أردوغان والأيام الأخيرة للسادات ومندريس
يُذكّرنا الرئيس التركي، الطيّب رجب إردوغان، بزعماء عرب و أتراك سابقين، مرّوا أو عاشوا أياماً عصيبة وعسيرة تشبه أيامه في الأشهر الأخيرة وخاصة بعد الفشل في معركة حلب، وبعد الحركة العسكرية الانقلابية. فالرئيس التركي هو اليوم، غير ما كان قبل الأزمة السورية حين كانت تركيا في مُقدّمة القوى الإقليمية الصاعدة.وتفتح المفارقة المذكورة على احتمالات بعينها أكثر من غيرها، ومنها الاحتمالات التي تشبه مصير الرئيس المصري الأسبق، السادات، ورئيس الوزراء التركي الأسبق، عدنان مندريس، واحتمال ثالث يمكن مقاربته مع الزعيم التركي التاريخي، مصطفى كمال أتاتورك. فمن المعروف أن السادات الذي أطلق على نفسه لقبه (الرئيس المؤمن) كان قد قام قبل مقتله، بجملة اعتقالات واسعة طاولت غالبية التيّارات السياسية في مصر، ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما بينهما. وذلك في أعقاب معاهدة كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، وقد انتهى قتيلاً على يد الجماعات الأصولية التي سبق وترك لها العنان لمواجهة خصومه من الناصريين واليسار.
وبالمثل كان عدنان مندريس، الذي بشّر بأنه باعث للصحوة الإسلامية في تركيا، قد وضع نفسه ووضع البلاد معه في سلسلة من الأزمات وحملات الاعتقال، قبل إعدامه في انقلاب عسكري.
فمن استكمال الأحلاف الأطلسية بحلف بغداد وإقامة قاعدة انجرليك الأمريكية وإرسال قوات تركية للقتال الى جانب القوات الأمريكية في كوريا، إلى اعتقال كل من يعارض هذه السياسات.
ولو قارنا هاتين الحالين مع حال أردوغان لوجدنا قواسم مشتركة عديدة مرشّحة لإنتاج احتمالات مماثلة. فالرئيس أردوغان منذ المسرحية الانقلابية يشنّ حملات اعتقال واسعة شملت كل قطاعات وتيّارات الشعب التركي، فضلاً عن توظيفه واستخدامه للأصوليين التكفيريين ومنحهم تسهيلات واسعة للاعتداء على سوريا واستنزاف جيشها.
وكما حدث مع السادات ولعبته مع هؤلاء الأصوليين، فقد ترتدّ رصاصاتهم الى صدر إردوغان نفسه. كما أن توريط الجيش التركي في مغامرات عسكرية في سوريا والعراق يذكّر بما فعله سلفه وشريكه في الانبعاث الأصولي الإسلامي الأميركي، عدنان مندريس، الذي أرسل قوات تركية إلى كوريا لم يعد أحد منها حيّاً.
بالمقابل، ثمة احتمال آخر، قد يُحدّد مصيراً مختلفاً لأردوغان، هو الاحتمال الذي يمكن مقاربته مع تجربة أتاتورك. فبُعيد الحرب العالمية الأولى، دخلت تركيا المهزومة مرحلة حاسمة في تاريخها، حين لم يكتف الحلفاء بإنهاء الامبراطورية العثمانية، بل أعادوا النظر في ما تبقّى منها، وأطلقوا عبر اتفاقية سيفر، العد العكسي لاستقلال القوميات الأرمنية والكردية ولإعادة مناطق واسعة إلى اليونان والبلغار.
ولم يجد الأتراك معهم إلا روسيا بعد الثورة الاشتراكية بزعامة لينين، وسمحوا للروس بالتدخّل العسكري المباشر الى جانبهم، ما ساعد أتاتورك على استعادة زمام المبادرة وإجبار الأوروبيين على استبدال اتفاقية سيفر باتفاقية أخرى، هي اتفاقية لوزان. وبالمحصّلة، وفي ضوء الحيثيات السابقة والاحتمالات المرتبطة بها فإن ما يقرّر أرجحية هذا الاحتمال أو ذاك، هو البيئة الداخلية والاقليمية، والتقاليد الخاصة بإدارة أردوغان للأزمات من حوله، كما بشخصيّته وخلفيّته الإسلامية. فإذا تذكّرنا أن قيام أتاتورك بتحسين علاقاته مع روسيا، لم يقطع علاقاته مع أوروبا وأميركا، وقدّم علاجاً مخدّراً للأزمة الكردية، فإن هذه الأزمة اليوم غيرها أيام أتاتورك، من حيث تفاقمها ومراجعة الغرب لموقفه من اتفاقية لوزان. وهو ما يعني أن هذا الاحتمال، احتمال ضعيف وخاصة مع فقدان الثقة بأردوغان وتعهّداته ومن المؤكّد كذلك، أن استعادة الثقافة السلطانية وحال بوكاسا الكوميدية لا تشفع لأحد بالاستمرار. والأرجح مغادرة أردوغان المسرح السياسي في بلاده ضمن الاحتمالات الأخرى، وذلك تحت ضغط (برجوازية الأناضول) التي اختلقته واختلقت حزبه كغطاء أيديولوجي لأسواق الشرق بعد إغلاق النادي الأوروبي أمامها.
إن هذه البرجوازية وهي تنظر إلى نفط وغاز وأسواق البريكس وتجمّع شنغهاي، لن تمانع أبداً في التخلّص منه لصالح (زعيم تسوية) يُرمّم الحدود والعلاقات مع تركيا.