ستبقى قضية اللاجئين هي جوهر القضية الفلسطينية
في القمة العربية الرابعة عشرة التي عقدت في بيروت في مارس 2002, قدّم الملك السعودي مقترحاً لإنهاء الصراع عنوانه الأرض مقابل السلام. رئيس المؤتمر الرئيس اللبناني –آنذاك-إميل لحود، لاحظ عدم وجود بند يتحدث عن وضع اللاجئين الفلسطينيين، فتوجه إلى الرئيس السوري وناقش معه المقترح واتفقا على إضافة بند يخص الوضع المستقبلي للاجئين الفلسطينيين بناءً على القرار 194, وأضاف فقرة تخص عدم توطين الفلسطينيين.
هاتين الفقرتين السحريتين أدخلتا المبادرة العربية في حالة جمود، وكانت سبباً في رفض إسرائيل المتكرر لها, ووضعت إطاراً للحل النهائي لا تستطيع القيادة الفلسطينية الخروج منه بالنسبة لمستقبل اللاجئين الفلسطينيين. وبدأت الجهود تبذل من أجل إسقاط هاتين الفقرتين من خلال الضغوط السياسية على القيادتين اللبنانية والسورية, وأرسلت التهديدات والإنذارات وخيضت الحروب من أجل فرض وقائع جديدة تسمح بالتوطين وإعطاء التعويضات للبلدان المضيفة.
واستمر الرفض الرسمي اللبناني السوري للتوطين، فكان لا بد من فتح ملف المخيمات, وإظهار أن المخيمات هي أماكن تشكّل خطراً على المجتمعات المحيطة وملجأ للخارجين عن القانون, وشنّت حروباً على المخيمات من أجل إزالتها وتهجير أهلها أبرزها الحرب التي شنّت على مخيم نهر البارد في الشمال اللبناني. أما عن مخيمات سوريا، فإن أحد أهم الأهداف للحرب على سوريا هي إنهاء وضع اللجوء الفلسطيني.
إن المأزق الذي يواجه المفاوضات جوهره صيغة الحل النهائي،أي النقطتين المؤجلتين؛ وضع القدس وموضوع اللاجئين. في موضوع القدس، أدخل العامل الأردني لتحميله المسؤولية حيث كانت رسالة عباس للملك الأردني تحمل في جوهرها نقل مسؤولية ملف القدس للجانب الأردني. وتبقى القضية الأصعب والتي كانت سبباً في انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة هي عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم ووطنهم، هو المطلب المهم الذي يجب التنازل عنه. وكل ما جرى ويجري من مؤتمرات ومبادرات ولجان ثنائية ورباعية وخماسية وحروب داخلية أو غزوات خارجية شنّت على العراق ولبنان وسوريا والجزائر وليبيا واليمن، ومحاولات تقويض الدولة المصرية والأردنية، كلها تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية، وعنوانها اللجوء الفلسطيني. ومؤتمر باريس ونتائجه المخيبة للآمال، تندرج ضمن هذا السياق.
أما الضغط من أجل الاعتراف بيهودية الدولة، هو في جوهره إنهاء لقضية اللاجئين وتصفية للقضية الفلسطينية، حيث يراد دولة يهودية نقيّة لم تحدد حدودها من قبل نتنياهو, ولكن من الممكن أن يحوّل هذا الشعار إلى النقيض إذا طرحت القيادة الفلسطينية والأردنية تطبيق قرار 181 والاعتراف بالحدود التي نصّ عليها القرار لمواجهة المقترح الإسرائيلي.
إن العجز الذي تبديه القيادة الفلسطينية، يتطلب من القوى الحيّة أن تطرح البدائل السياسية لمواجهة اندفاعة نتنياهو لاستثمار الفراغ الحاصل إن كان إقليمياً أم دولياً.
لم يستطيعوا إسقاط قضية اللاجئين من نص المبادرة، فحاولوا إسقاطها من الواقع، ولكن صمود الشعب الفلسطيني وقواه الحية ومجابهته اليومية لكافة المؤامرات، وان اختلفت أشكالها, سيبقي القضية الفلسطينية حيّة بجوهرها الإنساني الوطني التحرري وبُبعدها القانوني.
فشكراً للرئيس المقاوم لحود على إضافته السحرية التي منعت التصفية والتوطين.