ملف الفوسفات يكشف عدم جدية الحكومات المتعاقبة في مواجهة الفساد
“… إلا أن إيرادات الحكومة من شركة الفوسفات لم ترتفع بالشكل المتوقع فمعدلات الرسوم والضرائب التي تفرضها الحكومة على أرباح وإنتاج الشركة تقل بكثير عما تتقاضاه من الشركات الأخرى العاملة في قطاع التعدين، كالبوتاس والإسمنت على وجه التحديد.” /تقرير لجنة تقييم التخاصية / آذار – 2014
لم ينشغل الرأي العام الأردني بقضية فساد، كما انشغل بقضية بيع لم ينشغل الرأي العام الأردني بقضية فساد، كما انشغل بقضية بيع حصة الحكومة في شركة الفوسفات. ولم يتوقف الأمر عن حدود اعتراضات واحتجاجات شعبية أو من قبل قوى المعارضة على آلية وإجراءات وسعر البيع، وإنما تعداه ليصل إلى أن تخرج لجنة تقييم التخاصية –وهي جهة رسمية قامت الحكومة بتشكيلها لتقييم إجراءات التخاصية- باستنتاج يؤكد أن عملية بيع الشركة شابها خلل كبير ولم تحقق أية منافع للدولة. بل إن الأمر تعدى ذلك ووصل حد مخالفة الدستور. حيث أكد ديوان التشريع والرأي في 3/4/2008 أن الحقوق التي التزمت بها الحكومة الأردنية لشركة مناجم الفوسفات ومنحها الحق الحصري في الاستثمار في الفوسفات في كافة أنحاء المملكة إلى أن ينفذ مخزون الفوسفات فيها، ومنع أي شخص آخر من الاستثمار في هذا المجال إلا بإذن وسماح شركة الفوسفات يعتبر امتيازاً بالمعنى المقصود في المادة 117 من الدستور، وأن هذا الحق كان لا بد أن يكون من خلال قانون، إلا أن ذلك لم يتم مما جعل ذلك البند في رسالة التعهدات مخالفاً وبشكل واضح للدستور.
الشقران: تم بيع أسهم الشركة مباشرة بسعرٍ بخس وبشروط قاسية على الحكومة فيها مخالفة للدستور الأردني ولقوانين التخاصية والشركات وسلطة المصادر الطبيعيةولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي عام 2012، قام مجلس النواب السادس عشر بتشكيل لجنة تحقيق نيابية في خصخصة شركة الفوسفات. حيث أكدت هذه اللجنة حدوث مخالفات كبيرة في طريقة وإجراءات بيع شركة الفوسفات، وقدمت اللجنة على إثر ذلك توصيات للمجلس بمحاسبة عدد من المسؤولين من ضمنهم رئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت ووزراء ومسؤولين سابقين، إلا أن مجلس النواب أوصى بتبرئتهم عن المخالفات الواردة في تقرير اللجنة.
النائب أحمد الشقران رئيس لجنة التحقيق النيابية الذي اشتهر بدموع “القهر والحسرة على الوطن” بعد رفض المجلس توصيات لجنته، أكد في حديث خاص لـ نداء الوطن أن عملية خصخصة الفوسفات بدأت بشفافية مطلقة تتماشى مع ما جاء في قانون التخاصية لعام 2000 الذي ينص صراحة في المادة الخامسة منه على أن تكون أي عملية تخاصية خاضعة لقواعد الشفافية والتنافس الحر بين الجهات الراغبة بالدخول من القطاع الخاص، لكن دخول حكومة بروناي والتي يمثلها السيد وليد الكردي على خط المفاوضات، خلط الأوراق وتساهل معه المسؤولون الحكوميون بإيقاف المسار الطبيعي التنافسي الشفاف وبيعه 37% من أسهم الشركة مباشرة بسعرٍ بخس وبشروط قاسية على الحكومة فيها مخالفة للدستور الأردني ولقوانين التخاصية والشركات وسلطة المصادر الطبيعية.
ولفت الشقران إلى أنه تم الرمي بعرض الحائط بكافة توصيات المستشار الدولي لعملية الخصخصة والاتفاق مباشرة مع السيد الكردي على سعر هو أقل بكثير من سعر السهم الدارج مما سبب خسارة كبرى وهدر كبير للمال العام.
ونوه الدكتور الشقران إلى أن الامتيازات التي تم إعطائها لشركة كاميل ليمتد (التابعة لحكومة بروناي) مجحفة وغير قانونية، وفيها قيمة مالية لهم أكبر بعشرات المرات من السعر المدفوع، مشيراً إلى أن تجربة خصخصة البوتاس كانت أكثر عدالة للخزينة وفيها مردود جيد.
يشار إلى أن تقرير لجنة تقييم التخاصية أكد على أن شركة (كاميل ليمتد) التابعة لحكومة بروناي لم تكن ضمن الشركات المتقدمة بعروض، إضافة إلى ذلك تم البيع لها على أساس “شريك مالي” مع العلم أن الهدف الرئيس من خصخصة الشركة هو إيجاد شريك استراتيجي قادر على الارتقاء بأداء الشركة.
مجلس النواب الذي رفض محاسبة المسؤولين الحكوميين السابقين، قدم مجموعة من التوصيات للحكومة والمتعلقة بقضية الفوسفات وطالب الحكومة بالرد عليها خلال أسبوعين، إلا أن الحكومات المتعاقبة وبعد مضي خمس سنوات على هذه التوصيات، لم تقم بتنفيذ أي منها. وتالياً أهم هذه التوصيات والتي يدلل عدم تنفيذ الحكومة لها حجم الاستخفاف بمقدرات الوطن:
- التوصية للحكومة بضرورة التوجه إلى القضاء المختص لإبطال اتفاقيتي البيع والمشاركة مع شركة الفوسفات وذلك لإخلال المشتري بتعهداته حول مالكه القانوني، والطلب من المحكمة إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد.
- التوصية للحكومة بفتح المجال للاستثمار في مجال الفوسفات في المملكة ومنح رخص جديدة لتعدين الفوسفات خارج نطاق عمل شركة مناجم الفوسفات الأردنية بموجب التراخيص سارية المفعول الممنوحة لهذه الشركة قبل إصدار رسالة التعهدات، وذلك لمخالفة البند المتعلق بذلك في رسالة التعهد لنص المادة 117 من الدستور الأردني وقانون تنظيم شؤون المصادر الطبيعية رقم 12 لسنة 1968 واجب التطبيق.
- التوصية للحكومة بضرورة تصويب عضوية مجلس إدارة شركة مناجم الفوسفات الأردنية وفقاً لقانون الشركات الأردني المعمول به.
قضية الفوسفات ليست الملف الوحيد الذي شابه الفساد في عملية التخاصية التي طالت معظم مقدرات الأردن، ولكنه الملف الأكثر وضوحاً في غياب الإرادة السياسية لدى الحكومات المتعاقبة لمواجهة الفساد ومحاربته والتصدي له.
حكاية شركة الفوسفات وخصخصتها
تم اكتشاف الفوسفات في الأردن عام 1908. وفي عام 1942 تأسست شركة الفوسفات. ولكن عملها توقف عام 1948 بسبب اندلاع الحرب.
تأسست شركة مناجم الفوسفات الأردنية عام (1949) كشركة خاصة، وتم إدراج أسهمها في سوق عمان المالي كشركة مساهمة عامة عام (1953).
يمتلك الأردن خامس أكبر احتياطي فوسفات بالعالم بواقع تقديري 3.7 بليون طن، منها 1.250 بليون طن احتياطي مناجم الشركة، لتكون شركة مناجم الفوسفات الأردنية ثاني أكبر مصدر وسادس أكبر منتج للفوسفات في العالم بطاقة تزيد عن 7 مليون طن من الفوسفات سنوياً يراد لها أن تتضاعف مع 2017.
لم تكن هناك إستراتيجية متكاملة لقطاع التعدين معدة من فريق متخصص وفق المعايير المعتمدة في بناء الاستراتيجيات وإنما تم الاستناد إلى توصيات المجلس الاقتصادي الاستشاري في العام (2001).
يبلغ رأس مال الشركة المصرح والمكتتب به (75.0) مليون دينار أردني، وقد كانت الحكومة الأردنية تملك ما نسبته (66.0%) من رأس مال الشركة قبل إتمام عملية التخاصية.
تم طرح عطاء تنافسي لكن لم يتم استكمال هذا المسار حيث تم توقيفه والتفاوض المباشر مع مستثمر مالي (شركة كاميل ليمتد التابعة لحكومة بروناي)، لم يكن من ضمن الشركات المتقدمة بعروض بالإضافة إلى ذلك تم البيع لشريك مالي مع العلم من أن الهدف الرئيس من خصخصة الشركة هو إيجاد شريك استراتيجي قادر على الارتقاء بأداء الشركة.
تم تجاوز المسار الطبيعي للإجراءات والتفاوض بشكل مباشر مع مستثمر مالي وهذا يعتبر تجاوزاً للمادة (5) من قانون التخاصية رقم (25) لسنة (2000).
اعتمد التقييم على أكثر من منهجية منها التدفقات النقدية المخصومة، إلا أن تقدير القيمة المتبع كان يفتقر إلى كثير من المعايير الصحيحة لتقدير القيمة العادلة للشركة. حيث تم البيع على سعر (2.83 دينار للسهم) فيما كان التقييم المقدر من قبل الشركات المختصة والمكلفة من الحكومة بذلك يبلغ (3.4 دينار للسهم).
قامت الحكومة الأردنية ببيع ما نسبته (37.0%) من إجمالي رأس المال لوكالة بروناي للاستثمار التابعة لحكومة بروناي في شهر آذار من عام (2006)
تم منح الشركة عند الخصخصة رسالة تعهدات من قبل الحكومة تعطيها حقاً بالامتياز.
إعطاء رسالة تعهدات لشركة مناجم الفوسفات تضمنت التزامات من الحكومة فيما يتعلق بالحق في التنقيب عن المعادن وعدم السماح لأي جهة بالتنقيب إلا بموافقة الشركة وكذلك عدم زيادة نسبة ضريبة الدخل المفروضة على الشركة لمدة (10) سنوات بغض النظر عن أي قوانين معدلة، بالإضافة إلى إعفاء المواد الأولية المستخدمة من قبل الشركة من ضريبة المبيعات والجمارك.
شهدت الشركة تحسناً واضحاً في المؤشرات المالية بعد عملية الخصخصة إلا أن ذلك يعزى بشكل رئيسي إلى ارتفاع الأسعار العالمية لمادة الفوسفات.
الحكومة لم تستفد من الأرباح الكبيرة التي حققتها الشركة فلم تتلقى توزيعات عن حصتها ولم تزداد إيرادات الخزينة من الرسوم والضرائب المختلفة.