تداعيات مشروع قانون صندوق الاستثمار على الأردن
شهد عرض مشروع قانون الاستثمار الجديد على مجلسي الأعيان والنواب، حالةً من الجدل بين أعضاء مجلس النواب، خصوصاً بعد الإضافة التي قدمتها النائب رولى الحروب والمتضمنة عبارة استثناء الكيان الصهيوني من الاستثمار في الأردن.
فقد أيّد الحروب عدد من النواب في الصباح، ولكنهم سرعان ما تراجعوا في جلسة المساء، وبرّروا تراجعهم بعبارات مطاطة وبلغة ملتوية مضللة لا يفهم منها الموقف الحقيقي لصاحبها. المهم أن مشروع القانون الاستثماري الجديد ورقمه (30) لسنة (2014)، تمت الموافقة عليه في مجلس الأعيان بصورة فاضحة، إذ لم يحتج تمريره أكثر من خمس دقائق.
على كل، كان تمرير القانون في المجلسين مخزياً ومشيناً حسب تعبير أحد النواب المقاومين للتطبيع، لكن الصدمة الكبيرة تجلّت في أوساط اقتصادية حزبية وسياسية واجتاح الشارع الأردني ومواقع التواصل الاجتماعي موجة من الغضب والتنديد والاستنكار لما يشكله قانون الاستثمار الجديد من مخاطر اقتصادية واجتماعية وسياسية على الأردن.
من الطبيعي، والأردن يشهد حالة انقسام سياسي واجتماعي، أن يكون لتمرير مشروع القانون أصداء مختلفة، وردود فعل متباينة، إذ لم يولد القانون يتيماً في مجلس الأمة بل ولد وله آباء كثيرون، فالنظام وأعوانه وكافة المتنفذين والمستفيدين لا تهمهم سوى مصالحهم الضرورية دون النظر ولو للحظة إلى ما تلقيه من تأثيرات سلبية على مستقبل الأردن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وهذا التيار الضحل من مؤيدي مشروع القرار ولّد ارتياحاً في أوساط الحكومة عبّر عنه رئيس الحكومة عبدالله النسور في تصريحات صحفية.
كانت التبريرات لدى مؤيدي القرار سقيمة ومخزية، كأن يبرر أحدهم تراجعه عن إضافة النائب الحروب، بأنه لم يرد اسم “إسرائيل” صراحةً في مشروع القانون، وأنه لا يتقبل أن يستثمر المحتل الصهيوني داخل حدود الأردن، فكيف يستوي ذلك مع الموافقة على المادة التي لا تستثني أي دولة أو جنسية أن تستثمر وتكون جزءاً رئيساً في صندوق الاستثمار.
لقد وُصفت تبريرات بعض النواب الذين مرروا مشروع القانون من قبل محللين سياسيين ومن قبل أوساط اقتصادية بأنها قصيرة النظر وسطحية، فمشكلة الأردن الاقتصادية والصعوبات والتحديات التي يمر بها لا يكمن حلّها بفتح حدود الأردن دون رقيب أو حسيب أمام من هبّ ودبّ من الأجانب، بقدر ما يحتاج الأردن إلى قيادة سياسية واعية وطنية تعيد رسم السياسات الكلية للأردن ابتداءً من إعادة النظر بالهيكلية الاقتصادية، والإقدام على إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية جذريّة، فالأردن بالقانون الاستثماري الجديد، يمكن أن يخفف من حدة مشكلتي الفقر والبطالة، مع أن خبراء اقتصاديين يحذرون من هذا الوهم، كما يمكن للحكومة الأردنية أن تتوهم بتطور الأداء الاقتصادي، وزيادة معدلات النمو، لكن ذلك لن يحدث بناءً على تجارب بلدان كثيرة انتكست أوضاعها أكثر وأكثر عندما تحولت إلى سوق حرة مفتوحة، وإلى مرتع للشركات الأجنبية، واختفاء صناعتها المحلية، وخروجها من ميدان المنافسة، وذلك أن معظم النظريات الاقتصادية تتفق على أن من أهم أهداف الشركات الأجنبية هو القضاء على المنافسين في الأسواق والتوسع على حساب المشاريع والشركات المحلية.
هناك نظرية تدعى “نظرية أرباح المقامر” Gamblers Earning Theory ترى أن الشركة الأجنبية ما أن تباشر بالاستثمار الخارجي، فإن توسعات أخرى ستحصل في العمليات الاستثمارية يتم تمويلها من أرباح هذا الاستثمار، وهذا في الحقيقة ما يتيحه مشروع القانون، ويؤكد صحة النظرية.
لذلك، كان من حق الشارع الأردني بغالبية شرائحه الاجتماعية، وأحزابه وقواه السياسية والاجتماعية ونقاباته العمالية ولجان مقاومة التطبيع أن تغضب، وتعرب عن سخطها واستنكارها لهذا القانون، الذي في جانبيه الاقتصادي والسياسي يلحق أضراراً بالغة بالشعب الأردني.
خبراء الاقتصاد ركزوا على بنود كثيرة سلبية على رأسها الجانب المتعلق بالضريبة والإعفاءات والحوافز والتخفيضات في الرسوم، والصلاحيات الجديدة لرئيس الوزراء (تقديم إعفاءات إضافية وحوافز بغض النظر عن جنسية المستخدم). اضافة إلى إلغاء أي قيود لكمية الاستثمار الأجنبي داخل المناطق التنموية أو المناطق الحرة، ومنح المستثمرين الأجانب الحق في سحب كامل مبلغ الاستثمار المستثمر، ونقل أي مكاسب أو سحب وبيع حصة المستثمر.
يقول المدير التنفيذي الأسبق لمؤسسة تشجيع الاستثمار، أن القانون الجديد لا يخدم الأردن، ويؤكد مدير غرفة صناعة الأردن أن القطاع الصناعي يتحفظ على مشروع القانون كونه يتضمن بنوداً لا تخدم الأردن، وستكون له آثار سلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في حال تم نقل المصانع إلى داخل المناطق التنموية، مما يؤدي إلى فقدان العديد من فرص العمل القائمة حالياً.
وفي هذا الجانب ايضاً، ندد خبراء آخرون بالقانون وتحفّظ عدد منهم على ما ورد في المادتين (16و15) وما تلحقانه من أضرار بالمصانع الأردنية خارج المناطق التنموية.
الجانب الأكثر خطورة، ما يتعلق للسماح للعدو الإسرائيلي بالاستثمار داخل حدود الأردن، وما يعكسه ذلك من علاقات تطبيعية فاضحة مع العدو، وما يمكن أن يمثله المال الصهيوني داخل حدود البلد، فهناك من رأى في مشروع القانون محاولة لخلق علاقات تطبيع اقتصادية رسمية بعد أن فشلت الحكومة في تحقيق تطبيع اقتصادي شعبي.
ولقد وصف مراقبون إعلاميون وخبراء في الاقتصاد، أن السماح للشركات الإسرائيلية بالاستثمار داخل حدود الأردن يعد خطوة تطبيعية هي الأخطر منذ معاهدة وادي عربة عام (1994)، وأضافوا أن “إسرائيل” أصبحت شريكاً أساسياً في الاقتصاد الأردني.
كذلك وصفه بعض المراقبين أي القانون، بأنه هدية عظيمة لدولة الاحتلال، وقال رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابية مناف المجلي، إن الإستراتيجية الرسمية تسعى حالياً إلى تعزيز العلاقة الاقتصادية الحكومية مع الجانب الإسرائيلي.
ويرى مراقبون، أن هناك علاقة وطيدة بين تبعية الأردن الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة ووضع هذا القانون ليكون الأردن بوابة العبور الإسرائيلي للمنطقة العربية، ولقد تم وضع اللوم على مجلس النواب الذي أثبت أنه لا يمثل الشعب الأردني، ويخضع للضغوط.
لقد نتج عن إقرار هذا القانون موجة من الاحتجاجات، والاستنكار والشجب، ولا زال الضغط على الجهات الرسمية للتراجع عن عذا القانون قبل أن تقع الفأس بالرأس كما يقول المثل.
وإذا أردنا الحديث باختصار عن الاستثمار الأجنبي الذي أصبح يغري ويفتح شهية بعض الدول النامية، نشير إلى أن مصطلح الاستثمار المباشر كان قبل أن تروّج له الدول الرأسمالية والإعلام والمتعددة الجنسيات، مصطلحاً مكروهاً، تفوح منه رائحة أطماع ولعاب طواغيت المال الغربيين في الهيمنة على مقدرات الدول النامية، ومنعها من تطوير صناعاتها وإبقائها تتلطى على أبواب مصانع الغرب الاستعماري.
كل هذا منذ ستينات القرن الماضي، حتى انتشرت نظريات الرأسمالية مثل اقتصاد السوق، والسوق الحرة، ومنظمة التجارة، والعولمة وغيرها من النظريات التي فتحت أبواب دول نامية وعاثت فيها، فيما دول نامية أخرى كانت قد فهمت اللعبة وأيقنت أن في الاستثمار المباشر للأجنبي نتائج وخيمة أقلها تكريس تبعية البلدان الفقيرة وتحويل اقتصادياتها إلى اقتصادات ريع تعيش على الشحدة والقروض والمنح، كما وأدت إلى تدخلات سياسية وأضعفت الشركات المحلية، لكن مع الأسف كان الأردن من بين البلدان التي لم تأخذ بتجارب الدول المتحررة وسقطت فريسة وحش الرأسمال سواء الأجنبي أو المحلي، بحيث أصبح الإفلات من أنياب هذا الرأسمال صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً.