الحكومة توقع اتفاقية الغاز مع “إسرائيل” رغم الرفض الشعبي والوطني
وقّعت شركة الكهرباء الوطنية و”إسرائيل” قبل أيام صفقة ضخمة يتم بموجبها بيع الكيان الصهيوني الغاز الطبيعي من حقل (لفيتان البحري) لشركة الكهرباء الوطنية الأردنية بكمية خمسة وأربعين مليار متر مكعب على مدى خمسة عشره عاماً.
وأفادت إذاعة “صوت إسرائيل” أن حجم الصفقة يُقدر بعشرة مليارات دولار.
ويأتي توقيع هذا الاتفاق على الرغم من الاحتجاجات الكبيرة التي شهدها الشارع الأردني رفضاً للاتفاقية، وفي ظل رفض مجلس النواب السابق لهذه الاتفاقية.
يشير الخبير الاقتصادي السيد فهمي الكتوت إلى أنه لا يمكن النظر إلى صفقة الغاز بمعزل عن الظروف السياسية التي تشهدها المنطقة، فقد جاءت في ظل الهجمة الإمبريالية الصهيونية الرجعية الشرسة على الوطن العربي، مستغلين حالة الانهيار العربي. وتهافت الدول الرجعية في التطبيع مع العدو الصهيوني، معتقدين أن الطريق أصبح معبداً نحو تصفية القضية الفلسطينية، وإخضاع الشعوب العربية لشروط الهيمنة المطلقة، وأن الوقت قد حان لحصاد نتائج المعركة التي خاضتها القوى الظلامية بالوكالة.
ولفت الكتوت في حديث خاص لـ نداء الوطن، إلى أن محاولات التوطين وتصفية القضية الفلسطينية ليست جديدة، فقد بدأت منذ أوائل العقد الخامس من القرن الماضي، وأن الشعوب العربية نجحت بدفن هذه المشاريع بمهدها، وأن مصير المشاريع الجديدة لن يكون أفضل حالاً من سابقاتها.
فيما اعتبر الدكتور هشام البستاني الناطق باسم الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني (غاز العدو احتلال) أن الإصرار الحكومي ينبع من بُنية السلطة السياسية المستفيدة من كل مشاريع التبعية، وتعطيل التنمية المستقلة، وإهدار السيادة. هذه سلطة تجني الأرباح من إلحاق البلد ومواطنيه بالأسواق الرأسمالية المعولمة.
وتساءل البستاني في حديث لـ نداء الوطن، كيف تقوم حكومة لديها القليل جداً من المنطق بشراء غاز من العدو بسعر أعلى من السعر المتوفر في السوق العالمي؟ كاشفاً عن تصريح لشركة الكهرباء الإسرائيلية نفسها التي (وبحسب تقرير نشر في صحيفة هآرتز الإسرائيلية شهر نيسان الماضي) تبحث الآن عن تعاقد مع شركة بريتش بيترولويوم العالمية لاستيراد الغاز المسال منها لأنه أرخص من الغاز الذي ينتجه الصهاينة من الحقول الفلسطينية المسروقة!
واستغرب البستاني أن تقوم حكومة بتسليم عنقها وأعناق مواطنيها في ملف استراتيجي مثل ملف الطاقة إلى العدو؟ لافتاً إلى أن كثيراً ما يُستعمل سلاح الطاقة هذا دولياً، بل ثمّة حروب قامت للسّيطرة على منابع الطاقة وممرّات مرورها.
وأشار الدكتور هشام البستاني إلى أن المُضحك المُبكي في هذه الصفقة أن السلطة السياسيّة في الأردن تُموّل إخضاع البلد بأموال المواطنين، وتستثمر في تحويل «إسرائيل» إلى قوّة طاقة إقليميّة وتمويل البنى التحتيّة اللازمة لذلك، بدلاً من أن تستثمر هذه الأموال الطائلة في مشاريع طاقة محليّة، تعزّز استقلال الطاقة في الأردن، وتوفّر فرص عمل للمواطنين الذين يعانون من البطالة. ما يعطي انطباعاً بأن السلطة السياسيّة في الأردن تُفضّل «إسرائيل» على مواطنيها، وإرهابها على أمنهم، والتبعيّة لها على سيادتهم وكرامتهم.
حقائق حول بدائل الغاز الصهيوني
يؤكد الكاتب والخبير الاقتصادي الأستاذ فهمي الكتوت أننا لسنا بحاجة لصفقة الغاز اقتصادياً، والتي تضمنت استيراد 225 مليون قدم مكعب باليوم بحلول عام 2019 وتقدر بحوالي 40% من كمية الاستهلاك، علماً أن ميناء الغاز في العقبة يعمل بطاقة استيعابية 490 مليون قدم مكعب يومياً وطاقة تشغيلية قصوى للميناء تصل إلى 715 مليون قدم مكعب، ما يعادل 130% من حاجة الاستهلاكية، ولدينا الإمكانية لإعادة التصدير.
وأشار الكتوت إلى أن الاتفاقية الموقعة بين الأردن والشركة الاستونية لإنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي ستوفر نحو 470 ميغاواط كهرباء في العام 2019، إضافة إلى إنتاج الطاقة البديلة “الطاقة الشمسية وطاقة الرياح”.
ويخلص الكاتب الكتوت إلى أن الاتفاقية سياسية بامتياز، كاشفاً عن أنها جاءت بتوجيهات أميركية، فقد أوردت هيلاري كلنتون في كتابها “خيارات صعبة “بأنها طلبت من وزير الخارجية ناصر جودة البدء في اتفاق تجاري رئيسي حول الغاز مع “إسرائيل” سراً إذا لزم الأمر تمهيداً لعقد هذه صفقة.
ويتفق الدكتور هشام البستاني مع ما ذهب إليه الكتوت لافتاً إلى التصريحات الحكوميّة التي تعترف بأن احتياجات الأردن من الطاقة مؤمنّة من خلال ما نستورده عن طريق ميناء الغاز المُسال الذي تم افتتاحه العام الماضي في العقبة. بل إن الميناء يُحقّق فائضًا من الغاز يقوم الأردن بتصديره عبر خط أنابيب الغاز العربي إلى مصر، كما يصدّر الطاقة المتولدة منه إلى العراق ومصر وأريحا. وهناك أيضًا مشاريع طاقة الرياح، ومشاريع الصخر الزيتي، ومشاريع تطوير حقول الغاز المحليّة، والعرض الجزائري بتزويد الأردن بالغاز بأسعار تفضيليّة، ومشروع مد أنابيب نفط وغاز من العراق بمحاذاة الحدود السعودية (بعيدًا عن مناطق داعش) إلى العقبة، كل هذه المشاريع ستوفّر فائضًا إضافيًّا من احتياجات الطاقة في الأردن للاستخدام المحلي، وللتصدير على المديين المتوسّط والطويل.
وأكد البستاني أن الأردن اليوم من أفضل البلدان فيما يتعلّق بتوفّر الطاقة الشمسيّة، وهناك عدد كبير من المشاريع القائمة في هذا المجال، وأخرى قيد الإنشاء، ولدينا من الخبرات المحليّة المميّزة ما يجعل استثمار العشرة مليارات دولار فيها هي الأمر المنطقي بدلاً من إعطائها للعدو.
وتساءل البستاني عن السبب الذي يجعل السلطة السياسيّة تدير وجهها عن مثل هذه المشاريع المحليّة الرائدة، وترفض الاستثمار فيها، وتفضّل الاستثمار في الصهاينة؟ لماذا إذن سنستورد غازاً لسنا بحاجة إليه؟ من هو صاحب الحاجة؟ «إسرائيل» طبعاً.
فيما حذّر الكاتب والخبير الاقتصادي فهمي الكتوت من أننا أمام أكبر وأخطر اختراق صهيوني للاقتصاد الأردني، هذه الصفقة من شأنها إخضاع الاقتصاد الأردني لمصالح العدو وتعريض الأمن الاقتصادي للخطر من خلال التحكم بالتوجهات الاقتصادية، ما يجري في قطاع غزة مثال ساطع أمام الجميع، وإدخال سياسة التطبيع إلى كل بيت أردني، في الوقت الذي نشهد تنامي سياسة المقاطعة العالمية للمنتجات الصهيونية.
وأكد الكتوت على أن اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني تواجه معارضة شعبية واسعة، ومن قبل الفعاليات الاقتصادية والنقابية والاجتماعية، لذا ينبغي العمل على تشكيل أوسع جبهة ضد الاتفاقية والقيام بفعاليات منظمة للتصدي لها بتنظيم الاحتجاجات الشعبية وحشد الطاقات والإمكانيات لإسقاطها.
فيما حذر د. هشام البستاني الناطق باسم حملة “غاز العدو احتلال” من أن السلطة السياسية تقف وحيدة اليوم كلاعب مُطلق، بلا منافسين، وهي غير مضطرّة لشراكة أحد، أو تقديم التسويات لأحد، بعد أن فتّتت المجتمع، وأضعفت أحزابه ونقاباته، وجيّشته في معاركها الجانبيّة، واحتوته بديكوراتها الديمقراطيّة ومؤسساتها الإلحاقيّة، وهي تدفع البلاد دفعاً إلى الهاوية بهذه الاتفاقية، وبحزمة التشريعات الاقتصادية/ السياسية المُنتظر أن يُمرّرها البرلمان القادم لتُضاف إلى حزمة تشريعات الإفقار والتبعيّة.
ونوه البستاني إلى أنه في ظل هذا التفكك، تبرز معارضة هذه الاتفاقية كنقطة اتفاق عابرة للأطياف والتوجّهات، وشكّلت حتى الآن قضيّة جامعة لكل القوى المتنوّعة (بل والمتعارضة في عدّة ملفّات)، مما قد يجعلها ساحة لنقاش اجتماعي سياسيّ موسّع يتم خوضه بنجاح كبير في إطار الحملة الوطنية الأردنيّة لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني (غاز العدو احتلال).
واعتبر البستاني أن الالتفاف حول الحملة سيشكّل رافعة فعليّة لممارسة الضغط الفعّال من خارج مساحات هيمنة السلطة، من خلال التحرّكات في الشارع، أو التحرّكات القانونيّة (سترفع الحملة قضايا ضد الحكومة الأردنية وشركتي الكهرباء والبوتاس أمام المحاكم المحليّة والدوليّة لدعمها الإرهاب)، أو غيرها من الأنشطة التي ستنفذها الحملة.