مقالات

ما بين “سلطة الإعلام” و”إعلام السلطة”

عُرفت الصحافة تاريخياً بأنها “السلطة الرابعة”، لم يأتي هذا المسمى عبثاً أو إضافة لمستوى وقيمة هذه المهنة فقط، بل جاء بعد العديد من الأبحاث والدراسات التي جميعها أفضت إلى أن الإعلام يلعب الدور الأكبر في تشكيل السلطة لدى الشعوب، وفي تمثيل الشعوب لدى السلطة أيضاً. ومن هنا، فإن الإعلام يعتمد بشكل أساسي على وجود السلطة التي تعتبر المغذي الأكبر لمحتواه، وكذلك السلطة التي تعتبر الإعلام هو الطريق الأسرع والأفضل للوصول للشعب، وفي اللحظة التي كان يجب أن يكون الإعلام هو الوسيط بين السلطة والشعب، أصبح الشعب هو الوسيط بين الإعلام والسلطة، ولذلك تحولت قواعد المرحلة لأن يصبح الشعب حيّز الوسط بين الإعلام والسلطة.


تعتبر مصر في السنوات العشر الأخيرة أكبر نموذجاً على قوة الإعلام “السلبي والإيجابي” وآثاره الواضحة على المشهد السياسي للبلاد، فالإعلام الذي أجبر مبارك على الرحيل، هو ذاته الذي جمّل واقع مرسي، ومن ثم حوّل خراب المشير العسكري إلى جنة نعيم للجماهير المصرية، ولذك لم تستقر مصر بعد، لأن الإعلام عندما قرر أن ينتزع استقلاليته من حيّز السلطة، لم يستطع الصمود طويلاً، ولم يكن منذ البداية قد خطط جيداً لمرحلة جديدة من تاريخه، ولانعدام التجربة في الاستقلالية ما لبث حتى عاد من جديد إلى جلباب السلطة، وعادت المعادلة للتعقيد من جديد.
ما بين سلطة الإعلام وإعلام السلطة، تختلف المفاهيم، تتغير الأساليب، وتتنوع الأهداف، فإن سلطة الإعلام تعني أن لا أحد يملك الحقيقة الكاملة، والعمل الصحفي هو ذلك البحث الدائم عن الحقيقة، ومن هنا، فإن الإعلام يكتسب سلطته من خلال عدم هيمنة أي جهة عليه، وسعيه الدؤوب نحو البحث عن الحقيقة المجردة من خلال نقل الواقع كما هو دون أن يضع وجهة نظره أو فكره أو رأيه، بدون أن يسيء أو يجمّل الموقف، لذلك مرآة الصحافة تكمن دوماً في مصداقيتها وذلك من خلال نقل الخبر كما هو.
أما إعلام السلطة، فحدّث ولا حرج عن هذا النوع الذي يعتبر الأسهل والأسرع للوصول إلى الشهرة، ومن ثم الشعبية، ومن ثم الإعلانات المدفوعة التي تجعل من هذه الوسائل دوماً في المقدمة.
في هذه المنطقة المهتزة لا يوجد للخبر أي ثقل، لا تعتبر المصداقية أساساً، ولا الموضوعية أنموذجاً، ولا الحيادية منطق المهنة، دوماً هناك خبر خفي خلف أي خبر يكتب أو ينشر، لذلك في العهد الجديد من الإعلام ظهر مفهوم “ما وراء الخبر”، فالسلطة تُحكم قبضتها على الإعلام، فيغيب المشهد العام ويصنع مشهداً زائفاً يمثل الشعب وعليه تسير السلطة وهكذا يبدأ السير في الطريق البعيد دوماً على أرض الوطن!.
في دول العالم الثالث، يعتبر الإعلام من أهم اهم عوامل الارتقاء بحضارة الدول، فإذا كان هذا الإعلام مستقلاً وغير مسيّس من جهة ما، فسترى العيوب واضحة والإصلاح قائم، أما إذا تحول لإعلام السلطة، فسترى الشعوب في جهة والسلطة في جهة والحقيقة في عالم آخر.
*صحفي أردني

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى