قراءة في قانون الانتخاب
عندما أقرّ البرلمان السابق قانون الانتخاب الجديد الذي استبدل الصوت المجزوء بنظام القائمة النسبية، تفاءل الكثيرون بأن هذه خطوة إيجابية نحو الإصلاح، لأنه يمنح الناخب حق الاقتراع بعدد مقاعد دائرته الانتخابية ويحصر الترشيح في قوائم على مستوى الدائرة ويوسّع حجم الدوائر. لكن الشيطان دائمًا في التفاصيل، وهو ما ظهر جليًا عند الإعلان عن القانون وعند بدء الحملات الانتخابية الرسمية قبل أقل من أسبوعين.
بداية، فإن القانون وإن كان يشجع على التحالف ظاهريًا بمنع الترشح إلا من خلال قوائم، إلا أنه على أرض الواقع يرسّخ الانقسامات العامودية والأفقية بين مكونات المجتمع ولا يشجع على تحالفات بين المرشحين و/أو الأحزاب أو أي جهات لديها فكر أو موقف سياسي متشابه. يتضح ذلك من خلال ما يلي:
أولاً: عدم وجود نسبة (عتبة) كحد أدنى من الأصوات تحصل عليها القائمة تؤهلها للحصول على مقاعد نيابية.
فمثلاً: لو كان عدد أصوات الناخبين في إحدى الدوائر ١٠٠ ألف، وكان عدد مقاعدها باستثناء الكوتات أربعة، فإن القائمة التي تحصل على ٢٥ ألف صوت تفوز بمقعد. وبغياب حد أدنى من الأصوات التي يجب الحصول عليها، وإذا تشتتت أصوات الناخبين بين عدد كبير من القوائم، يمكن للقائمة التي تحصل على عشرة آلاف صوت، وتلك التي تحصل على خمسة آلاف صوت، الحصول على مقعد واحد لكل منهما أيضًا. هذا يعني حكماً عدم وجود مصلحة لأي مرشح في التحالف مع مرشح قوي داخل ذات القائمة حتى ولو كانوا يتشاركون في الموقف السياسي أو البرامجي.
ثانياً: لا يزال القانون يمارس تمييزاً سلبياً ضد المسيحيين والشركس والشيشان والبدو؛ الأصل في الكوتا أن تشكل تمييزًا إيجابيًا مطلوبًا في الحالات التي لا يكون وعي المجتمع قد نَضج بما يكفل قُدرته على إفراز ممثلين عنه بشكل حر على أساس الأفكار والمبادئ وبرامج العمل وليس على أساس الإقليم أو الدين أو الجنس او العرق. وهنا يتدخل المُشرع بحيث يضمن حدًا أدنى للفئات المشمولة فيه والتي لا تملك ذات الفُرصة الموجودة للفئات الأخرى، ويكون تواجد هذه الفئات ومشاركتها في الحياة السياسية من خلال دورهم التشريعي والرقابي في مجلس النواب جوهري وحيوي. ومن هُنا نجد أن الكوتا للنساء مثلاً قد حددت خمسة عشر مقعدًا لهُن كحد أدنى دون أن يمنعهن ذلك من الترشح على باقي المقاعد والفوز بمقاعد أكثر.
وعلى الرغم من قناعتي أن عدد النساء في مجلس النواب أقل بكثير مما يجب أن يكون، إلا أننا نجد أن نظام الكوتا وفقاً لمشروع قانون الانتخاب الحالي لا يتعامل فيما يتعلق بالكوتا الخاصة بالمسيحيين والشركس والشيشان بذات المبدأ القانوني والسياسي الخاص بالكوتا النسائية بجعل الكوتا حدًا أدنى فقط مع إتاحة الفرصة لهم للتنافس مع الآخرين على مقاعد أكثر في كل الدوائر سواء كان لهم فيها مقاعد كوتا أم لم يكن. ما اعتمده المُشرع في مشروع قانون الانتخاب هو العكس، إذ حددت الكوتا للمسيحيين مثلا حداً أقصى وهو تسع مقاعد ومُنعوا من الترشيح خارج تلك الدوائر المُحددة للحصول على أية مقاعد أخرى. والحال كذلك فيما يتعلق بمقاعد الشركس والشيشان.
إن هذا النظام لا يحقق العدالة، ليس للمسيحيين والشركس والشيشان فقط، بل للمجتمع بأكمله ولكل مساعي بناء أردن مدني ديمقراطي، لأن منع المسيحي مثلًا من الترشح في عمان الثانية بحجة أن عدد المسيحيين في تلك المنطقة قليل يناقض مبدأ المواطنة المتساوية والانتخاب على أسس برامجية، وكأن المسلم لا يمكن أن يختار مسيحياً ليمثله في البرلمان.
إن غياب الأحزاب القوية (باستثناء الإسلاميين) هو نتيجة عقود من منع العمل السياسي تحت الأحكام العرفية قبل عام ١٩٨٩، ومن ثم أكثر من عقدين من قانون الصوت المجزوء والدوائر الوهمية أوتزوير الانتخابات والتدخل في عمل البرلمان وصولًا إلى التعديلات الدستورية الأخيرة التي شكّلت تقويضًا لنظام الحكم السياسي للمملكة القائم على النظام النيابي الملكي الوراثي. ليس مستغرباً إذًا أن المؤسسة البرلمانية التي تشكل الركن الأول من أركان نظام الحكم في الأردن قد تحوّلت للأسف إلى محط تندر وسخرية الكثير من الأردنيين وأن الثقة بها وصلت أدنى مستوياتها منذ عودة الحياة النيابية عام ١٩٨٩.
نحن بأمس الحاجة اليوم لقانون انتخاب عصري يضمن تمثيلًا عادلًا للمواطنين ويشجّع على التكتلات والتحالفات السياسية ويمهّد لتطور أحزاب برامجية فاعلة يمكن أن تصل إلى السلطة من خلال الأغلبية النيابية. ومن الواضح أن قانون الانتخاب الحالي بعيد كل البعد عن هذا الطموح.