الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات لـ نداء الوطن: بعض التعديلات أساءت لفكرة “تعديل المناهج” كاستبدال اسم محمد وحذف “المجازر الصهيونية”
أكد على أن التعديلات على المناهج لم يتم حذف البُعد الإسلامي منها، بل أضيف لها البُعد الوطني والإنساني
الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات لـ نداء الوطن:
بعض التعديلات أساءت لفكرة “تعديل المناهج” كاستبدال اسم محمد وحذف “المجازر الصهيونية”
نستضيف في هذا العدد الدكتور ذوقان عبيدات الخبير التربوي وعضو مجلس التربية السابق، والكاتب في صحيفة الغد، للحديث حول التعليم في الأردن والتوجيهي والتعديلات على الكتب المدرسية والتي رافقتها ضجة كبيرة لا تزال تداعياتها حتى اللحظة..
نداء الوطن: فيما يتعلق بالمناهج المدرسية ومخرجات التعليم، ما هي المعايير التي تحدد أن هذا المنهاج سيء أو جيد، وكيف ترى هذا المستوى الأكاديمي؟
د. ذوقان: ابتداءً يجب أن تكون المناهج المدرسية من إعداد هيئة وطنية وليس من إعداد وزارة التربية. المناهج علمياً وعند فتح أي كتاب تجد فيه أسس معرفية يجب أن تدخل المنهج والمعرفة ويجب أن تكون حديثة وقادرة على أن تتكيف مع العالم، وليست معرفة رجعية، وهناك أسس سيكولوجية تراعي حاجات الطلبة، كيف يفكرون وما هو مستواهم ونموهم الجسمي والعقلي. وهناك أسس اجتماعية، ماذا يريد المجتمع من المناهج، هل المجتمع يريد أن يكون الطالب محاوراً أو متديناً أو يسلك سلوكاً علمياً يبحث أم يقبل الحقائق كما هي، هذه الأسس يجب أن يضعها المجتمع.
شكلياً يوجد لدينا فلسفة تربية فيها أسس نفسية ومعرفية واجتماعية، ولكن عند ترجمة هذه الأسس للمناهج، نجد ضعفاً بين فلسفة التربية وبين المناهج. فلسفة التربية لدينا هي فلسفة منحازة للأسس الدينية كثيراً، يوجد ستة أسس فكرية لفلسفة التربية، خمسة منها ذات طابع ديني، المفروض الأسس الفكرية تحكي عن ضمير وفكر الأمة في الحضارة الإنسانية، ومفروض أن يكون هناك أساس ديني ولكن ليس خمسة أسس ذات طابع ديني، وتكون على حساب الأسس الأخرى.
نداء الوطن: أكاديمياً، هل ترى بأن الطالب يتخرج من الصفوف الأساسية وهو يمتلك الأساسيات المطلوبة منه للمرحلة الأساسية وكذلك المرحلة المتوسطة والمرحلة الثانوية؟
د. ذوقان: هناك مؤشرات كثيرة تشير إلى أن الطلاب لا يمتلكون الحد الأدنى من المعارف المطلوبة، وهناك مسؤولون أعلنوا أن هناك عشرات الآلاف من الطلاب لا يعرفون القراءة والكتابة ووصلوا المرحلة الثانوية.
هناك فقر هائل في السلوك المعرفي والحياتي، فطلابنا بتقييمهم، لا يمتلكون مهارات ولا يتمتعون باتجاهات سليمة ولا يتقنون الحد الأدنى من المعارف المطلوبة في هذا العصر، والإثبات على ذلك أن نسب النجاح في التوجيهي متدنية جداً.
هناك شيء اسمه تحصيل معرفي وتحصيل معلوماتي، التحصيل المعلوماتي لا يعنيني لأن المعلومات موجودة في كل مكان، ولا يهمني أن يعرف الطالب عاصمة دولة ما …إلخ. هناك دراسات تشير إلى أن التعلم هو ما يبقى معك بعد أن تنسى جميع ما تعلمته من معلومات، فالتعلم هو ليس معلومات، التعلم هو التغير في سلوكك وفي اتجاهاتك ومهاراتك وقيمك.
للأسف، في تاريخ وزارة التربية لم يكن هناك تقييم، والذي يقيّموه هو التحصيل المعلوماتي وليس المعرفي، وذلك بالامتحانات عبر الأسئلة كم عدد سكان كذا، وعدّد كذا، أذكر كذا؟
نداء الوطن: في الانتقال للتوجيهي، هناك قرار بأن يصبح التوجيهي مرة واحدة في السنة، وهناك حديث عن عدم اعتماد التوجيهي كمرجعية وحيدة للقبول الجامعي، في ظل حجم الفساد الإداري في الجامعات، هل تعتقد أن الجامعات الأردنية الرسمية قادرة على أن تدير عملية القبول بامتحانات قبول مباشر، وهل ترى أن الحل للتوجيهي بعمل دورة واحدة؟
د. ذوقان: لا دورة ولا دورتين، المشكلة بأنه ماذا يقيس امتحان التوجيهي، لو أن امتحان التوجيهي يقيس المهارات بالمعارف وليس المعلومات، والمعارف التي هي أصبحت جزءً منك، أنا لا أعطيك معلومات (عدّد، اذكر… إلخ). أنا أعطيك معارف، لو أن امتحان التوجيهي يقيس المعارف والاتجاهات والقيم، فلا يوجد أي مشكلة، ولكن الطلبة الذين يبدعون في التوجيهي ليسوا هم نفسهم الذين يبدعون الآن.
مشكلة امتحان التوجيهي بأنه يقيس معلومات الطالب في لحظة معينة، وبعد شهر تقيس نفس هذه المعلومات تجدها تبخرت.
بالنسبة للجامعات، هل الجامعات مؤهلة فنياً لعمل اختبار قبول وبعيداً عن الفساد؟ أنا أشك بذلك لأن كلية التربية على سبيل المثال، لم تخرّج ولا مفكر تربوي ولا أي شخصية تربوية مهمة، والدليل أن أزمة المناهج والتعليم لم يشارك فيها أي أستاذ جامعي برأيه، كل المجتمع الآن يتحدث عن المناهج ولا واحد من الجامعة تحدث.
فالجامعات من وجهة نظري منعزلة جداً عن المجتمع ولا تفهم مشكلات المجتمع، وبالتالي لا قدرة لها على تقييم الطلبة.
الحل يكمن بتطوير امتحان التوجيهي بما يجعل كل طالب قادراً على اجتيازه بنجاح وهذه ليست بالمعجزة، لو وضع فريق عمل يعمل على ما الذي نقيسه في امتحان التوجيهي وكيف نقيسه.
[quote font_size=”14″ bgcolor=”#ddb77e” arrow=”yes” align=”left”]السيرة الذاتية:
_ مواليد 1942
_ درس المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة إربد وتخرج من الثانوية عام 1959.
_ عمل معلم وانتسب لجامعة دمشق كلية الفلسفة وتخرج عام 1965، ثم تخرج من الجامعة الأردنية ماجستير فلسفة وكان أول خريج ماجستير فلسفة.
_ درس الدكتوراه في جامعة عين شمس في مصر في المناهج وطرق التدريس سنة 1977.
_ عمل في التدريس لمدة عشر سنين، ثم انتقل للتدريس في معهد إعداد المعلمين في حوارة، حيث عمل 3-4 سنوات.
_ سنة 1975، انتخب رئيساً للمشرفين التربويين في الأردن، تعيين بمستوى الانتخاب.
_ تم نقله “إبعاداً” إلى باريس مندوب الأردن في اليونسكو لمدة خمس سنوات، حيث عاد سنة 1992.
_ وكان الطرد الأول له من وزارة التربية، فاشتكى للمحكمة وعاد للوزارة بقرار قضائي.
_ عاد لوزارة التربية وعُيّن في مجلس التربية.
_ تم إبعاده سنة 1995 من وزارة التربية إلى وزارة الشباب، وعُين أمين عام لوزارة الشباب واللجنة الأولمبية وتم تعيينه في اللجنة الأولمبية.
