ثقافة وأدب

“أبو القاسم” عذوبة الإنسان وصلابة المناضل / د. موسى العزب

الرفيق أبو القاسم.. يكفي اللقب ولا حاجة للبحث عن هويته الشخصية، أبو القاسم هوية نضالية متجذرة، قد تكتشف صدفة أن اسمه هو محمد قاسم أبو دهيم، ولكن “أبو القاسم” وحدها تكفي لحمل دلالة الإسم ودفئه.

لا تسأل أبو القاسم عن إسم بلدته، فهو يتنفسها كما الهواء، ولكنه ينتمي للوطن، كل الأوطان، ولا عن مسيرته الشخصية، وهو الذي لن يسرد في سيرته سوى تاريخ الناس والنضال.

هو الأصيل أصالة وقدم العمل الوطني والقومي، في شبابه انتسب لحركة القوميين العرب، ثم أصبح من مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعضواً قيادياً في إحدى منظماتها في الأردن في بواكير العمل الفدائي، ومنذ تلك البدايات لم يغادر ساحات النضال الوطني والشعبي والحزبي.

في كل ساحة كفاح وانعطافة نضالية كانت فلسطين بوصلته وأيقونته وملهمته.. فلسطين بكامل ألقها من بحرها إلى نهرها، كل ترابها وشعبها وأفقها المفتوح على مساحة الأرض العربية، وحدة وتحرراً. إيمانه بالتحرير والعودة لا يفوقه إيمان، هي أمور يستشعرها بوجدانه وسريرته النقية الصافية، فكان أول من يرفض ويتصدى للمشاريع المشبوهة، وهو أول السباقين لمتاريس التضحية والفداء.

تعددت المهام التي تّحمل رفيقنا “أبو القاسم” مسؤوليتها ، وبرز في النشاط النقابي العمالي في ظروف العمل السري والأحكام العرفية وتكرست صورته كنقابي صلب عريق، عمل رئيساً لنقابة العاملين في “المحال التجارية”، وكان من مؤسسي العمل النقابي في الأردن، وما يزال يشكل مرجعاً معرفياً وسجلاً لتاريخ الحركة العمالية، وقوانين العمل والعمال على مستوى الوطن.

بسبب منعه من الترشح لعضوية قيادة النقابات العمالية، تقدم بشكوى قضائية بحق وزيري الداخلية والعمل، قادته شكواه إلى السجن حيث تصدى المحامي المرحوم إبراهيم بكر للدفاع عنه.

شارك باهتمام ومسؤولية بكل النقاشات والجدل الذي رافق التحول وتأسيس حزب الوحدة الشعبية وواصل نضاله في صفوف الحزب بنفس الحماسة والاقتدار وهو الحريص المؤتمن على الحزب والرفاق فكان أن انتخب لعضوية اللجنة المركزية لأكثر من دورة، ثم عضواً في لجنة الرقابة الحزبية تقديراً لعطائه وحرصه الشديد على مقدرات الحزب وخطه السياسي وقراراته ونظامه الداخلي.

لم يتخلف يوماً عن التعبير عن وفائه وامتنانه للشهداء ومن فقدناهم من الرفاق وتكريمهم، وفي صبيحة اليوم الأول لكل عيد، يصر على الجميع بضرورة التجمع والخروج معاً والتوجه إلى مدافن ونصب الشهداء في أم الحيران وسحاب وبيادر وادي السير.. أربعة عقود لم يتخلف رفيقنا الوفي عن التزامه يوماً واحداً ومهما كانت الظروف. زيارات تحرك عند الرفيق مشاعر وجدانية حارة، وذكريات متدفقة محفورة في الذاكرة، يعيد شرط الأسماء والوقائع والأماكن، ويحيي الرفاق القادة الذين غادروا وبقيت نماذجهم خالدة في الوعي والوجدان، يتوقف مطولاً في مقبرة أم الحيران التي يحتضن ترابها عدداً كبيراً من شهداء المقاومة الفلسطينية بفصائلها المختلفة منذ مراحل إنطلاقتها الأولى.

أبو القاسم المناضل العنيد المبدئي خبر المعتقلات والسجون مرات عديدة، وضع في زنازين المخابرات لفترات طويلة، وعُذّب وحورب في لقمة عيشه وحياة أسرته، لم يتنازل ولم يساوم، لم ينل المعتقل من عزيمته، ولم يزده السجن إلا صلابة وإصراراً على مواصلة النضال وحباً لناسه ورفاقه.

يذهلنا رفيقنا أبو القاسم بقوة ذاكرته وحضورها السخي، السارد الأمين للأحداث والأسماء والمواقف، صفحات التجربة والزمن التي نتمنى عليه كتابتها بقلمه النزيه وحسه المرهف.

رغم سنين العمر، وتوعكه الصحي الذي ينتابه في الفترة الأخيرة، إلا أن أبا القاسم لا يزال مثابراً على تأدية واجباته الحزبية والجماهيرية بإهتمام وجدية عرفت عنه.. هذا الرفيق العذب الدمث جياش العاطفة لدرجة إدماع عينيه لألم أو شدة تلحق برفيق أو صديق، هو أنموذج للمناضل الثوري المنسجم مع نفسه وفكره، دمج بشكل خلاق بين الخاص والعام، وشكل مثالاً يحتذى وقدوة لمن عرفه وشاركه المسير.

لك منا كل المحبة والتقدير، منك نستقي العزيمة والإصرار ومعك نواصل الدرب.. كم نحبك يا رفيقي.

اظهر المزيد

نداء الوطن

محرر موقع حزب الوحدة الشعبية… المزيد »
زر الذهاب إلى الأعلى