الغزو الصهيوني لإفريقيا واحتمالية الصراع مع إيران / محمد محفوظ جابر
من البديهيات السياسية المعروفة هو أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قد بنى سدّين، الأول هو السد العالي الذي يشكل قوة للجبهة الداخلية في مصر، والثاني السد السياسي لمواجهة الغزو الصهيوني في إفريقيا. منظمة الوحدة الإفريقية والذي كان قرار قطع العلاقات مع “إسرائيل” برعايتها في آواخر الستينات.
وبعد وفاة الرئيس عبدالناصر وانحياز النظام المصري إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني، أخذت تتسارع عودة العلاقات بين إفريقيا و”إسرائيل” حتى وصلت العلاقات الدبلوماسية للدول الإفريقية إلى (48) دولة، لتكون سنداً لها في قرارات الأمم المتحدة.
وزيارة نتنياهو لسبع دول افريقية هذه الأيام، هي لتحقيق عدة أهداف وأهمها:
أولاً: كسر العزلة السياسية التي يعيشها الكيان الصهيوني خاصة بعد انتشار المقاطعة في الدول الأوروبية والأمريكية.
ثانياً: فتح أسواق جديدة اقتصادية للاستثمار “الإسرائيلي” في السوق الافريقي وترويج المنتجات الصهيونية التي تنتجها المستوطنات والتي أصبحت معرضة للتلف نتيجة كسادها ورفضها من قبل السوق العالمي.
ثالثاً: بناء علاقات عسكرية وأمنية خاصة مع انتشار “داعش” والقوى الإسلامية المتطرفة في عدد من الدول الافريقية واحتدام الحروب الداخلية.
رابعاً: ترويج وبيع الأسلحة المصنّعة في الكيان الصهيوني لمواجهة الإرهاب الديني الإسلامي مع افريقيا.
خامساً: التواصل مع الجاليات اليهودية في افريقيا، حيث يقوم بعضها بدور فعّال ومؤثر اقتصادياً في تلك الدول، وتعتبر الجالية اليهودية في جنوب افريقيا هي المرتبة الثانية بعد يهود الولايات المتحدة في المساهمة في خزينة الدولة العبرية، كما أن هجرة اليهود إلى فلسطين هي مساهمة في زيادة عدد السكان الذين يصبحون مصدراً للبناء الاقتصادي ومصدراً لرفد الجيش “الإسرائيلي” بالمقاتلين، حيث تشير الأرقام إلى أن (20%) من المهاجرين اليهود إلى فلسطين هم من افريقيا خاصة الفلاشا.
إن الغزو الصهيوني الجديد لإفريقيا ما كان ليتم لولا الفوضى الهدامة والتي سميت “الربيع العربي”، والتي أدت إلى انشغال مصر وليبيا وتونس والجزائر بالعدو الطائفي الداخلي والذي عزل كل دولة عربية عن الأخرى، وعزلها عن افريقيا، فأصبحت الساحة الافريقية مفتوحة للعدو الصهيوني.
سادساً: ستصبح افريقيا ساحة صراع بين الكيان الصهيوني وإيران التي نجحت عام (2010) في عقد قمة افريقية إيرانية في طهران بمشاركة (40) دولة افريقية وبينما نجحت إيران بأن تكون عضو مراقب في “الاتحاد الإفريقي”، فقد فشلت “إسرائيل” في الحصول على هذه الصفة أثناء زيارة نتنياهو ويعتبر “الاتحاد الإفريقي” بديلاً لمنظمة الوحدة الإفريقية.
_ تقدم إيران المساعدات في بناء مشاريع البُنية التحتية للطاقة، كما تقدم خبرتها التكنولوجية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتعتبر الأسواق الافريقية مصدراً للدخل الإيراني خاصة في ترويج السيارات التي تصنعها إيران، بينما تعتبر افريقيا مصدراً للحصول على اليورانيوم الذي تعتمد عليه في برنامجها النووي.
وبينما هناك اهتمام إيراني في دول شرق افريقيا، نجد أن زيارة نتنياهو هي مخصصة لهذه الدول، وهذا مؤشر على فتح باب الصراع مع إيران في الساحة الافريقية خاصة وأن هناك سابقة عسكرية بقصف مواقع في السودان من قبل الطيران “الإسرائيلي” بدعوى أنها مواقع “عسكرية إيرانية”، وتعتبر السودان إحدى الدول التي تستورد الصناعات العسكرية الإيرانية.
كما تخوض إيران معركة فكرية وسياسية ضد الإمبريالية العالمية من خلال مراكز ثقافية في دول افريقية، وقد نجحت في ذلك بسبب عداء هذه الدول للاستعمار، مما يجعل إيران أقرب إليهم، وهذا يعني أن المعركة القادمة في الساحة الافريقية بين إيران و “إسرائيل” لن تكون سهلة، بل ستكون عبئاً كبيراً على الكيان الصهيوني الذي يقوده نتنياهو إلى نهايته المدمرة.