مقالات

تطبيع قسري…رانيا لصوي

 

استماتت الحكومات المتعاقبة في الأردن منذ تاريخ توقيع اتفاقية “وادي عربة” والى الآن على تكريس نهج التطبيع مع الكيان الصهيوني،وهذا يعكس نهج هذه الحكومات المرتهن للسياسات الصهيوامريكية وعدم قدرتها أو رغبتها – لافرق- على الوصول الى قرار اقتصادي سياسي مستقل ينسجم مع ذهنية وثقافة مقاومة التطبيع الواضحة لدى الشعب الأردني عموما.

عملت الاتفاقيات العربية – المعلنه وغير المعلنه- مع الكيان الصهيوني ليس ابتداءا بكامب ديفيد، اوسلو، وادي عربة ولا انتهاءا بمبادرة السلام العربية على استباحة العديد من جوانب التطبيع مع الكيان الصهيوني سواءا من باب الضرورات كالتطبيع الاقتصادي، أو هلامية بعض الجوانب واختلاطها على  أنها طبيعية وغير مرتبطة بشكل مباشر بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. فبرز مفهوم التطبيع وبدأ التداول به لتحقيق هدف “الشرق الأوسط” المطروح كتعبير جغرافي قدمته الحكومة الصهيونية في عام 1976 ليشمل بلدان المنطقة بما فيها الكيان الصهيوني والذي تحوّل في بداية التسعينات الى مشروع اقتصادي سياسي حمل اسم “الشرق الأوسط الكبير” لتكريس الهيمنه الصهيوامريكية على المنطقة ومواردها الاقتصادية. ومن هنا أصبح من الضروري التوقف أمام مفهوم التطبيع وتوضيحه والتعبئة لنشر ثقافة مقاومته.

كلمة التطبيع تعني جعل ماهو غير طبيعي طبيعياً، وبالتالي جعل العلاقات طبيعية بين طرفين ليست العلاقات بينهما طبيعية حالياً، سواءٌ كانت طبيعية سابقاً أم لا.

أما مفهومها في القانون الدولي فيعني عودة العلاقات إلى طبيعتها بين الدول، أو أن تقوم علاقة بين عدوين سابقين، أو ما بين طرفين، أو ما بين دولتين إلى طبيعتها، بعد خلل صاب هذه العلاقات، على أن يصبح التعامل بينهما عاديًا بعد انقطاعه أو فتوره، لأسباب ناشئة عن نزاع أو صراع بينهما على حقوق أو مصالح، مما أفضى إلى أشكال من النزاعات والمواجهات السياسية والعسكرية والثقافية، وأدى إلى تعطيل العلاقات وانقطاع الصلات الطبيعية بينهما.

واذا أردنا أن نخصص مفهوم التطبيع مع الكيان الصهيوني فإنه وبحسب الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية “لاسرائيل”: “المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني.

وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية. ويستثنى من ذلك المنتديات والمحافل الدولية التي تعقد خارج الوطن العربي، كالمؤتمرات أو المهرجانات أو المعارض التي يشترك فيها إسرائيليون إلى جانب مشاركين دوليين، ولا تهدف إلى جمع الفلسطينيين أو العرب بالإسرائيليين.

واللافت ذكره هنا أن القيادة الفلسطينية المتنفذة بحسب ماقالته الرفيقة خالدة جرار ليس عندها موقف ضد التطبيع وتحديد مظاهره، فهي مثلا لا تعتبر أن اللقاءات مع اسرائيلين أو مع مجموعات اسرائيلية تطبيعاً.

في الوقت الذى نرى فيها أنظمتنا العربية تدجن عقل جيل بأكملة وتغير مفاهيمة ليكون أكثر صوغاً للتعامل مع الكيان الصهيوني، ونجد بعض المنظرين المارقين يعبثون في المفاهيم الثابته، فإن هناك كيان محتل مبني أساسا على الفكرة وتعميقها محاولاً خلق شعب لا يجمعه سوا تلك الفكرة، فهم يخلقون عقيدة تجمعهم وحضارة يتغنون بها هي بالأصل لنا.

أما نحن – الجانب الثاني للصراع-  نغير مناهجنا ونمحو منها ما هو قومي ووطني، نلغي من عقول جيل كامل بطولات أبنائنا الشهداء في معارك ضد هذا الكيان الغاصب.

نحن من استبحنا أختام السفارات واعترفنا بوجود الكيان الغاصب على أرضنا، شرعنا لأنفسنا الحق بدخولها من باب المحتل فأطبقنا على باب المقاومة ضمنا.

نحن من قبلنا أن نفتح باب التبادل التجاري وفعلياً هو لن يكون سوى تبادل الفكرة، أن نتقبل الآخر ونعترف بوجوده، فنفتح له أبواب مدارسنا وجامعاتنا، ونعتز بأن الجار القريب،على أرضٍ محتلة نسيناها، يملك ثقافة ودراسة قد تفيدنا يوماً، نحن من نجعل من حبة الزيتون حمامة بيضاء لسلام وهمي، وتناسينا أنها جُبلت بدماء الشهداء فهذا الزيت يقطر دماً أخضر.

أرادو لنا أن نختلف بالمفهوم، فيصبح الإلتقاء مع العدو الصهيوني اجتماع، والحديث معه مفاوضات، وغاز أرضنا المسروقة في المنزل حياة، وكيف لنا أن نعيش بلا حياة.

هو التطبيع القسري مهما حاولنا رفضه، هو اجبار شعب كامل على تخطي جوهر الصراع العربي الصهيوني، والتعاطي مع اتفاقيات سلام وهمية فرضت علينا، ولم ولن يحترمها أحد.

قضيتنا اليوم أن نخلق وعي مقاوم قادر على التقاط الفكرة ولو أنها مارقة، قضيتنا أن نؤكد على أن المحتل  يبقى محتلاً ولن يتجمل بفرض الواقع، ولن نتعايش معه لأنكم ضعفاء خذلتم القضية.

قضيتنا الأم نوجه لها النداء اليوم، من الأسرة نبدأ بتكريس مايحاولون طمسه، من الأسرة نبني جيلا مقاوم في زمن خذلنا فيه الأقربون وأبناء الجلده. قضيتنا جبهات مقاومة لخلق وعي جديد يرفض الكيان الصهيوني ولا يعترف بالتعايش معه على ذات الأرض المحتلة، يعي تماما أنه لن يكون لنا جاراً ولن يبقى لدولته بُنياناً طالما أنه محتل غاصب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى