مقالات

إمرأة في الأسر…رانيا لصوي

 

هناك في تلك الجدران المعتمه، الملونة بألوانٍ لا تراها الأعيُّن من شدة التعب، سكنَّ نسوةً وعبرن الزمن، تركن في تلك الغرف الصغيرة الكثير من الألم، لربما ألم الكرامة، أو ألم الولادة، لربما كان ألم التوق للحرية…

هناك وراء تلك القضبان كثير من الحكايا لصمودِ كنعانياتٍ حملن القضية ودافعن عن الأرض، انتقمن لأب وأخ وولد، ربما لصديق ورفيق نضال… فالصفات عندهن سيان، هم فدوة للوطن..

أسمع أنين وجعها وآلام مخاضها، لم تُعتقل وحدها، بل تحمل في أحشائها جنينا، حان وقت ولادته، في غرفة صغيرة قد لا تتجاوز المترين مسدودة الأفق، خيط من نور يدخل إليها في وجعها الأن لا تراها، ليست آلام المخاض فحسب، بل هي آلام الخوف، كيف سيعيش… هو معتقلٌ إذن والتهمة فلسطينيٌ بالفطرة..

في مربع آخر لايختلف وصفه ولا مقاسه، تسكن كنعانيةٌ أخرى، تحمل قلباً واحداً، لكنها تركت خارج هذه الغرفة أربعة أطفال صغار، تذكر ضحكاتهم وتستشعر أنين مرضهم، تشتاق ضمهم لصدرها ولكنها لا تملك سوى أظافرها تحفر بها صورهم على حائط قد لا يتسع كل مايختزن ذاكرتها عنهم، وكل ماتحلم أن تراه فيهم غداً..

ليس المهم أن يكنّ أمهات أو يوشكن، فمن حملت القضية في قلبها حملت وطناً، خفق القلب به وردد سننتصر، في تلك الغرف الصغيره ذات القيود يسكن الذل، وامتهان العذاب، فهنّ أسرى لعدو لا يرحم ولا يريد سوى كسر إرادة المقاومة في شعب اختار طريقه دون كلل أو ملل، فكلما زاد صموداً وقدرة على التضحية، كلما ازداد العدو غطرسة وتعذيب..

جلادٌ واحد منذ سنين صراعنا مع هذا العدو، يحاور عدوه بذات الغطرسه ويحقق مع معتقله بذات الأساليب، لم يهتم ما هو جنسه أو عرقه ولا لونه، فصراعه مع كل معتقل صراع وجود، وهذا هو جوهر صراعنا معه على أرضنا المحتلة…

تعرضت الأسيرات الفلسطينيات لكل أشكال التعذيب الممكنة كما الأسرى، التحقيق، الشبح، الحرمان من زيارات الأهل، الاهمال الطبي المتعمد، ليس هذا فحسب، فمشاركتهن غرف الاعتقال من سجينات “اسرائيليات” جنائيات يتعمدن مضايقتهن والاساءة لهن حتى ضربهن.

هنّ لن يكنّ حلقةً أضعف بتاريخ الحركة الأسيرة، كنّ كما الأسرى الرجال ومعهم في دعم نضالهم، خُضنّ تجربة الاضراب المفتوح عن الطعام، والاشتباك مع السجان … في المعتقلات الصهيونية مايشبه النزهه أو الفورة هي لحظة اللقاء مع سماء قد تنقل قبلات حب لأهلٍ وخلان.. يمتنعن عنها بملئ الإرادة يضربن يواجهن عدو لا يرحم..

على مدار سنوات الصراع الطويلة مع الكيان الصهيوني، دخلت سجون الاحتلال أكثر من 15000 امرأة فلسطينية، منهن القاصرات و البالغات. ليس هذا فحسب، بل عمل الاحتلال على إعتقال جثامين شهيدات أبطال، أرواحهم تخيفه نذكر منهم الى اليوم الشهيدة دارين أبو عيشة  من بيت وزن/ نابلس استشهدت بتاريخ 17/2/ 2002م، الشهيدة هنادي تيسير عبد المالك من جنين، استشهدت بتاريخ 4/10/2003م، الشهيدة وفاء علي خليل إدريس من مخيم الأمعري في محافظة رام الله، استشهدت بتاريخ 21/1/2002م. إضافة الى جثامين أخرى تم تسليمها الى ذويها بعد حجز طويل لدى سلطات الاحتلال.

هذا الوجع المتنقل من عائلة الى أخرى، هذا التعب والحرمان، هو اصرار ممنهج من عدو يعرف دربه لكسر إرادة الشعب وقتل المقاومة فيه، قضية الأسرى التي بدأت منذ بداية القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الصهيوني وبحسب السرد التاريخي تقول لنا بأن هذا الوجع المتراكم لن ينتهي الا بالبندقية، ولن يتحرر آلاف الأسرى من السجون الصهيونية الا باجبار هذا الكيان عن الافراج عنهم … وهذا لن يكون الا بالمعاملة بالمثل وخطف الجنود الكيان الصهيوني لمبادلتهم بأبطالنا الأسرى.

قضية الأسرى وأخص اليوم الأسيرات تحتاج الى تكاتف ووحدة الصف الوطني والموقف الفلسطيني، وتحريك مؤسسات المجتمع المدني والدولي من أجل تخفيف معاناة الأسيرات النفسية و الصحية الى حين تمكن البندقية من الافراج عنهن وعن الأسرى الأبطال.

في يوم الأسير من هذا العام أستذكر أسيراتنا البطلات، أوجه التحية لصمودهن، فهن القادة وأنموذج التضحية فداءً للوطن.. أوجه التحية للمناضلة خالدة جرار إذ انضمت الى رفيقاتها الكنعانيات..

في يوم الأسير الفلسطيني من هذا العام نوجه التحية لكل من سكن هذه المعتقلات، وجعل منها منارة للنضال وتحقيق وحدة الصف الوطني الفلسطيني، فكانو الأسرى الأبطال كما دائما عنوان بطولة وصمود.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى