تراجع حالة الحريات العامة والانقسامات أفقدها بريقها … هل تعود “النقابات العمالية المستقلة” لقيادة الحركة العمالية؟
لم يكن الأول من أيار من عام 2012، يوماً عادياً بالنسبة للحركة العمالية في الأردن. فقد نظم اتحاد النقابات العمالية المستقلة أول مسيرة له بعد أيام على تأسيسه، انطلقت من مبنى شركة الفوسفات وانتهت أمام مجلس الأمة، في إشارة عمالية رافضة لخصخصة مقدرات الوطن ونتائجها التي كانت وبالاً على الطبقة العاملة. هذه المسيرة كانت بمثابة الإعلان الرسمي عن تأسيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة، كإطار موازٍ للاتحاد العام للنقابات العمالية الذي تختطفه الحكومة منذ ما يزيد على الأربعين عاماً.
كانت أهم مميزات اتحاد النقابات المستقلة أنه نشأ بعد نضالات عمالية مطلبية استمرت لسنوات، بدأت بحراك عمال المياومة في وزارة الزراعة، فحراك عمال ميناء العقبة، فالفوسفات والكهرباء والصناعات الدوائية وسائقي التاكسي وغيرهم. وفي حين كان موقف الاتحاد العام للنقابات العمالية أقرب للتواطؤ مع الحكومة، برز دور قيادات عمالية شكلت فيما بعد اتحاد النقابات المستقلة، وكان لهذه القيادات دور كبير في استعادة الكثير من حقوق العمال، الأمر الذي عزز من حضورهم النقابي العمالي.
ومع التفاؤل الكبير في أوساط العمال والذي صاحب إعلان تأسيس اتحاد النقابات المستقلة، إلا أن عاملين رئيسيين ساهما في تراجع دور هذا الاتحاد؛ تمثل الأول في انحسار الحراك الشعبي وعودة القبضة الأمنية والردة الحكومية عن الإصلاح. أما العامل الثاني فكان ذاتياً، حيث شهد الاتحاد صراعات داخلية انتهت بحدوث انشقاق داخل الاتحاد أدى لخروج مجموعة من النقابات المستقلة من الاتحاد وتشكيلها اتحاد موازٍ ويحمل نفس الاسم.
إشكالية قوانين أم نقابات منقسمة؟!
ويرى المهندس عزام الصمادي رئيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة الأردني في حديثه لنداء الوطن أن ظروف عمل النقابات المستقلة الصعبة نتيجة عدم تعديل قانون العمل، والذي ينظم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل ويتضمن الأحكام الخاصة بتشكيل النقابات والتي جاءت في معظمها مخالفة للدستور والمعايير الدولية ولاتفاقيات منظمة العمل الدولية، حيث يطالب الاتحاد بضرورة تعديل قانون العمل لينسجم مع ما ذكر.
هذه الظروف –وفق الصمادي- شكلت عائقاً قوياً أمام النقابات العمالية المستقلة لتمارس دورها في تمثيل العمال والدفاع عن مصالحهم أمام أصحاب العمل، الأمر الذي يحرم النقابات المستقلة من الجلوس على طاولة الحوار مع أصحاب العمل من جهة، والحكومة من جهة أخرى، مما ولّد حالة إحباط لدى الكثير من النقابيين ولعب دوراً في استنكاف هؤلاء النقابيين عن مواصلة عملهم في إطار هذه النقابات.
كما رأى المهندس الصمادي أن أزمة الاتحاد الداخلية والتي جاءت “نتيجة أجندات شخصية للذين افتعلوها”، شكلت عاملاً إضافياً للإحباط لدى بعض النقابيين، الأمر الذي أدى لتراجع ملحوظ من قبل المتابعين في دور اتحاد النقابات العمالية والمستقلة وفعاليته.
فيما يرى الأستاذ أحمد عوض مدير المرصد العمالي وأحد المساهمين الرئيسيين في تأسيس اتحاد النقابات المستقلة في حديث خاص لنداء الوطن أن ما سمي “الانقسام” في الحركة النقابية المستقلة لم يكن له تأثير سلبي على الحراكات العمالية على أرض الواقع. معتبراً أن التنافس بين أقطاب هذه الحركة أدى إلى زيادة تحركهم على الأرض في بعض القطاعات. وهذه المشكلات كانت طبيعية في حراكات اجتماعية ناشئة تتلمس طريقها وأساليب عملها الجديدة بما يؤدي إلى إحداث تحسين في شروط العمل.
ولفت عوض إلى أننا لا نستطيع القول أن الحركات النقابية الجديدة والمستقلة تراجعت، بل أن هنالك تراجع ملموس في مساحة الحريات العامة المتاحة للمجتمع ومكوناته المختلفة، الأمر الذي أدى إلى تراجع قدرة الحركة العمالية بمجملها في الدفاع عن مصالحها.
الرفيق جميل الخطيب مسؤول الدائرة العمالية في حزب الوحدة الشعبية أكد لنداء الوطن أن النقابات العمالية واتحادها المستقل حققا العديد من الإنجازات من أهمها إصدار قرار من محكمة التمييز يسمح للعاملين في القطاع العام تأسيس نقابات عمالية، بالإضافة إلى خلق حراك عمالي سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام، إلا أن الحكومات المتعاقبة أصرت على عدم الاستجابة لمطالب حركة الاحتجاجات العمالية.
ونوه الرفيق الخطيب وهو عضو اتحاد النقابات المستقلة إلى أن العقلية الأمنية في التعامل مع معظم الاحتجاجات العمالية وسياسة التهديد والفصل التعسفي، ساهمت أيضاً بإضعاف حركة النقابات العمالية المستقلة، إضافة إلى أن الضربة التي وجهت لاتحاد النقابات العمالية المستقلة (الانقسام)، بدون شك شكلت خطوة إلى الوراء.
الحركة العمالية وفرص النهوض
في ظل الواقع المرير الذي تعيشه الطبقة العاملة، ومع استمرار النهج الحكومي في تقييد الحريات وقمع الحركات العمالية الاحتجاجية، يرى الناشط العمالي أحمد عوض أنه لا يمكن تحسين شروط العمل، وبالتالي الحياة لغالبية المجتمع وهم العاملين بأجر؛ دون وجود توازنات اجتماعية بين العاملين بأجر، وأصحاب الأعمال، والحكومة، وهذا غير موجود في الأردن، حيث أن التشريعات العمالية تضع قيوداً شديدة على أحد أطراف الحوار الاجتماعي لمنعه تنظيم نفسه في نقابات عمالية للدفاع عن مصالحه في مواجهة أصحاب المصالح الأخرى من أصحاب أعمال، حيث مكّنتهم التشريعات من الدفاع عن مصالحهم بكل يسر، لذلك فإننا نشهد هذه المستويات المتنامية من التفاوتات الاجتماعية.
فيما يؤكد المهندس عزام الصمادي أن المجلس التنفيذي للاتحاد اتخذ عدة قرارات في الآونة الأخيرة من شأنها إعادة الروح والحيوية للاتحاد وللنقابات المنضوية تحت مظلته، معتمدين بذلك على كل الزملاء المؤمنين برسالة الاتحاد وفكرته، وعلى كل الحلفاء الداعمين للاتحاد على الصعيد المحلي والخارجي.
ويأمل الرفيق جميل الخطيب أن يعمل اتحاد النقابات المستقلة على تجاوز حالة الانقسام وإعادة اللحمة للاتحاد، والقيام بدوره للمساهمة في إنهاء الانقسام والنهوض بواقع الطبقة العادلة وتحقيق المزيد من المكتسبات العمالية والذي يشكل العنوان الأبرز لهذه المكتسبات هو “وجود قانون ينظم العمل النقابي”، ويضمن حرية وتعددية العمل العمل النقابي على أسس ديمقراطية وفعالة.
ويرى الخطيب أن “علينا النضال المشترك مع جميع مؤسسات المجتمع المدني ضد تدخل الحكومة وأجهزتها في الحركة النقابية العمالية والمهنية، فالسبيل الوحيد للخلاص من هذا البؤس والاستغلال ومواجهة سياسة الجباية وإفقارنا هو انتزاع حقنا في تأسيس والانتساب للنقابات العمالية.”