نهاية “الدولة الإسلامية” ربما تكون وشيكة نظريا ببدء التحالف لمعركة الموصل لتفكيكها.. لكن هل ستختفي الأسباب التي هيأت لصعودها؟ وكيف سيكون “اليوم التالي” في حال سقوط الموصل؟ ولماذا هي مختلفة عن الفلوجة والرمادي وتكريت؟
اعلن السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بدء عملية استعادت مدينة الموصل العسكرية من ايدي قوات “الدولة الإسلامية” التي سيطرت عليها قبل عامين، وتشير ضخامة اعداد القوات العراقية والكردية المشاركة فيها الى مدى الجدية التي يوليها التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة لتحقيق “انتصار” لادارة الرئيس باراك أوباما يختتم به دورتي حكمه، ويسهل فوز مرشحة حزبه الديمقراطي في انتخابات الرئاسة السيدة هيلاري كلينتون.
بدايات الحروب دائما معروفة، ولكن نهايتها تظل مجهولة، والانتصار مهما كان سهلا، لا يمكن ان يكون ضمانة للاستقرار والديمومة، وهناك دائما استثناء لهذه القاعدة، وحرب الموصل قد تدخل التاريخ العسكري، مثل معارك أخرى، كحطين، ودابق، والقادسية، وعكا، وستالينغراد، وسايغون، والقائمة تطول.
فاذا كانت معركة حلب هي معركة روسيا وحلفاؤها، فان معركة الموصل هي معركة امريكا وحلفائها ايضا، ومن المفارقة ان بعضهم حلفاء روسيا أيضا، ويلتقون معها، أي أمريكا، على أرضية العداء لهذه “الدولة” التي غافلت الجميع وفاجأتهم باستيلائها السريع، وبأقل قدر من الخسائر، على هذه المدينة.
الذين يتنبأون بنهاية سريعة لهذه المعركة بسبب ضخامة الحشود، والتجهيزات الهائلة للأطراف المشاركة فيها بقيادة دولة أمريكا العظمى، ربما يكونوا متفائلين اكثر من اللازم، لان الخصم مختلف، واستعداداته الدفاعية من المفترض انها ضخمة، وخيار مقاتليه، اما الموت او الموت، ونحن نتحدث هنا عن النواة القوية للتنظيم.
***
طوال العامين الما ضيين ومقاتلي “الدولة الإسلامية” يستعدون لهذه المعركة ويتوقعونها، ويحفرون الانفاق والخنادق، ويدركون حجم الحشود المهيئة لقتالهم، فهم سيقاتلون وظهورهم الى الحائط، الامر الذي قد يؤدي الى ارتفاع حجم الخسائر في صفوف المهاجمين والمدافعين أيضا، الى جانب الخسائر في صفوف المدنيين.
الأرض تقاتل مع أصحابها، والمدافعون في موقف اقوى من المهاجمين، واذا صحت الانباء التي تقول بأن “الدولة الإسلامية” تملك أسلحة كيماوية، فإنها لن تتردد في استخدامها، لأنه لن يكون لديها ما يمكن ان تخسره لان الموصل، وحسب أدبياتها، ليست الفلوجة وتكريت والرمادي، وخسارتها تعني خسارة العراق كله، ومقدمة لخسارة عاصمتها في الرقة.
هناك خمسة الاف جندي امريكي يتواجدون حاليا في العراق، وسيكون هؤلاء في المقدمة على الأرض، ويديرون المعركة، ويحددون الأهداف للطائرات في الجو، ولكن العبء الأكبر سيلقى على عاتق القوات العراقية التي سيزيد تعدادها عن ستين الفا، وقوات الحشد الشعبي ذات الغالبية الشيعية، وقوات الحشد الوطني والعشائري السني، الى جانب قوات البشمرغة.
هناك أسئلة عديدة تبحث عن إجابات، أولها كم ستطول هذه الحرب؟ ومن هم ضحاياها؟ وهل سقوط الموصل في ايدي التحالف سيكون نهاية “الدولة الإسلامية”؟ وما هو موقف الدول الإقليمية مثل تركيا والسعودية وايران مثلا؟ وهل سيؤدي هذا السقوط الى بدء صفحة جديدة من التعايش الطائفي في العراق، ام اشعال حرب مذهبية؟
من الصعب الإجابة على كل هذه الأسئلة ومعركة الموصل ما زالت في يومها الأول، ولكن لم تتوقع الولايات المتحدة التي احتلت العراق بسهولة ودون خسائر ان تنفجر المقاومة لاحتلالها على ارضه، مثلما لم تتوقع ان تملأ الجماعات الإسلامية المتشددة الفراغ الذي تركه انهيار النظام السابق، كما ان التحالف الأمريكي الخليجي التركي الذي دعم المعارضة المسلحة في سورية كان يقول ان أيام الرئيس الأسد معدودة، ولم يخطر في ذهنه ان الحرب ستدخل عامها السادس، وستتدخل روسيا عسكريا فيها.
منطقة الشرق الأوسط اكثر مناطق العالم قدرة على المفاجأة، وهي الأصعب على العرافيين الذين يحاولون التنبؤ بتطورات احداثها، ودائما “اليوم التالي” للمعارك والانتصارات بداية تطورات لم تكن في الحسبان مطلقا.
لا نعتقد ان سقوط الموصل واستعادتها سيكون نهاية “الدولة الإسلامية”، تماما مثلما كان سقوط حركة طالبان عام 2001 بداية لانبعاث جديد لها، فخسارة “الدولة الاسلامية” للموصل، وربما الرقة بعدها، قد يعفيها من عبء كبير أي إدارة هذه المناطق في ظل وجود طائرات وقوات لتحالف يضم اكثر من ستين دولة وحصار خانق، وسيجعلها، وهي التي جندت عشرات الآلاف من المقاتلين، اكثر خطورة اذا ما نزلت تحت الأرض، واعتمدت الإرهاب كأداة انتقامية من خصومها، عربا كانوا او غربيين.
الامريكان وحلفاؤهم الذين دخلوا بغداد بعد سقوطها في أيديهم تحدثوا عن “عراق جديد” حافل بالديمقراطية والحريات والرخاء الاقتصادين، والسيد العبادي تحدث بالاسم عن “عراق مختلف” يتعايش فيه الجميع، ولمح الى تصحيح اخطاء الماضي التي أدت الى ظهور ظاهرة “الدولة الإسلامية” والجماعات المتطرفة، وهذا الوعي بالمخاطر المستقبلية على درجة كبيرة من الاهمية، ولكن المهم هو التطبيق العملي، والروح الوطنية الجامعة.
***
استعادة الموصل بمشاركة الاكراد وقواتهم، وإصرار الاتراك على حصتهم من الكعكة، ومراقبة روسيا المريبة، وتأهب ايران، كلها مؤشرات على ان المستقبل ربما يشهد صراعات من نوع آخر، فكل الأطراف تشحذ سكاكينها وتريد نصيبها من “الغنيمة”.
لا نطرح وجهة النظر هذه لأننا نريد رسم صورة تشاؤمية، وانما للتحذير من المخاطر، والحث على تجنب الأخطاء، فنحن أبناء هذه المنطقة، وعشنا احداثها على مدى أربعين عاما، ونعرف مكامن الخطر، ونرفض ان نكون طرفا منحازا ونمارس التضليل، فللتضليل اهله وامبراطورياته الإعلامية الضخمة واذرعتها الضاربة.
قليلون هم الذين سيتأسفون على هزيمة “الدولة الإسلامية” بالمقارنة بحجم المعسكر الذي يريد زوالها، ويعتبرها ظاهرة إرهابية دموية تشوه الإسلام، وهذا لا يعني التقليل من خطر هؤلاء ووجهة نظرهم، ونجد لزاما علينا التذكير بأنهم كانوا الحاضنة لها في العراق وسورية، التي احتاج الامر الى ستين دولة من بينها قوتان عظميان، وعشرات الدول الإقليمية والأوروبية نصف العظمى لمحاربتها وهزيمتها.
التحالف الستيني وحلفاؤه يملكون دائما الخطة A، ولكنهم يفتقرون دائما للخطة B، أي ما بعد الحرب، فهل يكررون الخطأ نفسه في الموصل؟
نترك الإجابة للاسابيع والاشهر، وربما السنوات المقبلة.