الكليات الطبية في الجامعات الرسمية .. الدجاجة التي تبيض ذهباً
في أقل من عشر سنوات، أصبح لدينا في الأردن ست جامعات تقوم بتدريس تخصص الطب البشري، بعد أن كان هذا التخصص محصوراً في جامعتين فقط هما الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا. فقد افتتحت كلية الطب البشري في الجامعة الهاشمية في عام 2006، تلتها جامعتي البلقاء واليرموك، وكانت جامعة مؤتة قد سبقتهم بسنوات.هذا التوسع الكبير في افتتاح كليات الطب البشري، لم يكن ناتجاً عن تلبية الحكومة لحاجة السوق المحلي لكوادر طبية، أو ضمن استراتيجية تهدف للتوسع في الخدمات الصحية. وإنما جاء لزيادة إيرادات الجامعات الرسمية، من خلال تحديد رسوم مرتفعة لهذا التخصص، وقبول أعداد كبيرة من المقبولين على البرنامج الموازي.
رسوم تنافس مرتفعة وموازي مفتوح على مصراعيه
تصل ساعة الطب في الجامعة الهاشمية إلى 85 دينار للساعة، وترتفع لتصل إلى 100 دينار للساعة في كل من جامعتي البلقاء واليرموك. أما الرافد المالي الأكبر لهذه الجامعات، فيتمثل بالقبولات الكبيرة على البرنامج الموازي في كلية الطب. فجامعة العلوم والتكنولوجيا تقوم بتخصيص 50 مقعداً سنوياً تقريباً لكلية الطب على البرنامج العادي يتم قبول نصفهم على الاستثناء (المكارم وأبناء العاملين والأقل حظاً .. الخ)، ما يعني قبول 25 طالب على التنافس، علماً بأن الجامعة تقبل سنوياً من 600-650 طالب وطالبة في كلية الطب، وبذلك تكون نسبة المقاعد المخصصة لطلبة التنافس في كلية الطب لجامعة العلوم والتكنولوجيا لا تتجاوز ال 4% من مجموع المقبولين (25 طالب من أصل 600).
والأمر نفسه ينطبق على الجامعة الأردنية التي تقبل سنوياً أكثر من 400 طاالب وطالبة في كلية الطب، حيث قامت بتخصيص 80 مقعداً تقريباً للبرنامج العادي سنوياً يذهب نصفهم للاستثناءات، فنصبح أمام 40 مقعد للتنافس من أصل ما لايقل عن 400 مقعد أي أن نسبة طلبة التنافس لا تتجاوز ال10% من مجموع المقبولين (40 من أصل 400).
والأمر نفسه ينطبق على الجامعة الهاشمية واليرموك ومؤتة. وبحسبة بسيطة فإننا أمام قبول 175 طالب وطالبة سنوياً تقريباً، سيتم قبولهم على برنامج التنافس في كليات الطب (باستثناء البلقاء التطبيقية) من أصل ما لا يقل عن 2100 طالب وطالبة هو مجموع المقبولين في كليات الطب في الخامس جامعات الرسمية، أي أن نسبة طلبة التنافس في هذه الجامعات الرسمية لا تتجاوز ال8% (175 من أصل 2100).
المعاني:التوسع في إنشاء كليات الطب وزيادة المقبولين أدى إلى انخفاض مستوى الخريجين وأثر على العملية التدريسية بصورة ملحوظةهذه الأرقام الخطيرة تؤكد ما ذهب إليه وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور وليد المعاني عندما وصف الكليات الطبية بأنها “الدجاجة التي تبيض ذهباً للجامعات الرسمية” ، حيث تسهم هذه الكليات في زيادة إيرادات الجامعات الرسمية، إلا أن هذه الزيادة في الإيرادات تكون دائماً على حساب مخرجات الكليات الطبية.
ويؤكد الدكتور المعاني في تصريح خاص لـ نداء الوطن أن الخبراء والمختصين يؤكدون على أن التوسع في إنشاء كليات الطب وزيادة المقبولين قد أدى إلى انخفاض مستوى الخريجين وأثر على العملية التدريسية بصورة ملحوظة.
فيما يرى الدكتور يزن هيجاوي عضو لجنة المتابعة لحملة “ذبحتونا” أن إدارات الجامعات الرسمية لم تلتزم بنسبة الموازي المقرة من مجلس التعليم العالي والتي تم تحديدها بـ 30% من مجموع المقبولين في كل تخصص. وأشار هيجاوي إلى أن مجلس التعليم العالي لا يقوم بدوره في مراقبة الجامعات الرسمية ومدى التزامها بأعداد المقبولين على البرنامج الموازي، وذلك للتغطية على تقلص الدعم الحكومي لهذه الجامعات.
توحيد رسوم الكليات الطبية والقبول المباشر ورفع الرسوم
في بيان أصدرته الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة “ذبحتونا” قبل أيام في الذكرى العاشرة لانطلاقتها، أكدت على أن الحكومة وواضعي سياسات واستراتيجيات التعليم العالي، لم يكتفوا بالتوسع في البرنامج الموازي في الجامعات الرسمية وبخاصة في الكليات الطبية، فنحن مقبلون –وفق بيان الحملة- ابتداءً من العام القادم، على ما هو أخطر. حيث يتوعدنا هؤلاء بقرارات، ستصب جميعها باتجاه رفع الرسوم الجامعية إلى مستويات فلكية، وتؤدي إلى جعل جامعات رسمية معينة حكراً على الأغنياء. وتتلخص هذه القرارات بالآتي:
1_ اعتماد القبول المباشر في التخصصات الطبية في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، تمهيداً لتعميمها على كافة التخصصات والجامعات الرسمية. والقبول المباشر في حال تم تطبيقه سيؤدي إلى رفع رسوم التنافس في الكليات الطبية بنسب تتجاوز الـ 200%.
2_ البدء في سياسة توحيد رسوم الكليات الطبية والهندسية في الجامعات الرسمية. وهذا القرار في حال تطبيقه، سيؤدي إلى رفع رسوم كافة التخصصات الهندسية والطبية بنسب تصل في بعض الجامعات الرسمية 200%.
3_ رفع رسوم التنافس تدريجياً في الأعوام الخمسة القادمة بنسب قد تصل إلى 100% في كافة الجامعات الرسمية ولكافة التخصصات، وذلك تحت ذريعة إلغاء الموازي. علماً بأن هذا الإجراء –إن تم- فإنه يعني أن كافة التخصصات ستصبح رسوم التنافس فيها مساوية لرسوم الموازي.
وأكدت الحملة أن هذا التوجه كان قد تم إقراره قبل ثلاثة أعوام، في عهد الوزير وجيه عويس، إلا أنه وبعد الحملة الاحتجاجية الواسعة التي قامت بها حملة ذبحتونا بالتعاون مع النقابات المهنية، تم التراجع عنه، ليتم العودة لطرح الملف مرة أخرى بقوة خاصة بعد إقرار استراتيجية تنمية الموارد البشرية..
وأشارت الحملة إلى أن إقرار القبول المباشر بالصيغة المطروحة حالياً يعني رفع رسوم التنافس في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا بنسب فلكية تتراوح ما بين ال100%-200% ، ما يعني حرمان الفقراء والطبقة المتوسطة من القبول في هاتين الجامعتين.
ويرى وزير التعليم العالي الأسبق الدكتور وليد المعاني أن توحيد الرسوم إن جرى لابد أن يعني رفعها للمساواة مع الموازي وهو أمر يعني بقاء الموازي. غير أنه في حالة إلغاء تدريجي للموازي ( كما تنص إستراتيجية تنمية الموارد البشرية) فإن الجامعات لابد أن تعوَّض عن النقص في الدخل ويجب أن لا يكون هذا التعويض برفع رسوم العادي.
ولفت المعاني في حديثه لـ نداء الوطن إلى أنه فيما يتعلق بالقبول المباشر، لم يرد في الإستراتيجية الخاصة بالموارد البشرية أي ذكر للقبول المباشر وإنما جرى الحديث كما هو وارد في التقرير النهائي عن قبول موحد عادل. وجرى الحديث عن متطلبات للقبول في بعض التخصصات كالطب والهندسة من خلال سنة تحضيرية. وأكد أن السنة التحضيرية تقتضي أن يقسم القسم الطلبة بعد ذلك لمن يكمل الدراسة في التخصص ومن سيذهب لتخصص آخر. وحذر الدكتور المعاني من أن هذا قد يؤدي لمشاكل فيما يتعلق بالطرفين. خاصة أن التقسيم سيتم حسب مقابلات، فلا يمكن أن تكون هناك مقابلات معيارية تضمن العدالة.
فيما ترى الإعلامية والمختصة بشؤون التعليم العالي الأستاذة أمان السائح أن أمر تطبيق القبول المباشر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بضرورة أن يحقق عدالة بالقبول وتوفير الحصص لكل فئة من الطلاب، كما أنه مرتبط بشكل كامل بأن يحمل بعداً رقابياً كاملاً من وزارة التعليم العالي، وأن يكون له تعليمات مشددة تطبق على إدارة الجامعات ضماناً لوصول العدالة للطلبة، سيما ونحن نعلم أن التدافع وعلى الكليات الطبية بالاردن هي النقطة الاصعب ولغة التنافس الأشد شراسة ، وعملية ضبطها لايمكنها ان تكون عادية.
وأشارت السائح في حديثها لـ نداء الوطن إلى أن الحديث عن رفع للرسوم لغايات تطبيق فكرة القبول المباشر أمر مرفوض لأن ذلك لا يمكن أن يتحمله الطالب وهو الحاصل على أعلى المعدلات التي تسمح له وبحكم كل المعايير أن يحصل على تعليم مجاني بسبب جده واجتهاده وحصوله على معدل متميز جداً.
مجلس التعليم العالي، ونتيجة للضغوطات التي يواجهها، وتجنباً لمعركة قد يخوضها أمام الرأي العام الذي سئم استمرار مسلسل الرفوعات الحكومية، أصدر قراراً –أثناء إعدادنا التقرير- عدم تطبيق القبول المباشر في الكليات الطبية في جامعتي الأردنية والعلوم والتكنولوجيا.
الدكتور يزن هيجاوي عضو لجنة المتابعة في حملة “ذبحتونا” أكد أن هذا القرار لا يعني إلغاء الفكرة، وإنما تأجيل تطبيقها إلى أن يأتي وزير يأخذ على عاتقه اتخاذ قرار بهذه الخطورة وهذا الحجم من الضرر على العملية التعليمية. ورأى هيجاوي أن قرار القبول المباشر ورفع رسوم التنافس قد تم اتخاذه، ويبقى تحديد التوقيت المناسب لتطبيقه.
ونوه هيجاوي إلى أن استماتة الحكومة والجهات المعنية في التوجه لرفع الرسوم، لا يمكن فهمه في إطار الادعاءات بأن الجامعات الرسمية تعاني من ضائقة مالية. فالجامعات المستهدفة بالرفع بشكل أساسي هي جامعة العلوم والتكنولوجيا، والجامعة الأردنية وهما جامعتان لا تعانيان من صعوبات مالية، ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول أسباب هذا التوجه الحكومي، ويؤكد ما كانت تشير إليه ذبحتونا دائماً من أن هذا الرفع هو قرار صندوق النقد الدولي وليس الحكومة أو مجلس التعليم العالي، حيث يأتي ضمن توجيهات الصندوق للحكومة برفع يدها عن دعم التعليم والصحة.