_ تم طرده من وزارة الشباب فلجأ إلى القضاء، واشتكى لمحكمة العدل العليا، وعاد إلى نفس عمله في وزارة الشباب بعد إلغاء قرار التقاعد.
_ في العمل الوظيفي طرد أربع مرات ورجع مرتين بقرار محكمة.
_ عمل مستشاراً لأكبر شركة تربوية عالمية “شركة تطوير التعليم التابعة للملك عبدالله بن عبدالعزيز” في السعودية.
_ عاد للأردن عام 2015، وبدأ دراسة المناهج الأردنية واكتشف الداعشية في المناهج وكانت أولى مقالاته التي أثارت ضجة كبيرة في شهر تموز 2015، حيث لا يزال يكتب بشكل منتظم في جريدة الغد الأردنية. [/quote]
نداء الوطن: هل تعتقد أن الإجراءات التي قامت بها وزارة التربية فيما يتعلق بالتوجيهي قد أتت أُكُلها؟
د. ذوقان: بوجهة نظري وزارة التربية ارتكبت جريمة في امتحان التوجيهي، جريمة أدت إلى رسوب 90 ألف طالب سنوياً، جريمة إن صح كلام وزير التربية عندما قال أن طلاب المدارس الحكومية أشطر من طلاب المدارس الخاصة وهذا ليس صحيحاً، وإذا صح بأنه تراجعت المدارس الخاصة فهذه كارثة، أنت مسؤول عن المدارس الحكومية والخاصة فكيف تسمح بتراجع المدارس الحكومية؟!
فالتوجيهي مأساة يمكن إصلاحها إذا قست أهداف التعليم، مثل الشريعة الإسلامية إذا أردت أن تقوم بأحكامها عذبت نصف الناس وقطعت أيديهم …إلخ، وأما إذا ركزت على مقاصدها الإنسانية لن يختلف عليها اثنين.
نداء الوطن: في المحور الأخير في تغيير المناهج، وأنت أول من طرق باب المناهج وتغييرها والوزارة في الفترة الأخيرة عدلت الكتب المدرسة ونحن لاحظنا أمرين: أن كمّ المعلومات في الكتب المدرسية أصبح أقل بكثير لدرجة أن أساتذة يقولون بأنهم إذا أردوا تدريس المادة سينهوها بشهرين؟ النقطة الثانية التعديلات الطفيفة والتي في جزء كبير منها تعديلات استفزازية بعيدة عن المنطقية (مثل استبدال جملة “محمد يلعب الكرة” بـ “سمير يلعب الكرة”)؟
د. ذوقان: تقليل حجم الكتاب أعظم عمل قامت به وزارة التربية بتاريخها، لأنه هناك مؤشرات تقول أن المادة الموجودة في الكتاب تحتاج إلى 18 شهر لتدريسها (هذا قبل التعديل)، والطلبة لا يوجد عندهم إلا 6 أشهر. وثانياً، تقليل المادة لن يضر أحداً لأن المعلومات صارت هائلة وموجودة عند الطلاب أكثر مما يقدمها الكتاب، فالكتاب يقدم للطالب ليس من أجل المعلومات، يقدم للطالب كي يناقش ويحاور وينقد ويطور المعلومة …إلخ.
فما الذي يمنع من مناقشة المنهاج بشكل صحيح، السبب هو ضيق الوقت، فتقليل حجم المادة أمر إيجابي جداً.
وثانياً فيما يتعلق بالتغييرات التي حدثت، الكتب الجديدة فيها تغيرات لم تمس الجوهر بصدق. التغيرات الأساسية اتسمت بإضافة الهوية الوطنية التي كانت غائبة، مثلاً تم شطب موضوعات كثيرة وأضافوا أشعار لعرار والزيودي وحسني فريز وأديب العباسي، خطاب الملك حسين، أغنية زهرة المدائن للشاعر سعيد عقل، وبالتالي تم تنويع المواد وإضافة الهوية الأردنية والعربية والإنسانية للطالب الأردني دون شطب الهوية الإسلامية، هذا التغيير جيد.
كما تمت تعديلات تتعلق بالمواطنة. كان هنالك شطب لمكون رئيسي في المجتمع وهم المسيحيون. فأصبحت ترى –بعد التعديلات- المسجد والكنيسة في الكتاب. كما صار للمرأة مواقع في الكتاب المدرسي أفضل من السابق، إضافة إلى دروس عن الفن والجمال …إلخ.
وعبر هذه التغييرات ارتكبوا بعض الحماقات، من مثل (محمد يلعب بالكرة إلى يزن يلعب بالكرة)، وهذه سقطة خطيرة عند وزارة التربية، ولكن لا يمكن أن تقصد وزارة التربية ذلك لأن المناهج بالأساس مناهج دينية، فالتغيير كان بإضافة الهوية الأردنية (تم الإبقاء على الهوية الدينية الإسلامية وتم الإضافة لها الهوية الأردنية والعربية).
نداء الوطن: فيما يتعلق بالبُعد الوطني والعروبي في التعديلات، لاحظنا قيام الوزارة بحذف قصيدة يافا للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وهي قصيدة مهمة جداً وتعزز انتخاء الطالب للقضية الفلسطينية. هذه القصيدة تم حذفها ووضع بدلاً منها قصيدة “الإنسانية سبيلنا” وهي ضعيفة وغير مبررة.
كما قامت الوزارة بحذف مصطلح “المجازر الصهيونية” واستعاضوا عنه بـ “الممارسات الإسرائيلية” على الرغم من أن قانون التربية يتحدث عن الصهيونية بشكل واضح، وحذفت “مجزرة دير ياسين”. أليست هذه التعديلات تحتاج للوقوف أمامها؟!
د. ذوقان: الوضع الفلسطيني في المناهج الأردنية بالمجمل هو وضع قوي جداً وتم التركيز عليه بكفاءة عالية، والقدس موجودة في أماكن عديدة والمسجد الأقصى وقبة الصخرة موجودة وليس هناك أي تفريط بالتركيز على البُعد الفلسطيني، كلمة المحتلين الصهاينة أنا رأيتها أكثر من مرة في الكتب.
وحول حذف الصهيونية ووضع الممارسات الإسرائيلية، يجب التأكيد على أنه لا يوجد تعليمات من وزارة التربية للمؤلفين بالحذف، وبصراحة المنهج الأردني لا يمكن أن يكون عميلاً. إسرائيل والقدس وعروبة فلسطين مغطاة تماماً في الكتب، لكن هذه القضية يمكن أن يتوجه لها نقد. وليس هناك أي شيء يقول بأن إسرائيل لها الحق، أبداً.
فيما يتعلق بقصيدة الجواهري، فربما حذفوها ولكن القصيدة الجديدة لشاعر عراقي آخر، كنوع من التغيير. أعود لأؤكد بأنني أبرّئ الحكومة الأردنية (ولست معجباً بالحكومة) من أي رغبة في المساس بعروبة وسلامة المناهج التربوية. والذي يحدث في المناهج هو غباء مؤلفين ليس أكثر أو أن أحدهم أراد عمل ضجة من خلال هذا التعديل تماماً كالضجة على مقالة جبران خليل جبران (الحية التي تحفر وتبحث عن الهيكل) ولم يكملوها.
ولكني لا أدافع عن حماقات وزارة التربية، فهي لا ترتكب حماقات فقط، بل ترتكب خطايا. لقد عدلت الوزارة الكثير من الخطايا. ففي كتاب الصف الثامن مكتوب (أن الجنة تحت ظلال السيوف) والسيوف بما معناه يجب أن تكون في أيدي المؤمنين أليس هذا فكراً داعشياً، ومع ذلك لم تحذف ولم يتحدث عنها أحد.
نداء الوطن: لماذا هذه الجملة بقيت، وقصيدة يافا حذفت؟ كان الأولى في نصوص لها الأولوية أكثر للتغيير. هناك تعديلات أساءت للفكرة.
د. ذوقان: 100% بأن هناك تعديلات أساءت للفكرة، كحذف اسم محمد.