مقالات

إصلاح “التوجيهي” أم النظام التعليمي!

قبل أن يدخل قرار وزارة التربية والتعليم باعتماد امتحان الدورة الواحدة (مرة واحدة سنويا) لشهادة الدراسة الثانوية العامة (التوجيهي) حيز التنفيذ العام الدراسي المقبل، تتسرب أنباء وأحاديث، غير رسمية حتى الآن، حول دراسة لخيار العودة عن القرار المذكور، والإبقاء على نظام امتحان الدورتين في السنة الدراسية كما هو معمول به حاليا.

إن صحّ وجود مثل هذا التوجه فهو لن يكون غريبا عن نهج اعتدناه مرارا في وزارة التربية وغيرها من مؤسسات رسمية، حيث لا يكاد يصدر قرار بدعوى التطوير والإصلاح في هذا القطاع أو ذاك، حتى يتم التراجع عنه بعد تنفيذه لفترة من الوقت، لنعود للبحث عن حلول إصلاحية تناسب المقام، ما يعكس في الكثير من الحالات عدم وجود دراسات حقيقية وكافية لموضوع القرار المتخذ.
لكن، ورغم هذ التحفظ على نهج اتخاذ القرارات ثم العودة عنها سريعا، فإن ما يتعلق بقرار اعتماد امتحان الدورة الواحدة للتوجيهي، الذي يفترض تطبيقه العام المقبل، فأعتقد أن التراجع عن مثل هذا القرار فيه الصواب، لأن تكثيف المادة الدراسية الممتحن بها، وزيادة العبء على الطالب لا يحل مشكلة التوجيهي ولا التعليم المدرسي، وهو لا يذهب إلى الاشتباك مع المشاكل والثغرات الحقيقية والأساسية في العملية التعليمية، ولا يقدم إلا نوعا من التشديد الشكلي في قصة ضبط امتحان التوجيهي، بعد فترة الفوضى والتجرؤ عليه في سنوات قليلة ماضية.
فالتطور الحديث في مفاهيم التربية والتعليم لم يعد يؤمن بأساسية الامتحان في العملية التعليمية، أو اعتباره آلية رئيسية أو وحيدة لتقييم النتاجات التعليمية ومستويات الطلبة وجودة النظام التعليمي، فكيف بك إذا كانت كل السياسة الرسمية في السنوات القليلة الماضية ركّزت في محاولات تطويرها للنظام التعليمي على التشدد وزيادة التعقيد في امتحان الثانوية العامة، والحرص على زيادة رقعة الراسبين فيه، باعتباره مؤشرا لنجاح التطوير!
في خضم معركة “تطوير” امتحان التوجيهي، والتي ركزت –كما قلنا- على شكليات التشدد والضبط من دون النفاذ إلى الجوهر الذي يمكن أن ينتج مخرجات تعليمية أكثر جودة وإفادة، تم القفز عن أساسيات عديدة للإصلاح الحقيقي، الذي يحتاجه النظام التعليمي، المدرسي والعالي، وهي أساسيات أزعم أنها باتت مشخصة ومحددة عبر أكثر من دراسة واستراتيجية وطنية، كان آخرها استراتيجية تطوير الموارد البشرية، التي قدمت رؤية متكاملة وتفصيلية لواقع النظام التعليمي وآفاق ومداخل إصلاحه وتطويره.
حتى في معركة تطوير المناهج المدرسية، وما شهدته من التباسات وعمليات تحشيد واستقطابات حرفت النقاش العام حولها الى مساحات خطيرة ومضرة بالتعليم وبالمجتمع، نقول حتى في هذه المعركة لم تجد وزارة التربية والتعليم، في حقبة وزيرها السابق، إلا الهروب إلى الخلف، بالعودة إلى قصة ضبط و”تطوير” التوجيهي، ليخرج علينا بنظامه الجديد، الذي يعتمد امتحان الدورة الواحدة اعتبارا من العام المقبل!
أمام الوزارة والوزير الدكتور عمر الرزاز مجالات ومسارات عديدة لتطوير واصلاح العملية التعليمية، او على الاقل البدء بمثل هذه العملية، التي ستكون –بلا شك- شاقة ودونها تحديات وعراقيل عديدة، لكنها معركة لا بد من خوضها، ولا أعتقد أن من بين هذه المسارات الإصلاحية التمسك بمثل هذا التعقيد غير المنتج والذي لا يجوّد العملية التعليمية ومخرجاتها، وأقصد به اعتماد نظام الدورة الواحدة لامتحان التوجيهي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى