مقالات

المديونية.. مسؤولية من ؟! / الأستاذ محمد البشير

العلاقة جدلية بين عجز الموازنة والمديونية، لكن زيادة المديونية لا تتناسب طردياً مع عجز الموازنة بل يفوقها، بسبب النفقات الزائدة في الموازنة وملاحقها، فالأصل والصحيح أن يبقى عجز الموازنة في حدود السيطرة من حيث أن تتضمن بنود النفقات قدرة الموازنة على تسديد أقساط القروض وفوائدها كعنصر من عناصر الموازنة، بشكل متوازن مع مديونية معقولة قادرة على تلبية طموحات الحكومات من جهة صانعة الموازنة والمدافعة عنها والناجحة في تقديم كل ما يبرر صياغتها، هذه الطموحات الحكومية التي يجب أن تلتقي مع حاجات المجتمع المختلفة في التطور من حيث البُنية التحتية أو التأثير والتأثر بقوي الاقتصاد الجزئي كالصناعة والتجارة وقطاع الخدمات الذين يؤثر بهم أداء المالية العامة بشكل عام.

إن هذا السياق النظري يتطلب أن تكون هناك قوى حية في المجتمع، هذه القوى يمكن تصنيفها بالأهلية والرسمية، فالأهلية التي يقع على عاتقها مراقبة أداء السلطات الرسمية، ومدى انسجام أدائها مع مواد الدستور التي حددت نطاق ومدى وحدود عملها دون تداخل بين سلطة وأخرى، فسلطة الشعب اليي اختارها ممثليه عبر صناديق الاقتراع، نظم الدستور الأردني مهماتها في التشريع والرقابة على الحكومة، وقد شهدت السنوات الماضية نجاحاً شكلياً في إبعاد أبناء هذه السلطة (الوزراء) من المشاركة في واجهات وقادة السلطة التنفيذية، تأكيداً لمبدأ تعارفت عليه القوى المختلفة ألا وهو فصل السلطات المتمثل بعدم مشاركة النواب في الحكومات منذ عدة دورات سابقة، إلا أن واقع الحال كان يجعل من هذه المشاركة واقعاً في المضمون بعد أن أصبح النائب بوابة التعيينات والخدمات الخاصة بمنطقته بالدرجة الأساس، كتعبير حقيقي وانعكاس موضوعي عن جملة القوانين المؤقتة الكثيرة التي توجب على النواب إقرارها والتي انتجتها ظروف محلية واقليمية وعالمية، كان الأبرز منها محاربة (الإرهاب) ومشتقاتها الرهيبة احتلال العراق وأفغانستان !؟

هذا الانحراف الذي أصاب سلطة الشعب، والتي انتجتها عبر السنوات الماضية القوى الأمنية التي لم تكتفي بتدخلها بصياغة التشريعات وخاصة قانون الانتخاب (الصوت الواحد) (الدوائر الوهمية)، إلا أنها ولمزيد من الاطمئنان في سيطرتها على هذه السلطة دأبت إلى تزوير الانتخابات لضمان إقرار قوانين ذات أبعاد اقتصادية وسياسية أنتجت أبعاداً اجتماعية جميعنا يدفع ثمنها اليوم، والتي شكلت في المحصلة النهائية بيئة خصبة للتحولات السياسية التي يعيشها الأردن على شكل حراك من جهة، وعلو صوت الكثير من العاملين أو المتقاعدين من أبناء الدولة الأردنية في أكثر من قطاع سواء كان عسكرياً أو مدنياً، مطالباً بإصلاح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي على حدٍ سواء!؟ من جهة أخرى.

هذا الواقع رفع من كلفة المالية العامة ودفع الحكومات إلى الاستجابة لطلبات النواب ببعديها العام والخاص والتي لا تنتهي!؟ وجعل من هذه الطلبات التي كان الأسوأ منها التعديلات الاقتصادية على التشريعات وخاصة منها التشريعات الضريبية التي قننت الفساد بجعل هذه التشريعات لصالح الأغنياء بعد استبدال واردات الخزينة التي كانت من أرباح الأغنياء لتصبح هذه الواردات من دخول المستهلكين. الذين يشكل ذوي الدخل المحدود ما يزيد على (90%) من مجموع المستهلكين، ونظراً لزيادة السكان وتنوع وتطور البنية التحتية خاصة منها التعليم، الصحة، الطرق … إلخ، فإن حاجات الخزينة كانت في تصاعد جراء ذلك حيث تباعدت فيه النفقات عن الموارد، مما ضاعف من من العجز، واضطر الحكومات للجوء إلى القروض كعلاجٍ آنياً لأزمة الموازنة، ليصبح الملاذ الدائم لهذه المعالجة في ظل معطيات السياسة التي أفرزت مساعدات دولية، جعلت من الفريق السياسي والاقتصادي متفائلاً في استمرارها!؟ وعلى قدر نجاح هذا الفريق في التعاطي والتفاعل والاستجابة لمتطلبات تلك المعطيات السياسية التي تمثلت في الحرب على (الإرهاب) ومشتقاتها المختلفة بما في ذلك التحجيم والتضييق على قوى المقاومة العربية في فلسطين والعراق ولبنان !؟

إن نظرة سريعة إلى الوراء تجعلنا نقف على حقيقة تعاظم هذه المديونية تاركاً للقارئ تحديد المسؤول المباشر عنها، خاصة ونحن نتحدث عن فريق اقتصادي وسياسي عكس تزاوجاً غير شرعي بين مالك المال ومانح السلطة !؟ ففي السنوات التي خلت بلغت أرصدة المديونية في سنة 1995 مبلغ (5) مليار و(441) مليون دينار وفي سنة 2000 ارتفعت إلى (6) مليار و (279) مليون دينار وفي سنة 2005 إلى (7) مليار و (494) مليون دينار وفي السنوات اللاحقة بلغت على التوالي مبلغ (7350) مليون دينار (8200) مليون دينار، (8551) مليون دينار، (9660) مليون دينار، (11462) مليون دينار و (13402) مليون دينار و(16581) مليون دينار و(19097) مليون دينار و(20556) مليون دينار و(21387) مليون دينار كما في حزيران/2015 هذا هو رصيد المديونية والناتج عن حصيلة إجمالي الدين مطروحاً منه ودائع الحكومة المختلفة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى