ذهنية الإرهاب (3-5)…حرب النصوص المقدسة
قد تكون هذه هي الظاهرة الأبرز في تاريخنا الراهن، أو حتى في تاريخ أمتنا بشكل عام، ظاهرة الحرب من وفي النصوص المقدسة. لا قضية المناهج ولا قضية اغتيال الشهيد ناهض حتر ولا حتى آخر عملية تخطر في ذهننا لتنظيم داعش أو غيره من التنظيمات الإجرامية، يخرج عن سياق حرب النصوص المقدسة.
صحيح أن كل هذه الأحداث المؤلمة تدور في فلك هذا العنوان، ولكن العنوان نفسه يدور أيضاً في فلك أوسع منه، هل حقاً أنها حرب خالصة عن النصوص المقدسة؟ هل حقاً يفجرون أنفسهم بكل فرح وشوق دفاعاً عنها وعن تفسيراتهم الخاصة لها ؟ قد يكون سؤال كهذا بمثابة تبرئة للمجرمين عند أصحاب الرؤوس الحامية والتحليلات الانفعالية، ولكن ليس هنالك أكثر من تراكم الجثث مدعاة للمزيد من هدوء التفكير وليس سكونه.
عندما ينتفض المعذبون في الأرض، يبحثون عن أقرب ثقافة تحمل انتفاضتهم، وسخطهم، وليس بالضرورة أن تكون هذه الانتفاضة أو تلك، هذا السخط أو ذاك، موجهاً إلى مكانه الصحيح، فقد يكون ثورة، وقد يكون انتحاراً، وقد يكون إجراماً. ما الذي يحدد ذلك إذن؟
وحده الفضاء الثقافي الأكثر انتشاراً في لحظة الانفجار من يحمل لغة الغاضبين، ويزود المواد اللازمة لأناشيدهم، ويبني ثيمة تصوراتهم وأحلامهم نحو التقدم والمقاومة أو نحو الانتحار والإجرام.
في الستينيات والسبعينيات، عندما صعدت تيارات اليسار المسلح، كانت التنظيمات الدينية المسلحة فقيرة وضعيفة وغير جاذبة، وهذا لا يعني أن تفسيراتها للنصوص المقدسة آنذاك كان مختلفاً وأكثر انفتاحاً، ولكن هذه النصوص في الفضاء الثقافي العام لم تكن منافساً كافياً لأدبيات اليسار في ظل وجود معسكر اشتراكي عالمي وثقافة اشتراكية عالمية واسعة. لذلك كانت اللغة التي تتحدث بها التنظيمات الثورية هي هذه اللغة، وموسيقاها هي تلك الموسيقى، وظهرت تنظيمات وقفت كذلك على يسار المشروع الاشتراكي السوفييتي نفسه، ولكنها بقيت تنظيمات يسارية، تبنت الماركسية منهجاً وأدبيات لحركتها، أحدثت فارقاً عن الثيمة العامة ولكنها بقيت في مداراتها، وهذا ما يحصل اليوم في ظهور تيارات إسلامية متنوعة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار داخل تيار اليمين نفسه.
يخطئ البعض عندما يعتقد أنها مقارنة مجحفة بين تيارات اليسار وتيارات الظلام الإجرامية، كل ما في الأمر أن الموضوع وفضاءات الثقافة القائمة والراهنة تجعل من فكرة النقاش المطول في النصوص المقدسة وتفسيراتها الزمانية والمكانية، مسألة إضاعة وقت ليس أكثر!