رحيل قائد شجاع / حاتم استانبولي
كاسترو وجيفارا ورفاقهما سطروا تجربة خاصة بهم، فهم حلموا بفكرة وعملوا على إنجازها، وجسدت الفكرة بكوبا الدولة والوطن والشعب والصمود والحرية .
في إحدى مقابلاته، قال كاسترو في رده على سؤال لأحد الصحفيين: “إننا على ما يبدو أننا اخطأنا عندما تعاطينا على أن هنالك من يملك وصفة فيزيائية جاهزة للاشتراكية”. بهذه الكلمات لخص (الكوماندنتي ) فيديل كاسترو تجربته مع مجموعة مؤلفة من اثني عشر فرداً لتصبح جيشاً، وتحرر كوبا، وتعيد بناء مجتمعها وتنقله من الأمية الى مصاف الدول المتقدمة، في مجالات مثل الطب.
البعض يحاكم كاسترو وتجربته من مواقع فكرية ليبرالية ورأسمالية. هؤلاء هم عملياً في موقع العدو لكوبا, ويطلقون عباراتهم لتشويه صورة النموذج الصلب والشجاع الذي قاتل وصمد وحرر وبنى وأجبر خصمه على الاعتراف بهزيمته. إنهم لا ينظرون لدوره من حيث تطوره التاريخي وكيف نقل كوبا من واقعها كملهى كبير لرجال رأس المال الأمريكي والغربي، الذين كانوا يقضون إجازاتهم بهذه الجزيرة، ويعاملون شعبها بازدراء وعدم احترام, وسقف موقعهم الممكن أن يصلوا إليه في وطنهم, هو صفة حارس, أو خادم, أو بائعة هوى للضيف اليانكي القادم . كاسترو وجيفارا وراؤول ورفاقهم حرروا كوبا من هذا اليانكي وبنوا دولة في ظل حصار بربري همجي دام أكثر من خمسين عاماً. ونقل شعبه من الأمية إلى صفر أمية وأعطى دوراً للمرأة لم تصله في أية دولة تدعي الديمقراطية.
إن أي تقييم واقعي لدور كاسترو كقائد هو مدى التزامه بقضايا شعبه ومدى النجاح الذي حققه إن كان على صعيد الصحة والتعليم والعدالة في توزيع الخيرات المادية على عموم الشعب. ناهيك عن دور كوبا في مناصرة الشعوب التي تتطلع للحرية إن كان في جنوب أفريقيا أو فلسطين التي حظيت باهتمام خاص منه شخصياً. اما على الصعيد الإنساني فإن دور كوبا في مكافحة الأمراض التي فتكت بالآلاف في افريقيا، فالتاريخ سجل للبعثة الكوبية دوراً رئيسياً في محاصرة فيروس ايبولا.
كوبا هذه الجزيرة الصغيرة المحاصرة استطاعت على مدى عشرات السنين أن تقارع أعتى دولة رأسمالية وتصمد وتجبرها على رفع الحصار. كوبا بقيت وفية لمبادئها في ظل قيادة فيديل كاسترو. كاسترو الذي أصر أن ينجز تجربة اشتراكية خاصة بكوبا وحقق ذلك . كاسترو كان قد خيّر الكوبيين الذين يريدون البقاء لبناء كوبا فلهم حرية البقاء، والذين بريدون أن يغادروها فتح الحدود لهم . إن من يريد أن يقيم تجربة كاسترو عليه أن يرى أين كوبا قبل التحرر وأين هي الآن.
كاسترو الذي أطلق رؤيته الاقتصادية لدول أمريكا اللاتينية، وطالبها بعدم دفع ديونها للبنك الدولي ورفض املاءاته. هذه الأفكار التي كانت ملهمة لشعوبها للتحرر والبناء. كاسترو وكوبا مدرسة خاصة لا يمكن إنصافها بعدة أسطر. كوبا أصرت أن تنجح وتحقق حلمها في التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي. كاسترو كان طيلة حياته يعبر عن أسمى المعاني الإنسانية فهو المقاتل الشجاع المحنك, رجل الدولة الصلب, كاسترو الإنسان المتواضع، كاسترو صديق الكتاب والشعراء العظام
كان كاسترو متحيزاً دائماً وبتطرف للفقراء والشعوب المقهورة كان مستمعاً جيداً لآلامهم ومن أوائل المساهمين في الدفاع عن قضاياهم وتقديم العون لهم. عند زيارة البابا لكوبا أصر أن يقف هو والبابا تحت صورة للمسيح وبجانبها صورة لرفيق دربه جيفارا لما لها من رمزية عميقة. كاسترو مقاتل شجاع وصلب وعنيد في الدفاع عن قيمه ووطنه وفكره وقضيته. فالجميع، أعداؤه قبل أصدقائه يعترفون أن لشخصية هذا القائد وقع خاص سيسجله التاريخ الإنساني كإحدى سمات القرن العشرون .