آخر أساطير القرن العشرين / وطن جميل العبد
سيكون من الصعب علينا أن نكتب عن فيديل كاسترو، لأن هذا الرجل العملاق ليس قائد ثورة وحسب، بل كان المحامي، الباحث، الصحفي، خبير الاحصاء، المختص بعلم البيئة، الرياضي، المتنبئ، وخبير الاقتصاد والسياسة لأي حدث عالمي، باختصار لقد كان رجل القرن العشرين السابق لعصره. كان فيديل هو من قاد ثورة الشعب من أجل الشعب، ومن نهض ببلده من عصر التبعية إلى عصر الاستقلال والحكم الذاتي، الذي لم يكن من السهل أبداً الحفاظ على نجاح هذه الثورة الاشتراكية التي أثرت علی مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
في بداية الثورة الكوبية، أمّم فيديل جميع الشركات والمؤسسات الأجنبية، واسترجع أيضاً حقوق الفلاحين موقعاً أول قانون بعد الثورة، وهو قانون الاصلاح الزراعي، قام بمحو الأُمية في كوبا، فبعد الثورة لم يبق انسان جاهل بالكتابة والقراءة، وهنا أقتبس من خطاب لفيدل كاسترو في إحدى كليات المحاماة في بوينوس ايريس العاصمة الأرجنتينية: “الأمم المتحدة أعلنت أن كوبا خالية من الأميين وبأن الشعب الكوبي بأكمله مكوّن من محترفين جامعيين حتی العاهرات في الشوارع وذلك بفضل الثورة”. استرجع فيديل حق الشعب في التعليم والصحة، وذلك بشهادة من مؤسسات حقوق الانسان والصحة الدولية بأن نسبة وفيات الأطفال ونسبة الأمل في الحياة تُضاهي معدلات ونسب دول العالم الأول وذلك إيماناً بفضل الثورة. تحدى كاسترو المستحيل بعد سقوط المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي وصمد في وجه الحصار الاقتصادي على كوبا من قِبل الولايات المتحدة الامريكية، وأقتبس هنا من خطاب له مع الشعب الكوبي “.. حتى في هذه الظروف، كوبا والثورة الكوبية ستبقى تقاتل وستبقى تقاوم…”.
لماذا نكتب لفيدل؟ لأن فيديل كاسترو قائد الثورة الكوبية هو الرمز الأول للتضامن الأممي، فمُنذ انتصار الثورة كان أول من اعترف بفلسطين كدولة محتلة من قبل الكيان الصهيونى، و حوّل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ليكون أول سفارة فلسطينية في العالم، و هو من أرسل رفيق دربه ارنستو “تشي” غيفارا لزيارة عبد الناصر الذي ألح علی دخول قطاع غزة لزيارة المقاومة، وفي عام 82 اثناء اجتياح لبنان فيديل أرسل وزير الخارجية الكوبية للإطمنان على المقاومة الفلسطينية، فكانت الدولة الوحيدة التي استطاعت اختراق حصار بيروت، وهو نفس الرجل الذي أرسل جنود بقيادة تشي للجزائر لحماية الثورة الجزائرية، علماً أن كوبا كانت تمر بأوقات صعبة للحفاظ على نجاح الثورة، وهو أول من دعم المقاومة الصحراوية، وهو من قام بارسال جنود لأنغولا لحفظ السلام وللدفاع عن الشعب الأفريقي هناك، وهو من دافع عن نسيلون مانديلا ودعم المقاومة في جنوب افريقيا ضد التمييز العنصري وقانون الانعزال (الابارتهايد).
كاسترو من أعطى مستقبلاً لآلاف الطلاب الأجانب عن طريق تأسيس جامعة أمريكا اللاتينية للطب التي تستقبل طلاباً من أكثر من ثلاث وتسعين جنسية مؤكداً على مفهوم الاشتراكية، قائلاً في مهرجان افتتاح الجامعة؛ “انتم كوبيون مولودون في الخارج.. وأضاف؛ نحن لا نملك شيئاً لنهديه لكن نملك الكثير لنشاركه..”.
شكرا فيديل! هذه الأسطر لا تفيك حقك بكل ما علمتني اياه؛ فقد علمتني كيف أكون انساناً حراً وثائراً لا يعرف المستحيل وكيف استرجع حقوق شعبي المغتصبة، وماذا يعني أن أكون أممي بأفعالي، فالهوية والجنسية التي نحمل هي هوية الانسان، وأن أكون جندياً في جيش البدلات البيضاء من أجل الدفاع عن كوبا والعالم كما أردت أن نكون دائماً نحن خريّجي كوبا. فيديل اختفى جسدك من الوجود لكنك ستبقى حاضراً بفكرك ونهجك.. أذكر في آخر خطاب لك في المؤتمر العام للحزب الشيوعي الكوبي أنك بدأت حديثك قائلاً “أن الأجساد تذهب وكل انسان يأتيه دوره ولكن تبقى الفكرة.” ستبقى حاضراً بأفعالنا وسنبقى مدافعين عن فكرك ما دمنا على قيد الحياة.
وهنا أختم بما قاله كاسترو في الأمم المتحدة عندما وقف وقال: “أتحدث باسم المرضى الذين لا يملكون العلاج، باسم هؤلاء الذين نُزِع منهم حق الحياة والكرامة الانسانية، لماذا تملك بعض الدول الموارد الاقتصادية والطبيعية بكثرة، ودول أخرى لا تملك شيئاً، ما هو مصيرهم، الموت من الجوع؟ أو أن ييقوا فقراء مدى الحياة؟ إذاً بماذا تخدم الحضارات؟ بماذا يخدم ضمير الانسان؟ وبماذا تخدم الأمم المتحدة؟ ماذا يخدم العالم؟ لا يمكن التحدث عن السلام العالمي بوجود الملايين من الفقراء في العالم الذين يموتون جوعاً، أو مصابين بأمراض تعالج بشكل يومي في هذا العالم، لا يمكن التحدث عن السلام باسم تسعمائة مليون أُميّ، استغلال البلدان الفقيرة من قِبل الدول الغنية يجب أن يتوقف. أعلم ان في العديد من البلدان الفقيرة يوجد مستَغِل ومستَغَل، أتوجه بالخطاب إلى الأمم الغنية أن تساهم وإلى البلدان الفقيرة أن تُوزع، لا مزيد من الكلام بل أفعال.”
الوطن أو الموت.. سننتصر
شكراً فيديل كاسترو
وطن جميل العبد
سنتا كلارا – كوبا
30/11/2016