مقالات

ابو علي مصطفى… عامل يقود ثورة

في حركة عجت بالمثقفين، وخريجي الجامعات من الطبقة الوسطى على امتداد الوطن العربي، امثال برهان الدجاني ومحسن ابراهيم عدا عن الحكيم ووديع وباسل الكبيسي واحمد الخطيب، لم يكن ابو علي مصطفى سوى ذاك العضو البسيط الذي يحاول كسب قوت اسرته مرة عاملا في مصنع كرتون واخرى مراسلا في بنك، وثالثة صاحب كشك فلافل واخرى للتغطية كانت دكانة نسيطة لبيع المخصبات والمبيدات الحشرية، لم يرطن ابو علي بالانجليزية، ولا حصل على غير الثانوية العامة، لكنه كان شغوفا بالتعلم، ومستعد له ذاتيا، حيث ادرك مبكرا ضرورة الربط بين العلم والثورة، بين الثقافة والانخراط العملي في ميادين صراع صعب وطويل، ولذلك دفعه هذا الادراك لربط النظرية وما يتعلمه منها بالممارسة الثورية.

لم يكن صاحب مصطلحات ولكن كان لديه عقل قادر على تمثل الفكرة وتحويلها الى قوة مادية سواء في السياسة او التنظيم او في مجالات النشاط الكفاحي ، فقد كان يتعامل ببساطة غير ساذجة مع المنتج الفكري الانساني، لكنه في نفس الوقت لم يكن يهمل تطوير نفسه، فكان ان ارتقى في مواقع القيادة بفعل تطوره السريع من كادر بسيط الى قائد حقيقي، استطاع ان يتفاعل بصبر ومثابرة واصرار مع كل الخضات وكل الزلازل التي اصابت حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية، برباطة جأش وقدرة على امتصاص الصدمات وتحويلها الى عامل تثوير وتطوير ، ولذلك استحق ان يكون القائد العامل الذي حفر مكانه في تاريخ الحركة والجبهة وفي التاريخ الفلسطيني ليصبح معلما بارزا ، ووقع على ذلك بدمه الذي سال على ارض الوطن.. مرتقيا شهيدا ونبراسا وامثولة لاجيال تصعد يوميا متكئة على صخرة انجازه ومقتفية تراثه الثوري باعتبارة قيمة ومثالا يبعث كل القيم الثورية.

ان مرت خمسة عشر عاما على استشهاد القائد العامل والثوري المقدام ابو علي مصطفى، فقد مرت كلمح البرق، وها هو صوته الراعد يرن في الآذان وفي الصدور شاحنا وجدان شعب حين يقول ” لن نقبلها مقايضة، فدماء شهدائنا ثمنها الحرية والاستقلال”، ابو علي الذي لم يغب يوما عن الذكر اكد الترابط العميق بين الفكر والممارسة طيلة حياته، حتى كان دمه الاثبات.

لم تكن صفة الامين العام وموقعه في فترة جزر ثوري امرا مغريا لتسنم المنابر والخطابة، بل كانت امتحانا كل اسئلته صعبة، في السياسة حيث كارثة اوسلو، وفي التنظيم حيث التساقط والاستنكاف والاستقالات كانت ظاهرة سائدة، وفي الفكر حيث جنح العالم وكثير من الثوريين يمينا ومنهم من اوغل في يمينيته حتى نفى كل مبررات يساريته، وكان على القائد هنا ان يتعامل مع تنظيم لديه بقايا خيل لكن لا مال، ولديه من التاريخ ما يمكن استعادته كخبرة في معالجة حالة الانكفاء التنظيمي، خاصة ذاك الصمود امام الانشقاقات والمعارك الجانبية، وكان على القائد ان يمسك بأكثر من ملف، ولم يكن امامه في هذا الامتحان سوى ان ينجح حتى لو ادى ذلك الى ان يمد يده الى العمل المنمنم الصغير، وبدأ الرجل بهمة ونشاط اللحظة الاولى، لم يوفر جهدا او وقتا حتى آخر لحظة في حياته، ليثبت بالملموس مثابرة العمال وصبرهم واستعدادهم، وليؤكد حيوية نظرية ماركس حول العامل الواعي المنتظم والمستعد للتقدم، وهذا ما جسده القائد ابو علي.

في ذكرى استشهاده الخامسة عشر… وردة حمراء كدمه الطري القاني على ضريحه، وشعلة من نور ونار عينيه تضيء درب جيل جديد يثبت يوميا انه الوفي … في ذكرى استشهاده… انتصر بلال… وصمد الرفاق في معركتهم، ليثبتوا للعالم، انهم آخر من يبحث غن المغانم، واول من يتصدى للمغارم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى