شباب وطلبة: الـ NGOs تسرح وتمرح في جامعاتنا، ومختصون يحذرون من مخاطرها
ثمة طفرة تجتاح دول العالم الثالث منذ النصف الثاني من الثمانينيات تتمثل في الحديث عن المؤسسات غير الحكومية أو ما يطلق عليها اختصارا (NGOs : non-governmental organization) وهي منظمات ذات مصلحة عامة. وهي لا تخضع لحكومة ولا لمؤسسة دولية , ولكنها تتلقى مساعدات وتمويلات من الحكومات , وتنشط دون رقابة حقيقية من الحكومات الوطنية .
هذه المؤسسات تنتشر في الوطن العربي بشكل كبير، ويتركز عملها في دول مثل مصر وسورية –قبل الحرب- وتونس والأردن وفي أراضي السلطة الفلسطينية. وينصب هدفها عادة على قطاعي الشباب والمرأة. حيث استطاعت استقطاب مئات الشباب والطلبة في الوقت الذي تراجع فيه دور الأحزاب وقدرتهم على جذب هذا القطاع الهام.
نداء الوطن قامت باستطلاع آراء عدد من طلبة الجامعات الأردنية، حيث كان السؤال يتمحور حول تخييرهم ما بين الانضمام الى حزب او الانضمام الى مؤسسة مجتمع مدني ممولة من الخارج.
الطالب (عامر م.) يفضل الانضمام إلى مؤسسة مجتمع مدني ,حيث يعتبر هذه المؤسسات مساندة للعمل الحزبي , وأن لاعواقب قانونية في كلتا الحالتين.
فيما تؤكد تسنيم على أنها تفضل العمل الحزبي كي لاتنفذ أجندة الجهة الممولة. وتعتقد تسنيم أن أحد مصاعب العمل الحزبي هو العقوبات والمضايقات الأمنية.
ويكشف سلطان تأييده للعمل الحزبي ورفضه المؤسسات الممولة لعدة اسباب , بأن هذه المؤسسات يهمها مصالح دولها الممولة فقط , وقد تطلب هذه المؤسسات ضد المصلحة الوطنية.
بينما يميل الطالب (م. أبو يعرب) إلى الانضمام لمؤسسات المجتمع المدني, خوفا من الأحزاب وما قد يسببه الانضمام إليها من ملاحقات وعقوبات.
وتلفت (م.ح) إلى أن تواجد مقرات لمنظمات كالـ NDI داخل الحرم الجامعي يجعلها “تستفرد” بالطلبة، في الوقت الذي يتم فيه منع الأحزاب من العمل داخل الحرم الجامعي.
طغيان الذاتي على الجماعي
ويرى الباحث والكاتب محمد فرج أن المنظمات التي تسمي نفسها غير حكومية (NGO) – هي حكومية بالأساس. ويلفت إلى أنه بعد انهيار المنظومة الاشتراكية في العالم، تفردت الرأسمالية العالمية في صياغة قاموس مسيطر وحيد، ودون منافس، وهو قاموس الليبرالية الجديدة. واحدة من النجاحات المأساوية لهذا القاموس في مرحلة ما بعد الانهيار كانت العمل على إعادة تشكيل المعارضة، وتحويلها من معارضة من خارج خيارات النظام تبحث عن الوصول إلى السلطة (الأحزاب)، إلى معارضة مفاوضة للسلطة ولا تبحث عن الوصول إلى السلطة (NGOs).
ويرى فرج أن الرأسمالية العالمية تمكنت من خلال تفردها في العالم اقتصادياً وثقافياً من تحقيق هذا النجاح، واستبدلت فعالية الأحزاب والنقابات والحركات الطلابية الراديكالية بفعالية هذه المنظمات ، وقد حدث هذا فعلاً، ونحن نعيشه اليوم ، مع وجود استثناءات، يمكن الحديث عنها بشكل مستقل.
واعتبر الباحث فرج أن ميول الطلاب لهذه المنظمات يأتي في هذا السياق الشامل، معتبراً أنه يمكن لهذه المنظمات أن تحل مكان الأحزاب، صحيح! ولكنها لا يمكن بالتأكيد أن تلعب دورها التاريخي المتمثل في الوصول إلى السلطة وإعادة صياغة شكل الدولة والمجتمع، وإنما المتابعة في حقن إبر التخدير، كي لا تعود المعارضة إلى شكلها التاريخي .
فيما يلفت السيد محمد الحسيني مدير مركز هوية (إحدى مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في قطاع الشباب) إلى وجود مجموعة من العوامل التي تجعل الشباب اكثر ميولا الى الانضمام لمؤسسات المجتمع المدني او العمل معها على حساب الانضمام للأحزاب السياسية، ومن هذه العوامل المضايقات والضغوطات التي قد يتعرض لها الشاب نتيجة انضمامه لحزب وخاصة اذا ما كان هذا الحزب مصنفا على انه حزب معارضة.
إلا أن الحسيني يرى أن الأحزاب تتحمل جزءً من المسؤولية كون أغلب الأحزاب غير قادرة على صياغة خطاب عملي وواقعي جاذب للشباب، إضافة الى ان الهيكلية الداخلية لمعظم الأحزاب هي هيكلية طاردة للشباب لأنها لا تعطي الفرصة الكافية لهم للوصول الى المواقع القيادية التي يسيطر عليها في الاغلب أعضاء الحزب القدامى.
ورأى الحسيني أن مؤسسات المجتمع المدني تعطي للشباب فرصة الانخراط في العمل العام بعيدا عن الضغوط الأمنية او الاجتماعية، كما انها تمكنت من صياغة برامج جاذبة للشباب سواء من خلال بناء قدراتهم او إعطائهم الفرصة للتطور ودون ان يترتب على ذلك اثمان سياسية او اجتماعية باهظة قد تؤثر على مستقبل الشاب العملي.
ورفض الحسيني فكرة أن تكون مؤسسات المجتمع المدني بديلا للأحزاب، فالديمقراطية الحقيقية لا تستقيم بدون أحزاب تتداول السلطة بشكل سلمي، وعلى الرغم من أن مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية تتشارك في بناء الديمقراطية، إلا أن الفرق بين الاثنين يجب أن يكون واضحا، فالأحزاب يجب ان تسعى للوصول الى السلطة وهذا مبرر وجودها، بينما لا يجوز ذلك لمؤسسات المجتمع المدني.
الرفيق أحمد حسين عضو اللجنة المركزية في حزب الوحدة الشعبية أكد في حديث لـ نداء الوطن أن العامل الاساسي المحفز للشباب للإنخراط بهكذا مؤسسات هو الشعارات الجاذبة والبراقة لهذه الفئة تحديدا ( طبعا اذا وضعنا الاموال الطائلة جانبا) مثل الحرية، العدالة، المشاركة السياسية، الجندرية، تمكين الشباب. وعندما تطرح هذه الشعارات من منظور نظام العولمة الليبرالي القائم بالأساس على الفردية يرى الشاب نفسه في هذه المؤسسات اكثر من الاحزاب القائمة على العمل الجماعي من أجل إحداث التغيير في المجتمع.
ويلفت حسين إلى أن العمل بصيغة (ناشط شبابي) جاذب أكثر ويعطي الفرصة للظهور والشهرة على الأساس الفردي ولكن بالمقابل ما هو التغير المنشود الذي سوف تحدثه هذه الفردية هنا يكمن السؤال.
ونوه الرفيق حسين إلى الميزات التي يمكن أن تقدم للشاب في حال انخراطه في العمل ضمن هذه المؤسسات من أموال وسفر وإقامة في فنادق الخمس نجوم لعقد الندوات والمحاضرات، على عكس العمل داخل مؤسسة الحزب التي تعرضه للتضييق وملاحقته بعض الاحيان في دراسته او عمله.
وختم الرفيق أحمد حسين حديثه لنا بالتأكيد على أن هذه المؤسسات –NGOs- تهدف إلى ضرب كل ما هو منظم في المجتمع من خلال تصوير العمل داخل مؤسسة الحزب بالعمل غير المنتج وكما يروجون بأن الاحزاب منعزلة عن المجتمع ولا تمتلك البرامج المؤهلة لقيادة المجتمع وإحداث التغيير. هذا من جهة ومن جهة اخرى فإن الشعارات التي تطرحها الاحزاب من وجهة نظرهم غير واقعية ولا يمكن تحقيقها كالحديث عن مقاومة الاحتلال الصهيوني ومقاطعة البضائع الإسرائيلية .. الخ. لذلك، فإن فهذه المؤسسات تعمل بالأساس على أولاً ضرب مفهوم العمل المنظم داخل المجتمع وثانياً قلب مفاهيم ومسلمات راسخة في العقل الجمعي للمجتمع.