مقالات

زلزال ترامب.. وموسم الهجرة إلى اليمين!

دونالد ترامب، وخلافا لتوقعات النخب والاستطلاعات الأميركية.. رئيسا للولايات المتحدة. زلزال سياسي هو الوصف الأكثر ترددا يوم امس بعد صدور النتائج الأولية لفوز المرشح الجمهوري، الذي كان العديد من رموز حزبه قد تبرأ مبكرا من دعمه، ومن دعم خطابه وبرنامجه اليميني. الصدمة في الولايات المتحدة بعد وصول ترامب إلى البيت الابيض، لم تلبث أن وجدت صداها المدوي في كل أرجاء المعمورة، وهي بلا شك صدمة ستدوم طويلا!

هل كانت استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة، التي توقعت فشل ترامب أمام الديمقراطية هيلاري كلنتون التي باتت بعد يوم أمس جزءا من تاريخ الحياة السياسية الأميركية فقط، كاذبة او مضللة؟ أم هي رغبة نخب أساسية في أميركا سعت صادقة وجاهدة إلى إعاقة وصول ترامب بما يحمله من فكر يميني ومتطرف على غير صعيد، إلى سدة رئاسة أقوى دول العالم؟! وهي رغبات لم تجد صداها واستجابتها لدى الشارع الأميركي، أو بالأحرى لدى أغلبيته المؤثرة في صندوق الاقتراع.

اعتقد أنك “إذا أردت أن تعرف ماذا يحصل في إيطاليا فعليك أن تعرف ما يحصل في البرازيل”… كما قالها الفنان العربي الكبير نهاد قلعي (حسني البرزان) في مسلسل “صح النوم” في زمن جميل مضى. لذلك لا يمكن قراءة الفوز التاريخي الصادم لترامب في الولايات المتحدة أمس خارج سياق التحولات السياسية العميقة التي تلف العالم اليوم، وعلى رأسها تقدم اليمين، بمختلف جنسياته وأعراقه ودوله ودياناته، وتكريس خطاب الانعزالية والخوف من الآخر.

المؤشر الرئيسي للزلزال السياسي الذي أحدثه فوز السبعيني ترامب، هو أن اليمين، بل وأقصى اليمين المحافظ، هو الذي فاز برئاسة أميركا، وهو ما يندرج في سياق انتعاش اليمين المتطرف في أوروبا في السنتين الأخيرتين. ويمكن النظر إليه أيضا في سياق تقدم اليمين العنصري والمتحجر تطرفا في إسرائيل خلال السنوات الماضية، وأيضا في سياق صعود واستفحال اليمين الإسلامي، تحديدا بصورته المتطرفة المنغلقة، في الشرق الأوسط، والذي تجلى بابشع صوره في ليبيا والعراق وسورية ومصر وغيرها.

حتى في روسيا، فان الرئيس فلاديمير بوتين والطبقة السياسية التي يمثلها، يمكن تصنيفها في جانب ما، ضمن تيار اليمين القومي، الذي يسعى لاستعادة أمجاد روسيا، والقومية الروسية، دولة عظمى ورقما صعبا بعد ثلاثة عقود من التخبط والإذلال وخسارات النفوذ والمصالح الاستراتيجية، إثر انهيار الاتحاد السوفيتي.

لا شك أن أسبابا متشابكة وعميقة، سياسية وجيوسياسية واقتصادية، هي ما يمكن لها تفسير صورة تقدم اليمين المحافظ، واليمين المتطرف في الولايات المتحدة وباقي الدول والقارات، لكني أتحدث هنا عن السياق العام للتحولات السياسية الاستراتيجية التي يمكن الخروج بها في تفسير فوز ترامب، وصعود اليمين في غير مكان في هذا العالم.

ولا يمكن إخراج فوز ترامب أيضا، على المستوى المحلي الأميركي، عن سياق محافظة الحزب الجمهوري على سيطرته على أغلبية مقاعد مجلس النواب، ما يعكس أن غالبية الرأي العام الأميركي صوتت عن وعي لليمين وترامب والجمهوريين.

لم يعد مستغربا، بل وربما هو المتوقع، أن اليمين العنصري والمتطرف في العديد من الدول الأوروبية بات مهيّأ للوصول إلى سدة الحكم في بلاده، ولن تكون هناك صدمة إذا ما فازت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان بانتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة، خاصة في ظل تصاعد اليمين في أوروبا، مع تزايد تداعيات أزمات اللجوء والهجرة والإرهاب في أوروبا والعالم.

وحلقة اللاجئين والإرهاب والأزمات المتفاقمة أوروبيا واميركيا اليوم، هي محصلة لسياسات الغرب المقامرة في سورية وليبيا والعراق، وقبلها في ترك قضية فلسطين وحقوق شعبها دون حل عادل، والسكوت على إرهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل. أزعم ان ما يجري في هذا الشرق المنكوب منذ سنوات، ومقامرة الغرب بتصنيع وتضخيم وتوظيف تنظيمات الإرهاب والتطرف في منطقتنا لتحقيق سياسات هذا الغرب قد ارتدت عليهم، وعلينا طبعا، إرهابا وكراهية.

نعم، يجب أن لا نفاجأ، فسنوات اليمين العجاف أمامها المستقبل!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى