مقالات

إصلاح التعليم المدرسيّ بين الخصخصة والاضطراب / رائد العزام

لعل العامل المشترك بين الوزراء المتعاقبين على قمة هرم منظومة التربية والتعليم، رفع شعار إصلاح التعليم، بمفهومه الفضفاض، ورؤاه الخلافية، والذي عادة ما انطلق تطبيقه العملي من تكنلجة التعليم، مروراً بالمناهج ومسارات التعليم الأكاديمي والمهني، وانتهاء ببرامج لتطوير وتدريب المعلمين.


لكن عامل الفشل المشترك تجمّع في الذهنية النظرية السطحية، الفاقدة لاستراتيجية حقيقية ومقدار من الجرأة لدى وزراء التربية، فجميعهم يحاكي المشكلات والمعيقات الحقيقية أمام إصلاح منظومة التعليم، لكنه حديث الغرف المغلقة وجلسات السمر مع الأصدقاء والصديقات، لذلك ظلت شعاراتهم حبيسة تلك الغرف.
وفي السياق نفسه، رفع وزير التربية والتعليم الحالي ذلك الشعار، وهمّ بخطوات عملية طالت بمرحلتها الأولى منظومة التوجيهي أولاً، وهنا يسجل له إنجاز بضبط العملية، ثم فتح الملفات الأخرى ثانياً.
وللوقوف على حقيقة المشاريع الإصلاحية الأخرى في وزارة التربية، وما وصلت إليه، نعرض لأهم الملفات التي أعاقت وتعيق عملية الإصلاح والتقدم العلمي في الأردن، وآلية معالجة الوزارة الحالية لها:

الملف الإداري داخل الوزارة
يكاد هذا الملف أن يكون الأخطر، كونه يطال واضعي الخطط والمشاريع وأصحاب القرار، الذي تبنى عليه السياسة التعليمية في الأردن.
ملف الترهل الإداري داخل الوزارة وعقلية الفئة التي تملك القرار يمكن وصفها، أنها لاتملك أيّة رؤية واضحة للتعليم في الأردن، ولاتتعاطى معه كملف متغير قابل للتطوير والحياة، وإنما جلمود لايمس ولايُغير.

ملف تطوير وتدريب المعلمين
يبدو أن هذاالملف هوالأكثر فساداً داخل الوزارة، وهنا حدّث ولاحرج، تكليف غير المؤهل لتدريب المعلمين، وتنييم أصحاب الكفاءات، تلميع وترقية من لم يجتز امتحانات القيادة وإبعاد الناجحين فيها،ومردّ ذلك كله الحصول على المنفعة المالية، فأينما حلّ المال والتسيب أقام الفساد وتوطّن.
بالمحصلة أنفقت الوزارة الملايين، ولم يتغير شيء على واقع المعلم المهني، سوى دورات حاسوبية، سرعان ما هجرها مع لحظة وداع مدربها.
وبالنظر إلى خطورة هذا الملف، وما آلت إليه مشاريع التدريب، نجد للريبة مكاناً فيه، حول ما إذا كان هذا الفساد ممنهجاً ومقصوداً، بغية خصخصة التدريب، والذي حصل بالفعل، إذا حيلت مشاريع تدريب المعلمين إلى القطاع الخاص، وتكفلت بها أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين، والتي بدورها تقوم بإنشاء معاهد لتدريب وتأهيل المعلمين.

ملف اختيار القيادات التربويّة
بداية يمكن تسجيل نجاح نسبيّ للوزارة في تطبيقها لأسس أختيار المشرفين التربويين، وأخص مرحلة الامتحان العام، شريطة أن لا تتدخل المحسوبيات والمزاجية المعهودة في مراحلهاالأخيرة، أثناءالمقابلات وعملية الاختيارالنهائية (وللشك مكان بذلك أيضاً).
وبالوقت نفسه يسجل للوزارة حالة الجمودالفكري في (مثال) أسس انتقاء المُقيّمين في وحدة جودة التعليم والمساءلة (المستحدثة)، إذ اشترطت اجتياز اختبار اللغة الإنجليزية الوطني بما لايقل عن 60%،وعليه تم استبعاد الكثير ممن يُشهد لهم بالنزاهة والكفاءة لمثل هذه المواقع.

ملف المناهج
وضمن خطة الوزارة الإصلاحية المزعومة، فتح ملف المناهج المدرسية، ليصار إلى إعادة النظر بمحتواها، ولكن بمعاينة القائمين على إدارة هذا الملف، وآلية اختيار طواقم التأليف، ومساحة الصلاحيات لديهم، يتراجع منسوب التفاؤل بإمكانية ظهور مخرجات مناهجية تلبي الطموح العلمي والوطني.
وعليه تشير المعطيات الأولية إلى أن التغيير لن يطال الجوهر والمضمون، بقدر ما يكون زخرفة ديكورية تعيد رسم الموجود لا تغييره.

ملف المسار المهني
يبدو أن الوزارة جادة من حيث النيّة في التوسع بالمسار المهني لطلبة المرحلة الثانوية، ولكن بالعودة إلى الملف الإداري السابق تصبح النيّة غير كافية وصعبة التحقيق، وهذا يتضح من خلال القرارات الأخيرة التي تثبت حالة التفرد باتخاذها، وعدم استنادها إلى دراسات ميدانية مسحية حقيقية، لمعرفة الإمكانات أولاً، وأعداد الطلبة ثانياً.
ويتضح أيضاً من تصريحات الوزارة، أن هذا الملف بطريقه إلى الخصخصة أيضاً، من خلال فتح الطريق أمام القطاع الخاص لإدخال هذه الفروع ضمن برامجه المدرسية، كذلك التفاهم الأخير بين وزارتي التربية والتعليم العالي، لمنح تراخيص لإنشاء معاهد فنية، مما سيراكم معاناة الطلبة بقدرتهم على الالتحاق بها، خاصة وأنها تخصصات مهنية تطبيقية تعني وتحاكي الطبقة ما دون المتوسطة.
والحقيقة التي لامناص منها أن جميع مشاريع وزراء التربية خلت من التوقف عند الوضع المادي والمستوى المعيشي للمعلم، والنظر له كعامل أساس في عملية الإصلاح التربوي، واستبعدت المعلم من المشاركة في صياغة هذه المشاريع، وتجاهلت كونه أدرى بشعاب ميدانه، لذلك ظلت مشاريعهم شعارات وحبر على ورق.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى