التبعات الخطيرة لصفقة الغاز … عبد المجيد الخندقجي
لأول مرة منذ توقيع اتفاقية وادي عربة المشؤومة، والتي جرت على الأردن الويلات والمصائب، تجتاح الشارع الأردني، بجماهيره، ونوابه، واوساط رسمية وأخرى سياسية، حالة من الهيجان والسخط والقلق، نتيجة إصرار الحكومة على تنفيذ إتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني.
إن صدمة عنيفة ضربت الأردنيين نتيجة هذا التسونامي السياسي، الذي سيجرف الأردن بتاريخه الوطني وعزة وكرامة شعبه الابي ليسقط في احضان عدو، من اعدى اعداء الأردن واحتوائه وتهديد نسيجه الوطني منذ ان زرع هذا الكيان في بقعة عربية هي الأهم والأقدس في المنطقة.
الأردن بأوساطه الشعبية والرسمية والنيابية والإعلامية بدأ يدرك طبيعة هذه الصفقة المخيفة والخطيرة على حاضر ومستقبل الأردن ككيان وشعب ومقدرات، إلا الحكومة التي اعماها عجز الموازنة عن رؤية كل ما يحيط بالاردن من مخاطر استراتيجية، هذه الصفقة التي وصفها الدكتور النسور نفسه بأنها ” أقرب إلى تجرع السم “، ووصفها نواب برلمانيون بـــــ ( صفقة العار)، وقال طاهر المصري ( أن لها كلفة سياسية)، ونحن عن الشعب الأردني نقول للدكتور النسور: أوقف هذه الصفقة، وانت تعلم أن الشعب تحمل كل شيء من فساد وسرقة وهو على إستعداد لمزيد من التحمل ولكن أوقف هذه المغامرة.
لقد هدد نواب الأمة باستقالات جماعية إذا لم يتم إلغاء الإتفاقية وعدم تدفق الغاز الذي اغتصبه العدو من أراضي عربية، وهي المرة الأولى التي تحدث في العالم، الا يكفي ذلك؟ هل تنصاع لضغط العدو الأمريكي ولا تنصاع لشعبك؟ ماذا جلبت واشنطن لشعبنا ولأمتنا سوى الخراب والتفكك والفقر.
لا أحد في العالم، في واشنطن وتل أبيب والدول العربية ينظر إلى المظهر الخارجي، القشرة الاقتصادية للصفقة بل الجميع بما فيهم (الإسرائيليون) يؤكدون أن جوهر الصفقة ومحتواها سياسي بامتياز.
والصفقة ليست وليدة الاعلان عنها، تصوروا ان جون كيري كان مركز اهتمامه خلال جولاته المكوكية والحرب قائمة على قطاع غزة، هو اقناع الاردن بضرورة التوقيع على الصفقة، ونتنياهو ترك قواته العسكرية تغوص في رمال غزة وحضر إلى الأردن لنفس الغرض.
ما الذي دعا الولايات المتحدة (وإسرائيل) والحرب الطاحنة دائرة في غزة، ونصف شعب الكيان الصهيوني يختبيء في الملاجىء وعشرات الصواريخ تنهال على مدن ومستوطنات الكيان، ما الذي دعاهم لكل هذا الاهتمام بالصفقة؟؟
مسؤول أمريكي رفيع المستتوى شارك في جلسات النقاش الأردني الأمريكي (الإسرائيلي) قال: ” اسرائيل سوف تتغلب على كل تصوروا (كل) المصاعب السياسية وتصدر الغاز إلى الأردن ومصر وتركيا، وسيكون ربما لنقل الغاز دور مهم في نقل مواقف سياسية أكثر أهمية).
وصحف ” إسرائيلية ” كشفت بأن تقديرات ” إسرائيل ” تفيد بأن الحكومة قد تحصل على (60) مليار دولار خلال العقدين المقبلين من حصيلة الضرائب والرسوم من بيع الغاز.
وأضافت الصحف العبرية (أن إسرائيل تواصل توسيع شبكة المواصلات التي تربط المدن الكبرى بالحدود مع الأردن).
مراسل صحيفة كلكلست العبرية _ كلكلا تعني اقتصاد بالعبري _ ليئور جوطحان قال: (أن الأردن تخلى عن غاز قطر والخليج وفضل الغاز الإسرائيلي)، طبعاً لا أحد يصدق هذا الصهيوني، لكن علينا أن نتصور ماذا يفعل الصهاينة في تخريب العلاقات العربية، وماذا سيفعلون إذا ما تغلغلوا في الأردن وفي المنطقة.
صحيفة داما كار العبرية، أوضحت أن واشنطن ترى في الصفقة محوراً استراتيجياً، ووسيلة للاندماج الاقليمي وتدعيم محور الاعتدال.
الصحفي يوآف شتيرن قال: ” الصفقة مهمة بالنسبة للنمو الاقتصادي في اسرائيل لأن تصدير الغاز إلى الدول المجاورة يوفر تكاليف الشحن “.
ماذا نستنتج من كل ذلك؟ أن المشكلة لا تكمن في حاجة الأردن إلى الغاز ” الإسرائيلي ” بالذات، فالغاز موجود في السعودية وقطر والجزائر، والعراق، ويستطيع الأردن إستيراده من أحد الأقطار العربية، حتى لو زادت تكاليف الشحن، المشكلة أن الأردن يقع في مساحة جيواستراتيجية ضرورية لتعميق وتوسيع التطبيع العربي الصهيوني، ومن ثم دمج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية.
ويتساءل البعض، إذا كان الأردن قد ابرم عدداً من البروتوكولات الاقتصادية لاستيراد النفط ونقل الفواكه والخضار إلى العراق، اليس بامكانه نقل الغاز حتى ولو استدعى ذلك مدّ انبوب إلى جانب الانبوب المنوي إنشأوه لنقل البترول من البصره إلى العقبة.
الأردن يمتلك بدائل، لكن ليس باستطاعته رفض الضغوط الأمريكية والصهيونية، رغم أن الدكتور النسور قال: ( ان الصفقة ليست بسبب سيناريوهات سياسية أو تعليمات)، لقد تعلمنا في السياسة أن نأخذ من المسؤول غالباً عكس ما يصرح به.
الاردن مقبل على أخطر مرحلة في تاريخه نتيجة تورطه في علاقة تبعية مع الكيان الصهيوني، وهو ما يبرر الشعور بالصدمة في الشارع الأردني. وإذن على الحكومة الأردنية ان تبادر فوراً وبلا أي تأخير إلى الانسحاب من الإتفاقية المذلة المشؤومة، حتى لو وقعت عليها، وقد وقعت بالفعل على الاتفاقية هكذا اقسم سفير العدو الذي بكل وقاحة، وفي عقر الدار شتم نواب الأمة.
وللأردن عذر في الانسحاب من هذه الإتفاقية، فشعبه بكل شرائحه والوانه محتقن وغاضب، والبلد مقبل على الإنفجار إذا لم يتم إلغاء الإتفاق وعلى الحكومة النظر إلى المؤشرات، من مظاهرات وإعتصامات.