توجه حكومي لرفع أسعار الخبز تحت شعار “إيصال الدعم لمستحقيه”
مع وقف الدولة دعمها للمواد التموينية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، ووقف دعم المحروقات في عام 2008، إضافة إلى خصخصة قطاع الكهرباء، لم يتبقى أي دور للدولة في دعم المواطنين سوى في مادة الخبز وإلى حد ما قطاع المياه، فيما يبقى دعم الغاز المنزلي مرهوناً بأسعار النفط العالمي، حيث لا تقدم الحكومة أي دعم لهذه المادة في ظل تراجع أسعار النفط ابتداءً من العام الماضي.
الأستاذ ينال برماوي الناطق باسم وزارة الصناعة والتجارة أكد في حديث لـ نداء الوطن، أن الحكومة تقوم بتقديم دعم حقيقي للسلع ومن أهمها الخبز ليباع بسعر مخفض للمواطنين وهو السعر الأقل في جميع أنحاء العالم (160 فلس/كغم)، وكذلك دعم الأعلاف لمربي الثروة الحيوانية (الشعير والنخالة) لتحقيق العديد من المقاصد الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، بالإضافة لدعم مادة الغاز المنزلي والمياه.
ولفت البرماوي إلى أن الحكومة قامت بإلغاء وتخفيض الضرائب والرسوم عن معظم السلع الأساسية، بالإضافة إلى توجيه المؤسستين المدنية والعسكرية بتخفيض الأسعار والبيع بسعر الكلفة، وكذلك إنشاء فروع للمؤسستين في جميع مناطق المملكة، وخاصة الأطراف والمناطق الفقيرة.
وعلى الرغم من إعفاء حكومة نادر الذهبي السلع الأساسية من الرسوم الجمركية في عام 2008، إلا أن حكومة النسور فرضت خدمات جمركية بنسبة 1% على هذه السلع، وبحسب بيانات صادرة عن دائرة الجمارك العامة، يبلغ حجم الإيرادات المتحققة لصالح خزينة الدولة من هذا القرار 70 مليون دينار سنوياً.
كما يظهر الجدول المرفق حجم الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات على مجموعة من السلع الأساسية التي تستخدمها الطبقة الفقيرة كاللحوم المجمدة والدجاج، حيث تصل نسبة الضرائب على الدجاج المجمد 29%. كما أن رفع فاتورة الكهرباء تلعب دوراً مباشراً في رفع الكلفة المباشرة للحوم المجمدة والتي تعتبر غذاء الفقراء.
ويرى الدكتور عصام الخواجا منسق حملة الخبز والديمقراطية في حديث لـ نداء الوطن، أن المتتبع لمسيرة الدعم الحكومي للسلع أو للمواطن على مدى السنوات الماضية، يلاحظ أنه خضع لسياسة التقليص التدريجي المنهجي تماشياً مع نهج انسحاب الدولة من تحمل مسؤولياتها تجاه الطبقات الفقيرة والفئات محدودة الدخل.
ويلفت الرفيق الخواجا إلى أن هذا التقليص في دعم السلع يأتي تطبيقاً لإملاءات صندوق النقد الدولي الذي يشترط عمل الحكومة على استعادة الكلفة من جميع المواد التي تدفعها دعماً للسلع أو “المستحقين” وصولاً إلى دعم قيمته صفراً يقدم للمواطن دون استثناء للسلع الأساسية.
ويلفت المحلل الاقتصادي الأستاذ فهمي الكتوت إلى أن المبدأ الدستوري الذي أقر منذ عام 1952، يلزم الدولة “بتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية” بين المواطنين، وقد تضمنت المادة 111 من الدستور الأردني نصاً صريحاً في هذا المجال. ويتجسد مفهوم العدالة الاجتماعية من وجهة نظر رسمية، بإعادة توزيع الدخل، من خلال السياسة الضريبية التصاعدية، التي توفر المال للخزينة، لتحقيق الدعم للسلع والخدمات الأساسية.
ويشير الكتوت في حديثه لـ نداء الوطن، أنه وبالتدقيق في الموازنة العامة للدولة لعام 2015، نجد أن قيمة دعم المواد التموينية 202 مليون دينار، وهي تشكل نحو 3% من النفقات الجارية علماً أن 77% من النفقات الجارية لنفس العام تم تغطيتها من جيوب المواطنين من ضرائب مباشرة وغير مباشرة ومن الرسوم والرخص والطوابع.
وكشف الأستاذ الكتوت إلى أن نسبة مساهمة الخزينة في دعم المواد التموينية تراجعت في السنوات الأخيرة حيث كانت تشكل نحو 8% في عام 2008، متعادلة مع فائدة الدين العام، ففي الوقت الذي تراجع الدعم إلى 3% ارتفعت فائدة الدين العام إلى 15% من النفقات الجارية. ما يعكس فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة موارد الدولة، وموقفها المتحيّز ضد الفقراء. أما المواد التموينية المدعومة فهي تكاد تنحصر بالخبز والأعلاف.
المواد الأساسية المعفاة من الرسوم الجمركية هي: الحليب والأجبان والحمص والعدس والبُن والشاي والحنطة والشعيرية والذرة الصفراء والأرز ودقيق الذرة وزيت النخيل والسكر.
