تحرر النساء شرط لازم لتحرر الرجال …سمير دياب
قضية المرأة، قضية اجتماعية وسياسية، تتعلق باضطهادها وما تتعرض له من أشكال الظلم والاستغلال والقهر والعنف وما تعانيه من أنواع التمييز الجنسي والقانوني في سائر مجالات الحياة. وكون القضية وطنية يجعلها قضية المجتمع برمته، بصفتها ترتبط بالحرية والعلمنة والديمقراطية والتقدم الإنساني.
لا يمكن النظر إلى القضية من زاوية الكم، أو النوع، أو الجنس، أو ما شابه ذلك. بل، من زاوية التكامل العضوي الضروري والوحدة الجدلية بين الجنسين. يعني، أن الموضوع كقضية، لن يتم حسمه في نهاية الأمر إلا على صعيد المجتمع ونظامه العام وشكل وجوده القانوني والسياسي والاجتماعي. رغم بعض التقدم هنا، أو هناك، في مطلب أو مسألة ما.
أولى خطوات التحرر والتقدم، تكمن في الإعتراف بالمرأة ذاتاً إنسانية حرةً، مستقلة، مساوية للرجل في الكرامة الإنسانية، وفي سائر الحقوق، ومعاملتها على هذا الأساس. وإن تحرر النساء شرط لازم لتحرر الرجال. والمجتمع هنا، في مفهومه وواقعه، هو، الإنسان نفسه وقد غدا موضوعياً. وبهذا المعنى، فإن الإنسان لا ينتج عالمه وتاريخه فحسب، بل ينتج ذاته في العالم وفي التاريخ. أي ينتج ثقافته وحضارته.
ما من شك في أن قضية المرأة مرتبطة بقضية الأسرة، النواة الأساسية للمجتمع. فالفرد والعائلة هما مقدمتا المجتمع المدني، في دولة سياسية تقوم على مبدأ الحقوق المتساوية في جميع المجالات، وعلى مبدأ الاختيار الحر والتشارك التـام في جميع شؤون الحياة. وهذا هو شرط الحب والتفاعل الإنساني الذي يتلقاه الأولاد فيكسبهم معرفة وثقافة وتوازناً. وفي حق اختيار إدارة وتنظيم حياتهم، بما في ذلك الزواج والطلاق المتساوي للزوجين هو أحد شروط الشراكة المتكافئة، وهو أمر لا يتحقق بسيطرة المرجعيات الطائفية والمذهبية، إنما لا بد أن يترك الأمر للقضاء المدني المستقل. بيد أن حق الطلاق لا يعني وجوبه، بل يعني أن رباط الزوجية هو الحرية مشروطة بالمسؤولية وبالنظام العام في المجتمع الذي لا يمكن أن يكون حراً إلا إذا كان جميع أفراده أحراراً. وهذا لا يعني إمكانية بلوغ الحرية المطلقة واستئصال جذور الظلم والاستبداد والتسلط والتمييز ضد النساء، بل يعني أن يبلغ المجتمع مرحلة من الوعي يستطيع في مسيرة نضاله أن يضع الأصبع على الجرح، وأن يتوجه الى منبع الظلم والاستبداد والتسلط، للوصول الى هذا التغيير النشود في المساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والكرامة الوطنية.
ولما كان القانون، بصفته العامة والمجردة، هو مبدأ وحدة المجتمع وماهية الدولة، فإن القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية هو المدخل الضروري لتوحيد القانون، ومقدمة لازمة لتوحيد المجتمع؛ فلا يعقل أن نتحدث عن مجتمع مدني ديمقراطي، أو عن وحدة وطنية في ظل قوانين متعددة في “المجتمع” الواحد، ولا سيما في مجال الأحوال الشخصية ( لبنان، 18 طائفة و15 قانون مذهبي)؛ إذ لا تزال هذه القوانين تخضع لنظام الملل العثماني، مع بعض الرتوش التي لم تغير في المضمون، حيث تتعزز الانقسامات وتتنوع أشكال التعاطي مع المرأة وفقاً لكل طائفة ومذهب، تمييز فاقع بين إمراة وأخرى في ذات المجتمع، وما زلنا للأسف نعيش وفق النظرية الذكورية السائدة، عصر” الحريم” . لذلك ، فإن قضية المرأة تتصل، من هذا الجانب، بقضية علمنة المجتمع وتحديثه وجعله فضاء مشتركاً من الحرية.
إن قضية المرأة في مجتمعنا، كما في سائر المجتمعات المتخلفة، تكتسب الطابع الثوري. لأنها قضية تستهدف النواة الصلبة للأيديولوجية التقليدية السائدة، بما هي أيديولوجية ذكورية متفوقة، وإن طابعها الثوري، يكمن حصراً في اعتبارها قضية الإنسان وقضية المجتمع، على الصعيدين الإنساني العام والاجتماعي الخاص، وقضية الديمقراطية على الصعيد السياسي. المعركة التي يتوقف على كسبها مشروع الديمقراطية والتقدم العربي كله.
وقضية المرأة، هي أيضاً، قضية المستقبل، وذلك لارتباطها الوثيق بتفاوت النمو الذي ما يزال يتعمق بين المركز الامبريالي الرأسمالي المسيطر والأطراف التابعة والمستباحة والمتخلفة، وما يفرضه هذا المركز على الأطراف من تبعات سياسية واجتماعية واقتصادية وإنسانية، للحفاظ على سيطرته وهيمنته؛ لارتباط ذلك الوثيق: بالمسألة الاجتماعية، مسألة التفاوت الاجتماعي، حيث لا حرية مع التهميش والاقصاء والفقر، وبالمسألة السياسية، مسألة النظام العام على الصعيدين: الحقوقي والسياسي. بالمسألة الثقافية، الموروثات الغيبية والتقليدية التي تحاول بتحالفاتها السياسية والمالية والطائفية أن تعيد إنتاج الأفكار والتصورات والعلاقات ذاتها، وأن تسوق لها، بغرض منع تحرر المرأة، ومنع جعلها شريكة في عملية البناء. وهي منهجية فكرية وسياسية لنظام ليست خاصة بنضال المرأة وتحررها فحسب، بل هي سياسة معتمدة ضد كل أشكال النضال الساعية إلى إحداث نقلة نوعية في عملية الإصلاح والتغيير الديمقراطي في لبنان والمنطقة العربية.
اليوم، وفي خضم الحرب الأميركية الإرهابية على المنطقة المباشرة أو عبر الدواعش الفاشية، ما هي إلا محاولة جديدة لطمس جوهر الصراع الوطني والطبقي، والقضاء على حق الشعوب في التحرر والحرية والديمقراطية والتقدم.
والمرأة كإنسان، لم تغب يوماً، عن ساحة من ساحات النضال الوطني أو الديمقراطي السياسي والاجتماعي والحقوقي. كانت، وستبقى، جزءاً من الثورة والمقاومة والنضال الديمقراطي العام من أجل التحرير والتغيير الديمقراطي.
تحية للمرأة في عيدها الدائم.