السعودية وارتدادات أزمة قانون “جاستا” على الاقتصاد الأردني
للوهلة الأولى لا يبدو أن لقانون “جاستا” الأمريكي الذي تم إقراره بتاريخ 2/10/2016 بعد تعطيل فيتو الرئيس أوباما، تأثيرات تذكر على الاقتصاد الأردني، باعتبار القانون موجه بالدرجة الأولى للمملكة العربية السعودية، المتهمة بضلوعها في تفجير مركز التجارة العالمي، لكن الواقع يشير بأن للقانون الذي يمثل زلزالاً بالنسبة للاقتصاد السعودي ارتدادات لن تقف عند السعودية، وإنما ستضرب دولاً عديدة في المنطقة ومنها الأردن.
وقبل الدخول في التفاصيل دعونا نرى، ما هو قانون جاستا، وما حيثياته، لماذا حظي بكل هذا التأييد في الولايات المتحدة ولماذا تم اتخاذه في هذا الوقت بالذات وما هي أهدافه الحقيقية؟
كلمة “جاستا” وهي اختصار لعبارة:
Justice Against Sponsors of Terrorism act
ويترجمه البعض بأنه: قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، وحيثيات القانون، تقوم على السماح للمحاكم الوطنية بسط ولايتها القضائية على سيادة دول أخرى، وذلك بالسماح للأهالي إقامة الدعاوي، والحصول على التعويضات المالية المناسبة من الدول التي تمول الإرهاب وتتسبب في موت رعايا أمريكيين. وقد حظي باهتمام وإقرار من قبل مجلسي النواب (الكونجرس) والشيوخ بأغلبية تفوق الثلثين من الجمهوريين والديمقراطيين بعد أن استطاع عدد من محامي ضحايا مركز التجارة العالمي تحريض أهالي هؤلاء الضحايا وتحريك قضيتهم، بحيث أصبحت قضية رأي عام.
لقد اختار أهالي الضحايا ذكرى مرور خمسة عشر عاماً على أحداث التفجير لإثارة القضية، أما أهداف القانون، فثمة شبه إجماع على أن الهدف الأبرز هو ابتزاز المال، ويقرر بعض الخبراء ما تستطيع الولايات المتحدة تدفيعه للسعودية بما يصل إلى (2 أو 3) ترليون دولار.
والقانون محصن بست مواد، منها ما يتضمن توضيحاً لفداحة الأضرار التي تلحقها الدول المتهمة بالإرهاب بأمريكا سياسياً واقتصادياً، متناسياً ما ألحقته أمريكا نفسها بدول عديدة في العالم من تدمير كامل لمدن وقرى وقتل الملايين من البشر، بحيث أصبح العالم ينظر اليها باعتبارها الدولة الأكثر إرهاباً، وبشاعة ووحشية والأمثلة كثيرة.
لكن هناك مادة، إذا ما دققنا فيها، نعتقد أنها تمثل خط رجعة، حيث منح القانون المحاكم الأمريكية “حق وقف الدعوى ضد أي دولة أجنبية، إذا ما شهد وزير الخارجية بأن الولايات المتحدة، تشارك بنية حسنة، مع الدول الأجنبية المدعى عليها بغية التوصل إلى حلول للدعاوي المرفوعة..”، ويبدو أن هذه المادة، أضيفت لإرضاء إدارة أوباما، هذا من جهة واتباع أسلوب التراضي بالابتزاز مع الدول المتهمة من الجهة الأخرى.
بكل الأحوال ووجه القانون بردود فعل سلبية وغاضبة حتى من قبل بعض المسؤولين الأمريكيين، علاوة على معظم دول ومنظمات العالم. باعتبار القانون ينتهك المواثيق الرسمية، وسيادة الدول، واتفاقية الأمم المتحدة لحصانة الدول وممتلكاتها، وله تأثير بالغ على استقرار العلاقات بين الدول، وبالتالي انعكاسات ذلك على أسواق المال، والاقتصاد العالمي.
ولقد أحدث القانون رعباً وقلقاً لدى حلفاء أمريكا، فإذا كانت لواشنطن كل هذه النزعة العدوانية الوحشية وكل هذا اللؤم بحق دولة من أكثر دول العالم خدمة للمصالح الأمريكية. فكيف سيكون الحال مع دول غير صديقة لها؟ لقد أفصح أحد المسؤولين الأمريكيين عن أن السعودية، قدمت ما يزيد على نصف ترليون دولار في حماية الأمن القومي الأمريكي، وتمويل حركات عميلة لأمريكا في العالم حتى في أمريكا اللاتينية.
ولذلك، كان للقانون صدى قوياً، في العربية السعودية وبلدان الشرق الأوسط، ومعظمها حليفة لواشنطن، ففي دول الخليج (مجلس التعاون) اعتبر القانون بأنه ابتزاز أمريكي، وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة، وكسب مليارات الدولارات، من جهتها حذرت السعودية من أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تمرير هذا القانون، وقالت “الجزيرة السعوية” أن القانون استعماري، يستهدف المملكة في اقتصادها وقرارها السياسي وتعطيل تنميتها بتحميلها أرتالاً من الديون والاستحقاقات المالية التي تقدر بـــــ (3) ترليون دولار كتعويضات مزعومة.
السعودية، تأخرت على ما يبدو (90) عاماً أي منذ عام (1936) حتى أدركت أن الولايات المتحدة دولة استعمارية، وليس لها صديق أو حليف، ولذلك، لم تكن ردود الفعل في البلدان العربية بحجم هذه الصفعة للسعودية، إذ لم تصدر أية تنديدات من قبل أحزاب وقوى سياسية، حتى في الأردن كان رد فعل “الرأي” بارداً واستنكارها باهتاً.
وما يؤسف له، أن أوراق الضغط التي تمتلكها السعودية، هذا، إذا توفرت لديها الجرأة، لأن لها حسابات خاصة، هذه الأوراق تلحق ضرراً مزدوجاً، يصيبها ويصيب الولايات المتحدة، تستطيع مثلاً سحب (750) مليار دولار من الاقتصاد الأمريكي، وهي على شكل سندات خزانة وأصول أخرى، وإقناع دول مجلس التعاون أن تحذو حذوها بتجميد التعاون الاقتصادي، والاستثمار، وتستطيع السعودية، استخدام النفط، مروراً بالشركات الخاصة، والاستثمارات المشتركة في كلا البلدين وفي العالم.
والسؤال، هل تستطيع السعودية أن تقدم على استعمال هذه الأوراق، في الوقت الذي تمر فيه بأعمق أزمة اقتصادية ومالية؟ وتقرير صندوق النقد الدولي، أشار في تقرير له في شهر آب الماضي، إلى “أن مرحلة الاستقرار والتقدم في كافة المؤشرات الاقتصادية الكلية قد انتهت” وتوقع التقرير أن يصل عجز الموازنة نهاية عام (2015) إلى (19.5%) من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يتجه إلى التراجع ليصل عام (2015) إلى (644) مليار دولار، ويتوقع التقرير تراجعاً للصادرات التي يشكل النفط نسبة (90%) منها كونه المصدر الأساسي للدخل بما يقدر بـ (1.7) مليار دولار وبنسبة (31%)، وقد تراجع الفائض في الحساب الجاري من (135) مليار دولار عام (2013) إلى (81) مليار دولار عام (2014) ويتوقع أن يتحول الفائض إلى عجز عام (2015) يصل إلى سالب “(5,8) مليار دولار”. أما بخصوص احتياطي النقد الأجنبي فتوقعات الصندوق أن يتراجع من (724) مليار دولار إلى (659) مليار دولار، وقد اتبعت السعودية سياسة السحب من الاحتياطي النقدي لتسد عجز الموازنة.
لذلك حتى هذه اللحظة، وبعد أسابيع على إقرار قانون جاستا، لم تجرؤ السعودية سوى على تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشر بين عمليتي اليوان الصيني والريــال السعودي، لكن عندما يسأل السعوديون عما إذا كانوا سيلجأون إلى تسعير النفط بعملة غير الدولار مثل حقوق السحب الخاصة مثلاً، فلا يجيبون.
إذن، هناك إجماع بين المراقبين بأن السعودية لن تقدم على إجراءات حاسمة وجذرية، اقتصادية كانت أو سياسية مثل التنسيق الأمني، والقواعد العسكرية، ومكافحة الإرهاب وتفكيك عرى التحالف الاستراتيجي.
وبالعودة إلى ما أشرنا إليه بداية، هل لقانون جاستا ارتدادات سلبية على الاقتصاد الأردني؟ والجواب بالقطع “نعم” وربما يكون التأثير مضاعفاً وعميقاً، وإن لم يبد الأردن رد فعل قوي ومباشر، باستثناء جبهة العمل الإسلامي التي وجدت الفرصة مواتية لفتح نافذة ولو صغيرة لكسب رضا السعودية، فقد أصدرت الجبهة بياناً قوياً استنكاراً لقانون جاستا.
على الصعيد الاقتصادي، تعتبر السعودية الشريك الأساسي للأردن اقتصادياً، بل الشريك الاستراتيجي، فهناك مشاريع إنتاجية وخدمية خاصة ممولة في مجالات الصناعة والعقار والسوق المالي، حيث احتلت الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الاستثمارات العربية والأجنبية ويبلغ عدد رجال الأعمال المستثمرين في الاقتصاد الأردني وفق رئيس جمعية رجال الأعمال حمدي الطباع (600) مستثمر، ووصل حجم الاستثمارات السعودية في الأردن (4) مليار دولار، وتشكل الاستثمارات السعودية في منطقة العقبة الاقتصادية (80%) من مجمل الاستثمارات العربية والأجنبية.
وبخصوص حركة التبادل التجاري، أشار حمدي الطباع إلى أن المستوردات الأردنية بلغت قيمتها (2,17) مليار دينار، فيما بلغت الصادرات (787) مليون دينار. كما نشير إلى وجود حوالي (400) ألف مواطن أردني يعملون في السعودية وتساهم حوالاتهم في تعزيز وتنشيط الاقتصاد الأردني وهناك إسهامات الصندوق السعودي للتنمية التي توفر التمويل الميسر لعدد من مشاريع وبرامج التنمية في الأردن تشمل المستشفيات والكهرباء والطرق والمياه والصرف الحصي، هذا عوضاً عن القروض والمنح المالية.
فإذا صدقت واشنطن ونفّذت قانون جاستا، واضطرت السعودية إلى التصعيد، فإن الأردن سيكون أكثر البلدان العربية تضرراً، والاقتصاد الأردني الضحية الأولى لقانون “جاستا” البغيض.