اتفاقية جديدة مع صندوق النقد تنذر برفع الدعم عن الخبز
الدعم الحكومي للسلع الأساسية والمحصور بالخبز، لم يرُق لواضعي السياسة الاقتصادية، فها هو الدكتور إبراهيم سيف وزير التخطيط يوضح في ندوة سابقة إلى أن الدعم الحكومي يذهب للسلع وليس للفقراء” في إشارة تمهيدية لرفع أسعار الخبز تحت شعار “إيصال الدعم لمستحقيه”.
كما توشك حكومة الدكتور الملقي التي استلمت مهماتها قبل أيام، على توقيع اتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي، وسط تحذيرات المعارضة من الاقتراب من الخبز.
وينفي الناطق باسم وزارة الصناعة والتجارة والتموين أي نيّة حكومية لرفع الدعم عن الخبز مشيراً إلى أن الحكومة أكدت عدة مرات عدم وجود نيّة لديها لرفع الدعم عن مادة الخبز. إلا أنه يستطرد “هنالك دراسة آلية إيصال الدعم لمستحقيه، نظراً للهدر الكبير والذي يكلّف الخزينة مئات الملايين من الدنانير” وفق البرماوي.
ونوّه الأستاذ البرماوي إلى أن الحكومة تسعى لإيجاد أدوات وآليات تضمن إيصال الدعم لمستحقيه وبشكل يوفر على الخزينة مبالغ الدعم التي تستفيد منها فئات غير مستحقة، وتحويل هذا الدعم نحو مشاريع وصناديق تسهم في تنمية المحافظات وللحد من مشكلتي الفقر والبطالة.
إلا أن الخبير الاقتصادي الأستاذ فهمي الكتوت، يشير إلى تواصل ضغوط صندوق النقد الدولي لرفع الدعم عن الخبز، على الرغم من تواضعه، حيث لا يشكل أثراً ملموساً في تقليص العجز المتوقع لموازنة الحكومة المركزية. لكن إصرار الصندوق يعبر عن موقف أيديولوجي طبقي للسياسات الليبرالية بوقف سياسة الدعم من حيث المبدأ، ووفقاً للنهج الرسمي السائد من المتوقع أن ترضخ الحكومة لإملاءات الصندوق.
ويعتبر الكتوت أن شعار “إيصال الدعم لمستحقيه” هو الخطوة الأولى للالتفاف على حق المواطنين بالحصول على الدعم. مذكراً بقيام الحكومة في عام 1996 ولنفس الحجج برفع أسعار الخبز تحت شعار “الدفع قبل الرفع”، لتقوم بعد أقل من عام بإلغاء الدعم المقدم للمواطنين عن سعر الخبز، وأبقت على الرفع، حيث ارتفع سعر كيلو الخبز حينها من 80 فلساً ليصبح 160 فلساً! وهو مثال صارخ على سياسة التضليل المفضوحة، وفق الأستاذ الكتوت.
ويرى الدكتور عصام الخواجا منسق حملة الخبز والديمقراطية أن الحكومات المتعاقبة كانت في أكثر من محطة على محك قرار رفع الدعم عن الخبز بفعل شروط ووصفات صندوق النقد الدولي، والحكومة الحالية التي تشكل امتداداً لنفس النهج السياسي – الاقتصادي، لن تخرج عن ذات السياق، وتبقى فرصة أن تُقدِم على قرار رفع الدعم عن الخبز وارداً في أي وقت.
ويحذر الخواجا من أن مفهوم “إيصال الدعم لمستحقيه” لم يكن إلا عنوان الخطاب الحكومي لخطة الانسحاب من الاستمرار في سياسات تحمل الدولة لمسؤولياتها تجاه مواطنيها في دعم السلع الأساسية وضمان قدرة الفقراء ومحدودي الدخل في الحصول عليها، في ظل تعزيز علاقة التبعية شبه الكاملة للمؤسسات الدولية من صندوق وبنك دوليين وسياساتهما.
ويعتبر الرفيق الخواجا أن توفير السلع الأساسية للمواطنين بأسعار تناسب إمكاناتهم ودخلهم الشهري مهمة تخلّت عنها الحكومات منذ زمن، والسلعة الوحيدة المدعومة حتى الآن هي الخبز، وبالرغم مما تقدمه أسواق المؤسسة الاستهلاكية المدنية والعسكرية من سلع بأسعار تقل قليلاً عن السعر المتداول في السوق، إلا أنه لا يمكن إدراجها ضمن مفهوم البديل الذي يوفر السلع الأساسية بأسعار تناسب إمكانات ودخل المواطنين. ويخلص الخواجا إلى أن دور الدولة أصبح غائباً بشكل شبه تام عن توفير الدعم للسلع الأساسية لمواطنيها.
على الرغم من محدودية دخل المواطن الأردني، والتضخم المتنامي، وعلى الرغم من رفع الحكومة لأسعار المحروقات ورفع يدها عن دعم السلع الأساسية، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تكتفي بذلك، فها هي اتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي تبشرنا برفع الدعم عن الخبز أو “إيصاله لمستحقيه” كما يحلو للحكومة أن تسميه. فأي دور يبقى للدولة في ظل رفع يدها عن تقديم أي خدمة أو دعم للمواطنين؟!