقساوتها الى مرارة وبشاعة الاحتلال واستيطانه وارهابه واجراءاته العدوانية على الأرض.
ما يجري بفلسطين والقدس اليوم ليس ازمة عابرة كما يعتقد البعض، بل هو محاولة اسرائيلية لتكثيف اللحظة، وسعيها لقطف ثمار التفوق الاستراتيجي غير المسبوق الذي وصلته اليوم في ظل الانهيارات والانقسامات العربية وخروج العراق وسورية والى حد ما مصر من الحلبة كمعادل وعمق عربي استراتيجي في الصراع مع هذا الكيان، حيث تجهد اسرائيل اليوم لاستغلال عملية القدس الفدائية الاخيرة لتمرير مخططاتها في الاقصى والحرم الشريف، ولاحقا بكل الاراضي الفلسطينية المحتلة.
لا نخشى على حقوق الشعب الفلسطيني فصاحبها شعب صامد وقدم ويقدم الكثير من التضحيات، ولا يمكن لارادته الانكسار في وجه ابشع احتلالات التاريخ الحديث، ولا بد له من الانتصار وتحقيق حلمه بالحرية والاستقلال، لكن متابعة وقراءة ردود الفعل العربية والاسلامية الرسمية تجاه قضيتهم الاولى كما يفترض وتجاه اقدس مقدساتهم، هي التي تثير في النفس الاسى والاشمئزاز من مستوى الدرك الذي وصله الواقع العربي الحالي!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى