هل ستعود مصر إلى جمهورية مصر العربية؟
الموقف المصري في مجلس الأمن بالتصويت على مشروعي القرارين الفرنسي والروسي، وكلمة وزير الخارجية المصري التي أكّد فيها أن مصر ترغب في وقف نزيف الدم السوري، والبدء في عملية سياسية قائمة على أساس وحدة الدولة السوريّة، لم يكن وقعه إيجابيّاً في بعض العواصم العربية والغربية، وشكّل خرقاً (للإجماع) العربي، حسب وصف بعض القادة الخليجيين الذين يريدون أن يعمّموا رأي عام جديد قائم على أن رأي وقرارات مجلس التعاون الخليجي هي الرأي العام والإجماع العربي.
إن هذه القناعة الخليجية قائمة على أساس نظرة فوقيّة لا تعير وزناً للدول والشعوب العربية ورأيها، وتريد أن تكرّس طابع جديد للعلاقة بين مجلس التعاون وبين دول وشعوب المنطقة قائمة على أساس العلاقة بين السيد والعبد، وتلوح بسياسة العقوبات الجماعية لشعوب المنطقة كقطع المساعدات عن الدول أو طرد العاملين من أراضيها أو استعمال ترسانتها العسكرية لقصف وتدمير تاريخ وحاضر ومستقبل شعوب المنطقة واستعمال موقعها الديني في تفكيك المجتمعات العربية، هذه السياسة التي تضع الدول والشعوب أمام خيارين، إما الخضوع أو الإذلال والتجويع.
هذا الموقف لم تستطع القيادة المصرية أن تهضمه، والتي رأت أن العلاقة بينهما وبين دول التعاون الخليجي يجب أن تقوم على أساس التكافؤ والتساوي، والذي يجمع بين القوة والمال، هذا الموقف لم يرق للنظام الخليجي. والمتتبّع للموقف المصري، فإنه يلاحظ أن الاشتباك السياسي قائم بعدّة عناوين أبرزها الموقف المصري الذي اقتصر على الموقف اللفظي بشأن اليمن، حيث كانت زيارة الملك السعودي الأخيرة لمصر تريد أن تدفع مصر للمشاركة المباشرة في الحرب على اليمن، الطلب الذي رفضته مصر ضمنيّاً واقتصر على التضامن مع السعودية، هذا هو سر الغضب السعودي الذي اعتبرته أنه لا ينسجم مع العطايا التي وعدت مصر بها، وجاء إعلان وقف الشحنات النفطية كعقوبة، الغضب السعودي ترافق مع غضب إماراتي، ما يؤكد أن الموقف من حرب اليمن هو جوهر موقف الغضب الخليجي، حيث أن الموقف المصري من الشأن السوري كان واضحاً منذ بداية الأزمة السورية، وكان السبب الذي سرّع بتحرّك الجيش المصري لاستعادة السلطة في مصر بعد أن ذهب مرسي بعيداً في موقفه بإعلان الجهاد في سوريا.
ودوائر القرار الخليجية كانت لا تعير وزناً لهذا الموقف كونها تمتلك أدوات مباشرة على الأرض السوريّة، تستطيع من خلالها أن تمرّر سياستها القائمة على تفكيك وإعادة تركيب الدولة السورية، ولم يكن يحرجها الموقف المصري في الشأن السوري، وهنا تفهم الخطوة السوريّة بالإعلان عن زيارة علي مملوك إلى القاهرة التي جاءت بالتنسيق مع القاهرة، حيث أرادت أن تعلن أن موقفها في الشأن السوري تطوّر من لفظي إلى ملموس، عبّر عنه في مجلس الأمن، الذي جاء مترافقاً مع الإعلان عن بدء المناورات العسكرية المشتركة بين مصر وروسيا التي تعد حدثاً بارزاً في ظل جمود العلاقات المصرية الأمريكية.
من الواضح أن مساحات الاشتباك السياسي بين الموقفين الخليجي والمصري ستتوسّع لتشمل ملفات ليبيا والعراق وفلسطين، حيث ستعيد مصر تموضعها الإقليمي، ومن المرجّح أننا سنشهد تقارباً مصرياً جزائرياً تونسياً في ليبيا، ومصرياً سورياً عراقياً (إيرانياً) في كل من سوريا والعراق، وبدعم ملحوظ من روسيا والصين، سيقابله موقف خليجي يحاول أن يتلاعب في المكونات الداخلية للمجتمع المصري، وستحاول مصر العودة إلى جمهورية مصر العربية، التي ستشكّل إعادة للتوازن الإقليمي ليخرج الصراع من تجاذبه المذهبي والطائفي. فالسؤال المهم، هل ستنجح مصر في خطواتها وهي محمّلة بأثقال داخلية مزمنة وقيود خارجية تعيق حركتها؟ لقد جاءت الإجابة على هذا السؤال على لسان الصعيدي المصري الذي وقف أمام ضريح الرئيس الوطني جمال عبد الناصر وصرخ بصوتٍ تغمره الحسرة ودموعه تنهمر ليشكو حال مصر ويناشده ويسأله “انت فين يا راجل؟ لماذا تركتنا؟ قوم يا راجل!” هذه الكلمات العفوية التي تحدّد إمكانية عودة مصر إلى جمهورية مصر العربية!