ذياب: الوصول إلى حزب جماهيري يحتاج إلى ثورة في آليات العمل والبناء التنظيمي
في الذكرى السادسة والعشرين لانطلاقة حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، يقدم الأمين العام للحزب الدكتور سعيد ذياب قراءة في التحديات التي تواجه الحزب بعد محطة الانتخابات النيابية والتي شهدت إخفاقاً للحزب على صعيد حجم المشاركة والنتائج.
وتالياً ما كتبه الأمين العام للحزب الدكتور سعيد ذياب:
شكلت الانتخابات النيابية لعام 2016 محطة هامة ومفصلية في مسيرة الحزب النضالية، وتجلت أهميتها أنها جاءت بعد موقف نضالي وصلب جسده الحزب تمثل هذا الموقف في رفض المشاركة في انتخابات عام 2013، بما حملته تلك الانتخابات من استهدافات أبرزها الالتفاف على واحتواء الحراك الشعبي والتمسك بقانون الصوت الواحد، وتسويق الإصلاحات الشكلية التي أقدم عليها الحكم واعتبرها نهاية المطاف الإصلاحي.
الانتخابات النيابية: نتائج صادمة .. ولكن؟!
جاءت انتخابات المجلس النيابي الثامن عشر على أساس قانون حمل في طياته مبدأ التمثيل النسبي ولكن بعد أن تم تفريغ هذا المبدأ من مضمونه بسبب تقسيم الدوائر وإبقاء الدائرة المفتوحة ورفض القائمة الوطنية. الأمر الذي تجلى في نتائج الانتخابات من خلال هيمنة قوى رأس المال والبيروقراط والروح الفردية البعيدة كل البعد عن القائمة الجماعية البرنامجية.
لقد خسر الحزب في هذه الانتخابات، ولكن، عند التقييم لأسباب ودلالات الخسارة، فإنني أعتقد أن أية عملية تقييم حتى تكون دقيقة يجب أن نتفق مسبقاً، إن كانت أسس العملية الانتخابية سوية، واتسمت بالنزاهة والحيادية، أو أنها افتقرت لهذه الأسس. لأن النتائج لن تكون واحدة.
لأن قدرتنا على تقييم دورنا يجب أن يستند إلى المعايير الصحيحة لأي عملية تقييمية. نحن في الحزب بالرغم من إقرارنا ببعض أوجه القصور الحزبي، التي ترتبط بالإخفاق في تشكيل القوائم الوطنية وفق الرؤية التي حددتها اللجنة المركزية للحزب، إضافة إلى آلية اختيار المرشحين ودور الحزب وقدرته على تقديم برنامجه ورؤيته الاقتصادية والسياسية. بالرغم من هذا الإخفاق الذي كشفته الانتخابات البرلمانية، إلا أننا نجزم أن المناخ العام للانتخابات لم يتسق مع المعايير العالمية المتفق عليها، كالنزاهة والشفافية وحياد السلطة وعدم تدخلها في الانتخابات. الأمر الذي يجعل من عملية التقييم مسألة في غاية الصعوبة، وتفتقر إلى الدقة لعدم قدرتنا على تحديد التخوم بين مسؤولية الحزب وقصوره من جهة، ومسؤولية الحكومة من جهة أخرى.
الحاجة إلى ثورة في آليات تواصل الحزب مع الجماهير
والآن، ونحن أمام الذكرى السادسة والعشرين لانطلاقة الحزب وما تعنيه لنا من أنها مناسبة لقراءة واقع الحال، بغية الانطلاق نحو المستقبل بهمة وعزيمة قوية. لقد وقف الحزب أمام تلك التجربة وخرج بجملة من الاستخلاصات تالياً أهمها:
_ أن العبرة الأساسية التي تكونت لدينا من هذه الانتخابات، أن البلاد لا تسير باتجاه الإصلاح بل بالعكس، فإن منحنى ما يسمونه بالإصلاح منذ عام 1989 حتى الآن، هو منحنى هابط، وأن السياسة الحكومية سعت ولا تزال لتفريغ المؤسسة التشريعية من دورها، وسعت كذلك لتشويه الصورة العامة للأحزاب، بحيث أوصلت المواطن إلى مرحلة عدم اهتمامه إن كان البرلمان موجوداً من عدمه سيان، وأن الوجود الحزبي كذلك لا طائل منه.
_ إن هذا السلوك الحكومي وهذا العداء للعمل السياسي يتطلب منا الالتزام بمنهج نقدي جذري وشجاع وأن لا نسمح لهذا النهج من تشويه الوعي الشعبي وأن نعمل على خلق أوسع إطار جماهيري يلزم الحكم باحترام القوانين والابتعاد عن لغة القوة والتهديد ومصادرة الحقوق.
_ وهذا يتطلب الانفتاح على كافة النشاطات للأفراد والنقابات والجمعيات والحركة الطلابية، وإيلاء الحركة النسائية جهداً أكبر، ذلك أن حركة تحرير المرأة وامتلاكها لحقوقها من شأنه دفع عملية التغيير قدماً وبقوة للأمام.
_ إن إحداث ثورة في تفكيرنا والاتصال الجماهيري والبناء التنظيمي، هي عناصر بلا شك ضرورية بل من شأنها أن تساهم في الإجابة على كيفية الرد على الجرح الذي أصاب جسم الحزب.
سبل الوصول إلى حزب جماهيري
منذ المؤتمر الرابع للحزب، وضع نصب عينيه شعار “نحو حزب جماهيري” لكنني أعتقد أن هذه العملية لا تتم فقط من خلال قرار، بل إنها عملية تراكمية لا تحدث بين ليلة وضحاها. وهي مسألة كذلك ترتبط وبشكل وثيق بقدرتنا على دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ومتطلبات القوى الاجتماعية وربط ذلك وبشكل وثيق مع برنامج الحزب ورؤيته. هذه المسألة بحاجة إلى وجود حزبي على امتداد الوطن، من خلال خلق شبكة واسعة من المنظمات الحزبية المنتشرة على طول البلاد وعرضها.
وبحاجة كذلك أن يعبر الخطاب السياسي للحزب وبشكل واضح وجريء عن طموحات الجماهير الأردنية وأن يتلمس مطالبهم واحتياجاتهم.
المساهمة في الأطر الجماهيرية الموجودة أو العمل على تشكيل أطر جماهيرية لها خصائص محددة (الشباب والمرأة) أو أطر ذات طابع مهني (عمال ومزارعين ومهنيين)، أونوادي وجمعيات، مرتبطة بأهداف وحاجات ثقافية أو ترفيهية، وتوجيه هذه المنظمات جميعها ارتباطاً برؤية الحزب وبرنامجه.
أعتقد أن الانتشار ضمن مؤسسات المجتمع وبلورة برامج تتسم بطابع جامع ويلبي الطموحات الوطنية، من شأنه تمكين الحزب من أن يحظى بالدعم والتأييد الوطني والشعبي الواسع.
الخطوط العامة لتحالفات الحزب المستقبلية
لقد توقفت اللجنة المركزية في اجتماعها الأخير لمناقشة دور الحزب في الانتخابات، ورأت أن قراءة معمقة لواقع التحالفات الوطنية وواقع ائتلاف الأحزاب اليسارية والقومية، والإخفاق الذي عاشته هذه الأحزاب في تشكيل رؤية مشتركة لخوض الانتخابات، باتت ضرورة وطنية وحزبية. وأن تطوير سبل وأشكال العمل الحزبي والشعبي المشترك، باتت أكثر راهنية من أي مرحلة سابقة.
إننا نرى في دور الحملات الوطنية وما تمثله من فرصة لمشاركة شعبية وما تقوم به من دور وطني وديمقراطي، تعتبر مثالاً فعالاً لتحديد المهمات الوطنية والديمقراطية وإشراك الفعاليات الشبابية لتبني هذه المطالب.
ومما لا شك فيه أن قدرة الحزب على النهوض بتلك المهمات، مرهونة كذلك بما تقوم به الهيئات القيادية للحزب للارتقاء بوعيها من ناحية والارتقاء بوعي وبناء قدرات الكادر الحزبي تنظيمياً وفكرياً.
إنها عملية متكاملة ومتدرجة وصولاً إلى الهدف.