مقالات

تنفيذ ناقل البحرين لصالح من…؟؟ …عبدالمجيد الخندقجي

 

لمحة تاريخية:  

        من المفيد معرفة من اول من فكر بمشروع ناقل البحرين ومتى، وذلك حتى نستدل على اهداف المشروع الحقيقية، وهل هي اقتصادية او سياسية أو بيئية، لأن هذه الأهداف لا زالت غامضة رغم كل ما كتب عنه سواء من جانب اسرائيل أو الاردن او غيرهما.

        إن اول من فكر بمشروع عمل ناقل بين البحر الميت والبحر الاحمر مجموعة من الضباط الانجليز عام (1850) وذلك بهدف الالتفاف حول قناة السويس، ثم اثار الفكرة المفكر والصحفي الصهيوني ثيودور هيرتزل في كتابة (ارض الميعاد) عام (1902).

وفي خمسينات القرن الماضي استحوذت الفكرة او بدأت تستحوذ على عقول الاسرائيليين، واخذت هذه الفكرة عدة مسارات واقتراحات، فمرة بين البحر الميت وحيفا، ومرة بين البحر الميت والابيض المتوسط، واخرى بين البحر الاحمر والميت، وتشكلت لجان للبحث في المشروع،  وتوصل الاسرائيليون إلى محاولة للتنفيذ عام (1981) في عهد ميناحيم بيغن.

        وفي دول اوروبية، انصب الاهتمام على توفير الكهرباء للكيان الصهيوني قبل ان يتم زرعه في الشرق الاوسط، حيث ارسل بوركات تصوره عن المشروع إلى هيرتزل، ثم توالت جهود المهندسين لطرح مشروع الناقل بتصورات مختلفة من النرويج (1919) وفرنسا (1925) وامريكا (1944) بهدف تطوير الفكرة لتوفير الكهرباء إلى ( الكيان المستقبل) وربطها بعدد اليهود الذين سيذهبون إلى فلسطين ويبنون المستوطنات.

        وعندما اعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميم  قناة السويس، زاد سعار “الاسرائيلين” وكذلك المفكرين الغربيين في البحث عن بديل لقناة السويس، حيث قام ميناحيم بيغن وكان رئيساً للوزراء بابلاغ الاردن بضرورة ربط البحر الميت بالبحر المتوسط، لكن الاردن ومعه دولاً عربية اخرى رفضوا المقترح، بعد ان رأوا في معظم جوانبه فوائد لاسرائيل واضراراً تلحق بالاردن، وفي تلك الاثناء اقترح الاردن أن يكون الناقل بين البحر الاحمر والبحر الميت، وهنا رفضت

” اسرائيل ” المقترح.

المشروع قيد البحث الجدي:

        وفي الفترة التي اعقبت مؤتمر مدريد للسلام، وجد المشروع فرصة للبحث الجدي. وتدخلت الولايات المتحدة واقنعت الجانبين بضرورة ابرام اتفاق وادراجه في اتفاقية وادي عربة، وذلك في 25/5/1994 وتم الاتفاق بين الاردن ” واسرائيل ” على البدء بتمويل المشروع، إلا أن مصر رفضته واعتبرته تهديداً لمصالحا في قناة السويس، لكن الجانبين تحايلا على مصر، وتم طرح المشروع على (القمة العالمية للتنمية المستدامة) في مؤتمر جوهانسبيرغ، على أن يكون الناقل من خلال انابيب ليس حفر قناة، حيث كان المصريون يرون في القناة بديلاً لقناة السويس. ولقد اقترحت ” اسرائيل ” ان يكون جسم الناقل في الاراضي الاردنية لتلافي اعتراضات منظمات الحفاظ على البيئة التي رفضت الفكرة من اساسها. ولم يعترض الاردن خاصة عندما رأى ان المشروع يهدف إلى نقل المياه من الاحمر إلى الميت عن طريق انابيب طولها حوالي (192) كم على مرحلتين.

1_ الاولى: تتضمن قناة بطول (12) كم من شاطىء العقبة إلى شمال الاردن بسعة تدفق (60)  متر مكعب/ ث وتصل بعد ذلك إلى محطة رفع تضخ المياه بواسطة الانابيب الى ارتفاع (126) م فوق سطح البحر، لتصب في انابيب اخرى قطرها (4) م، تنقل المياه وبطول (180) كم إلى الشاطىء الجنوبي للبحر الميت وتصل إلى نقطة ترتفع (107) م عن البحر الميت لتنساب إلى نقطة تنخفض إلى مستوى (400) م تحت سطح البحر كافيه لتوليد الكهرباء.

2_ اما المرحلة الثانية فتقوم على بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية بالاستفادة من الارتفاع الشاهق، ومن ثم طرح عطاء لبناء محطة تحلية مياه تستفيد منها الاطراف الثلاثة ” اسرائيل ”  والسلطة الفلسطينية والاردن، حيث كانت السلطة قد انضمت إلى المشروع، بعد ان رأت  فيه انه يوفر لها المياه الصالحة للشرب، التي كانت اسرائيل قد استولت عليها.

قام الاردن ببذل جهود جبارة لتعريب المشروع فوافقت مصر ومعها دول عربية اخرى، وجندت بعض وسائل الاعلام وبعض الكتاب لكيل المديح للمشروع ووصفته بانه المعجزة الثالثة في عهد الملك عبدالله بعد جر مياه الديسي، وبانه ينقذ البحر الميت من الجفاف ويحمي البيئة ويوفر المياه للشعب ويوفر للاردن طاقة كهربائية هائلة. 

وكذلك فعلت ” اسرائيل ” التي اعتبرته فتحاً تاريخياً في حياة الاسرائيليين والعالم، أما الجيروزلم بوست الاسرائيلية فقالت ان القناة ستنقل ” اسرائيل ” إلى ميدان الطاقة النووية والهيدرولوجيه والشمسية، وتعمل على توسيع رقعه صادراتها. كل ذلك لضمان عدم اعتراض المنظمات الرافضة للمشروع.

التبريرات المعلنة:

        ولكي يتم جلب الشعبية للمشروع، فقد ضخت الصحف ووسائل الاعلام وكتاب التدخل السريع  في الاردن معلومات رأى فيها الخبراء انها مغلوظة ومفبركة، مثل ان مستوى المياه في البحر الميت تقلصت حالتها بحوالي (30%) خلال العشرين سنة الاخيرة، وان انخفاض مستوى المياه (100) سم سنوياً وهو ما يحدث حسب المراقبة سوف يؤدي إلى جفاف البحر الميت تماماً خلال اقل من (50) سنة وهذا سيخلق مشاكل بيئية خطيرة.

        لكن الخبراء الحياديون رأوا في ذلك مغالطات كبيرة، وقال بعضهم انه حتى لو ظل الوضع كما هو فلن يجف البحر قبل (250) سنة، وان سبب انخفاض مستوى المياه من (1250) مليون متر مكعب اوائل الخمسينات إلى (200) مليون متر مكعب، الآن سببه ليس التبخر فقط بل تحويل روافد نهر الاردن للاستخدام في المستوطنات، ومشاريع اسرائيل وكشفوا عن ان الصناعات الكيماوية الاسرائيلية أدت لتبخر حوالي (262) مليوم متر مكعب.

        بل ذهب بعض خبراء المياه والتربة في العالم إلى القول ان اندفاع مياه البحر الاحمر إلى البحر الميت سيؤدي إلى احداث ضغط هائل على منطقة البحر مما يسبب حدوث زلازل خاصة وان الارض هناك منطقة زلزالية قابلة للثوران في اي لحظة.

ردود الفعل المحلية:

        في مقابل المروجين للمشروع، قامت منظمات اهلية واحزاب ولجان وقوى سياسية اردنية وخبراء ومتخصصين بالكشف عن اضرار المشروع على الاردن، وكشفوا عن ان جل الفوائد ستذهب إلى العدو، ومنها تأمين المياه للمستعمرات في التقب ما يساعد في جلب مستعمرين جدد من خلال تطوير الزراعة، ومناطق الاستجمام، اضافة إلى توفير التبريد لمفاعل ديمونا وتطوير الصناعات الكيماوية الاسرائيلية.

        واعتبرت هذه الاوساط الرافضة والمنتقدة للمشروع ان هذا العمل يعمق التطبيع مع   

  ” اسرائيل “، ويتناقض مع الحقوق القومية والوطنية.

        اما في فلسطين فقد اعتبرت منظمات اهلية ونشطاء ضد نهج التطبيع ان المشروع هو محاولة مرفوضة لاجبار الفلسطينيين للموافقة على سلب ملكيتهم والاستيلاء على حقوقهم.

        لكن ورغم تعاظم حالات الرفض والاستنكار للمشروع وتبيان مخاطره الاقتصادية والبيئية والسياسية على الاردن إلا ان الحكومة لم تلق آذان صاغية لكل هذه التحذيرات وكانت على امتداد سنوات الجدل والرفض للمشروع تعمل بكل جد ونشاط للوصول إلى مرحلة الاعلان عن مرحلة التنفيذ.

        وبالفعل برز رئيس الحكومة عبدالله النسور اواخر الشهر الماضي اذار ليعلن اطلاق المشروع بتكلفة (980) مليون دينار، وتكشف أن الاردن الذي كان ينفي ويؤكد طوال الوقت انه وقع الاتفاق مع العدو الصهيوني بتاريخ 26/2/2015م بحيث يبدأ تنفيذ المرحلة الاولى.  

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى