أخبار محلية

الدكتور وليد عبد الحي المختص بالقراءات المستقبلية لـ نداء الوطن: أخشى من انتقال الصراع إلى المغرب العربي تقف أصابع صهيونية خلفها

في الجزء الثاني من مقابلتنا مع الدكتور وليد عبد الحي أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك والمختص في القراءات المستقبلية، يستكمل الدكتور عبد الحي قراءاته المستقبلية للأوضاع العربية والدولية، حيث يتطرق في هذا الجزء إلى مستقبل السعودية، وإلى ما ينتظر الولايات المتحدة في عهد ترامب، إضافة إلى قراءته للمناطق المؤهلة للاشتعال في منطقتنا العربية ومستقبل القضية الفلسطينية.

هل تعيد السعودية قراءة تحالفاتها في ظل المستجدات الداخلية والخارجية؟!

نداء الوطن: هل السعودية قادرة على الخروج من المأزق الذي تعيشه حالياً؟ وهل تعتقد بأنها ضحية خديعة لجرها لحروب لا ناقة لها فيها ولا جمل، وذلك لإضعافها وتمزيقها، خاصة مع الحديث عن أن أمريكا باتت ترى في السعودية عبئاً عليها؟

د. وليد: أعتقد أن السعودية وقعت في نفس الخطأ الذي وقع فيه صدام حسين. فقد توهم الرئيس العراقي أن الثورة الإيرانية ستمتد إلى العراق فلا بد من صدها مسبقاً، والسعودية تتوهم حالياً بأن إيران تريد أن تأتي وتسيطر على المنطقة لذلك لا بد من الدخول في العداء معها.
لكن إذا ما أردنا القيام بتحليل سياسي للسعودية، فيجب أن يتم على ثلاثة مستويات: المستوى الأول هو الداخلي ثم المستوى الثاني الإقليمي، والمستوى الثالث الدولي.

على المستوى الداخلي: يجب على الإدارة السعودية أن تدرك أن مجتمع الخمسينات والستينات لم يعد موجوداً، هناك أكثر من 115 ألف طالب سعودي عادوا من الولايات المتحدة، هذه نخبة موجودة الآن في المدارس والإدارات والجامعات، وهذا لا تطلب منه أن يتعامل مع السلطة كما كان جده يتعامل من خلال القيم التقليدية وشيخ القبيلة…إلخ.
ويمكننا ملاحظة بدايات ذلك، من خلال جملة من القرارات والخطوات التي لم تكن مألوفة أو متوقعة سابقاً، مثل قيام الحكومة السعودية بإلغاء التقويم الهجري، وهو ما كان يعتبره محمد بن عبدالوهاب كارثة. كما يمكننا رصد حجم التضييق على جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إضافة إلى خطة الأمير محمد بن سلمان في التأكيد على زيادة مشاركة المرأة في العمل الاقتصادي وتوظيفها، هذا يعتبر بداية اختراق لثقافة تكلست في المجتمع السعودي.
الجانب الآخر في المستوى الداخلي أعتقد أنه رغم المستوى المتواضع للمؤهلات العلمية للحكام في السعودية إلا أنني أعتقد أنهم اكتسبوا خبرة على المدى الطويل. الذي يجري حالياً هو أن الذي يدير السلطة هم أفراد أقل خبرة، وفي تقديري هناك نوع من الغرائزية في تفكيرهم السياسي: الانتقام والثأر وإثبات الذات بعيداً عن الحساب الإستراتيجي بعيد المدى، بمعنى يضغط عليهم لتحقيق النتيجة السريعة دون حساب تداعيات هذه النتيجة على المدى البعيد.
إذاً هناك تحول في بنية النخبة .. تحول في ثقافة المجتمع خاصة مع الإنترنت .. جيل جديد يتولى السلطة بخبرة أقل وتفكير غرائزي، هذا يؤثر على السياسة السعودية ويجعلها أقل توازناً.

على المستوى الإقليمي: من الواضح أن السعودية بعد تراجع الدور المصري والعراقي، بدأت تدرك بأنها قد تكون هي القادرة على أن تملأ الفراغ على مستوى المنطقة. فالسعودية تريد أن تضعف إيران ومصر وتركيا على أن تكون هي قاعدة مركزية وصاحبة صنع القرار وتكيّف البيئة بما يناسبها.
الجانب الآخر وأعتقد بأنه عامل محوري، هو انهيار أسعار البترول، وأنا كتبت قبل فترة بأنه في عام 2000 كان حجم الفائض المالي لدول الخليج 700 مليار، صندوق النقد الدولي يقول في 2020 سيكون العجز المالي لدول الخليج 600 مليار.

على المستوى الدولي: يبدو أن الولايات المتحدة متجهة نحو التخفيف التدريجي من انغماسها في الشرق الأوسط لصالح التوجه نحو منطقة الباسيفيك. وكنت قد أشرت إلى ذلك في دراسة أعددتها في عام 1996 لصالح مركز الدراسات الإستراتيجية في جريدة الأهرام. كما أن الولايات المتحدة دولة أُرهقت، وهذا يعني التخفيف التدريجي من التزاماتها بحماية دول الخليج العربي، وترامب أصبح يقولها بشكل صريح.
كما أن الولايات المتحدة بدأت تدرك بأنها تخسر السوق أولاً، وثانياً لم تعد الأداة العسكرية نافعة، فعلى سبيل المثال، الصين التي ليس لها أي جندي في العالم العربي ولا قاعدة عسكرية، تتجاوز قيمة صادراتها للمنطقة العربية 111 مليار دولار، فيما تبلغ صادرات الولايات المتحدة “بدباباتها وقواعدها العسكرية في المنطقة” 78 مليار دولار. هذا يعني بأن الصين متغلبة على الولايات المتحدة بـ 33 مليار دولار دون أي جندي.
لذلك أعتقد أن السعودية أمامها إما أن تبقى بتفكيرها التقليدي وقد ينعكس ذلك عليها داخلياً، أو أن تبحث عن حلفاء جدد، بمعنى أن تعيد تقييم موقفها وعلاقاتها مع الدول الغربية، وبتقديري هذا خارج نطاق تفكير النخبة الحاكمة للأسف.

نداء الوطن: هل تم توريط السعودية باليمن بشكل مقصود من قبل أمريكا وبريطانيا؟

د. عبد الحي: أعتقد أن السعودية أخذت قرارها بنفسها، ولكن في تقديري هناك هواجس، وثانياً هي تريد نصراً رمزياً على إيران على أمل أن يترافق هذا الانتصار في اليمن وفي سوريا بالذات على النظام وحزب الله هذا سيعزز من مكانة السعودية، لكن القراءة الهادئة للمشهد يدل على أنها عاجزة عن تحقيق نتائج ذات دلالة في اليمن، وحتى لو افترضنا أنها وصلت صنعاء، الحفاظ على الاستقرار يحتاج لعشرين سنة، وتجارب البرتغاليين والبريطانيين والعثمانيين والناصريين في اليمن تدل على ذلك.
الجانب الآخر يتمثل في المشهد السوري، حيث لا يدل على أي تفوق سعودي وبالعكس بدأ الاتجاه ينحسر لغير صالح السعودية.

عسكرة التنين الصيني ومواجهة مرتقبة مع العهد الترامبي

نداء الوطن: في المشهد الدولي، ما هو تفسيرك لبدء ترامب عهده بمناوشات مع الصين؟ وهل تشكل الصين الخطر الاقتصادي الأكبر على أمريكا؟ ولماذا لم يكشر التنين الصيني عن أنيابه لغاية الآن؟
د. عبد الحي: أولاً لنتحدث عن تفسير السلوك الصيني ومن خلاله نأتي على التوتر مع الولايات المتحدة. عندما بدأت الصين برنامج التحديثات الأربعة عام 1978، أكدت في برنامجها على أنه “لا يمكن الجمع بين مرحلة نمو من جهة وانغماس في الهمّ الدولي من جهة أخرى.
فبدأت الصين في التطور وحققت نتائج مذهلة وذلك بالتغيير في أيديولوجية الدولة، فبدأ التطور وفتح المجال للاستثمار وبدأت الصين بالصعود، وبدأت الولايات المتحدة بالاستثمار في الصين، وهنا بدأت المشكلة، أن الصين بسبب رخص الأيدي العاملة، ووفرة المواد الخام، أصبحت أسعارها دائماً أقل فبدأت تغزو سوق الولايات المتحدة. والآن حجم العجز بين أمريكا والصين لصالح الأخيرة يفوق الـ 80 مليار دولار.
ترامب جاء وفي ذهنه فكرة أساسية أن هنالك مشكلة كبيرة في الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة. لذلك بدأ يطلب من الخليج تحمل أعباء حمايته، ومن أوروبا زيادة نصيبها في حلف الأطلسي ونفقاتها، وإغلاق الحدود على أمريكا اللاتينية.
الخصم التجاري الرئيسي لترامب هو الصين، والسبب الأساسي هو الخلل في الميزان التجاري، إضافة إلى أن الصين بدأت تُضعف وجود أمريكا في الشرق الأوسط، كما أن الصين هي المسيطر الأول على التجارة في أفريقيا، فأقامت المشاريع الكبرى والطرق والسدود والسكك الحديدية فيها، والصين هي المشتري الأول للبترول، فهذا العداء الأمريكي الأول للصين سببه اقتصادي تماماً.
ولأن الصين مدركة بأن الخطر قد يتصاعد، فمعظم الحروب الكبرى كان وراءها الدافع الاقتصادي، بدأت تميل تدريجياً للعسكرة. فبينما شهد عام 2015 و 2016 تخفيض الإنفاق العسكري للولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، شهدت نفس الفترة ارتفاعاً في الإنفاق العسكري لكل من الصين وروسيا. كما أن الصين صاحبة أكبر عدد من العسكريين في بعثات الأمم المتحدة للسلام، والآن بدأت ببناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، وبتقديري الآن سورية والجزائر ومصر مرشحة لأن تكون فيها قواعد قد لا تبدأ كقاعدة عسكرية صينية.

خشية من صراع جزائري-مغربي قادم

نداء الوطن: ننتقل إلى ملف آخر، برأيك ما هي المنطقة المرشحة بأن تكون بؤرة التأزيم التي ستنعكس عليها الصراعات؟
د. عبد الحي: هنالك مؤشر يستخدمه العديد من الباحثين هو النفقات الدفاعية، بمعنى أن المناطق التي فيها النفقات الدفاعية الأعلى هي المرشحة للتأزيم، وهي حالياً منطقة شرق آسيا حيث نسبة الإنفاق الدفاعي تتصاعد فيها بشكل كبير. لكن على صعيد المنطقة العربية، أتصور ويدي على قلبي من أن تنفجر بين الجزائر والمغرب على قضية الصحراء، وخاصة في فترة ما بعد بوتفليقة الذي لديه تجربة عميقة ويبدو أنه قادر أن يمتص أية مشاحنات. فقد تصاعد إنفاق الجزائر العسكري فيها أكثر من 30%. إلى جانب أن الجزائر وضعها الاقتصادي سيبدأ بخلق بعض المشاكل بسبب انخفاض أسعار النفط. وأخشى أن تكون الخلية التي تعمل لصالح إسرائيل وألقي القبض عليها في الجزائر، محاولة صهيونية لإشعال منطقة المغرب العربي.

فلسطين: هل نحن مقبلون على نكبة ثالثة؟!

نداء الوطن: في ظل هذه الملهاة التي تحدث على الساحة الفلسطينية وتقاسم “السلطة الوهمية” بين حماس وفتح، وفي ظل العهد الترامبي ونتنياهو والتمزق في المنطقة والتقارب الصهيوني العربي وابتعاد تركيا عن الدعم لفلسطين لأهدافها الشخصية؟ كيف ترى مستقبل القضية الفلسطينية؟
د. عبد الحي: على المستوى الداخلي بتقديري التنظيمات الفلسطينية تشبه زوجين كل منهما عاجز جنسياً وبعد فترة تبدأ المشاكل والاتهامات بينهما وفي الحقيقة هو إخفاء لعجز الاثنين، بمعنى أن الفصائل لا تتبنى الكفاح المسلح بحيث تصبح قادرة على تحقيق نتائج تعمل على إخلال الميزان لصالحها، ولا متبنية للحل السلمي والعمل على تحقيق مكاسب تعلو لصالحها، هذا المأزق للاثنين ممكن أن يتحمل سنة أو اثنتين، لكن بعد ذلك تبدأ الخلافات لأن كل منهم يعد جمهوره بشيء لا يستطع تحقيقه.
المأزق الثاني يكمن في قضية الاستيطان، فعدد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية الآن يساوي عدد اليهود في “إسرائيل” عند نشوئها. يعني عملياً هناك إسرائيل جديدة في الضفة الغربية.
كما أن هنالك ظاهرة لا يجري الانتباه لها، وهي ظاهرة هجرة الفلسطينيين من الريف الفلسطيني إلى المدينة، هذه الهجرة نسبتها عالية تصل إلى 12%. وكلما ارتفعت هذه النسبة، فإن الفرصة ستبقى مهيأة للمستوطنات الصهيونية لتتوسع، وبحدود 2025 سيكون سكان الضفة الغربية كلهم 2,5 مليون يعيشون على 14% من أراضي الضفة، هذا يعني تكرار دقيق لنموذج البانتوستانات التي كانت تحدث في جنوب إفريقيا.
الجانب الثاني أنه في مرحلة لاحقة ستبدأ “إسرائيل” بالتضييق على البانتوستانات بالماء والكهرباء وتبدأ بعدها بفتح المجال للعمل في الخارج والهجرة… إلخ. بتقديري الحل الإسرائيلي للقضية الفلسطينية لن يكون إلا من خلال هذه الهجرة وعلى حساب دول الجوار، والمشكلة أن المنطقة العربية رخوة للحد الذي يسمح لأي شخص أن يتخيل ما هو أسوأ.
أختم حديثي بأن القضية الفلسطينية ذاهبة إلى مأزق أعمق كثيراً مما هو قائم الآن، ولذلك أقول: النكبة الأولى عام 48، النكبة الثانية عام 67، وبقي الحديث عن نكبة ثالثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى