الدقامسة ووادي عربة .. ثنائية الأزمة
حلّ شهر أكتوبر هذا العام ثقيلاً بذكرياته التي رسمت ازدواجاً للمصطلحات السياسة في الأردن، ففي مثل هذا الوقت من العام وتحديداً عام 1994 تم تحريف المسميات التاريخية التي حفرت على أجساد شهدائنا وتضحيات أجدادنا، فأصبح “الكيان الصهيوني” دولة وأصبحت دماء كايد مفلح العبيدات غازاً، وسقطت “لا تصالح” في جنوب الأردن في منطقة “وادي عربة” حين رفع الاحتلال علمه فوق أرضنا الأردنية هذه الأرض التي سالت دماء الشهداء على مر السنين لكي يبقى العلم الأردني وحيداً يرفرف في سمائها، ولكن حدثت الكارثة.
لم يمر كثيراً على اتفاقية وادي عربة، فبعد ثلاث سنوات من توقيعها قام الجندي أحمد الدقامسة بعد صلاته بقتل مجموعة من المجندات الإسرائيليات اللواتي حاولن الاستهزاء بعبادته، قصة قد مرت ولها تفاصيلها، واليوم وبعد تطبيق حكم السجن المؤبد على الدقامسة واقتراب موعد الإفراج عنه، قال الناطق باسم الحكومة د. محمد المومني أن طريقة التعامل مع قضية الدقامسة يجب أن تكون “قانونية” وليست ذات أبعاد “سياسية”.
السؤال الاعتيادي سيكون كذلك؛ هل سيتم الإفراج عن الدقامسة في شهر آذار من العام القادم بعد انتهاء مدة السجن القانونية؟ أو دعوني أصيغه كالتالي: ماذا سيبقى للحكومة من حجج لكي لا تطلق سراحه؟
الاتفاقية لم تقل أن “الاحتلال” هو من يتحكم بزمام الأمور في الأردن، الاتفاقية لم تقل أن “الاحتلال” له السلطة في التدخل بشؤونا الداخلية، الاتفاقية لم تقل أن سلطة العدل ستكون بيد “الاحتلال” فماذا سيبقى من حجج لتقولها الحكومة؟
المومني قال إن التعامل مع قضية الدقامسة يتم كما القانون، وأن القانون يطبق على الجميع، ومن أنهى فترة محكوميته يتم الإفراج عنه، فهل عند الدقامسة ستتغير معادلة القانون؟ إذا كانت القضية منذ بدايتها ظالمة، فهل ينهى الظلم بالظلم! أحمد الدقامسة مظلوم بحكم التاريخ، مظلوم بحكم القيم والمبادئ، مظلوم بحكم العدل، مظلوم بكل قوانين الإنسانية التي تسمح للاحتلال الإسرائيلي بقتل الأردنيين في وضح النهار دون أي محاكمة أو عقاب.
رضي الظلم في بدايته، فلا ترضوه أنتم في نهايته، عشنا القصة ونحن جميعا نحس بقسوتها وقسوة الأخ على أخيه ونكرانه لكل القيم الوطنية، لم يعد في الجسد مكاناً آخراً لغرس طعنة جديدة.