الدعم المالي الخليجي للأردن نعمة أم نقمة
لم تكن علاقات دول الخليج مع الأردن في أي مرحلة من المراحل علاقات واضحة وصريحة، ومن يتابع مجريات وتطورات هذه العلاقات يجدها علاقات معقدة ومركبة، وليست كما يصفها الرسميون الخليجيون والأردنيون بأنها علاقات تقوم على الأخوة والمصالح المشتركة وأن الأردن بوابة الأمن الغربية لدول الخليج. فلطالما خرج مسؤولون أردنيون عن طوعهم خاصة عندما كانت تنفجر الأزمات الاقتصادية والاحتجاجات على الغلاء والبطالة والفقر، لكن دول الخليج كانت فقط تغرق الأردن بالوعود والنخوة الفارغة وكأنها كانت تقدم للأردن حبوب تخدير ليس إلا.
في عام 2011 عندما انفجر الوضع الشعبي في الأردن واجتاحت المظاهرات المدن الأردنية، تحدث صحفي على موقع إيلاف السعودي قائلاً: “إلى الأشقاء في الخليج، لا تفرطوا في الأردن في هذه المرحلة العصيبة، على السعودية أن تحمي النظام الأردني من شعبه الغاضب”.
في ذلك الوقت، وبسبب تأخر الدعم، غادر وزير الخارجية ناصر جودة إلى الإمارات المتحدة، لطلب الغوث من صديقه عبدالله بن زايد، لكن بن زايد أعلن بأن الوضع يحتاج إلى دراسة، والدراسة تستغرق وقتاً.
كانت حكومة عبدالله النسور حينذاك قد رفعت الدعم عن المحروقات حتى وصلت الضريبة المفروضة على المشتقات النفطية 50% غير عابئة بالاحتجاجات، مبررة هذا الإجراء بتنامي عجز الموازنة بما يقدر بــ 3 مليار دينار، كما تعثرت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بسبب اشتراطاته القاسية التي تمس الشرائح الفقيرة من الشعب الأردني وتثقل كاهله، وتزيد نار الاحتجاجات اشتعالاً، وساد انطباع لدى الأردنيين بأن السعودية تخلت عن الأردن، وتركته يواجه مصيره الصعب.
في تلك المرحلة، عقدت دول مجلس التعاون قمة استثنائية وذلك في 10/5/2011، وقررت الترحيب بانضمام الأردن لدول المجلس، لم يكن القرار واضحاً، كما لم تتبعه إجراءات عملية، ساد الفرح أوساط واسعة رسمية وشعبية أيضاً، فقد راهن الأردن في الحصول على دعم وانتفاح سوق العمل الخليجي أمام العمالة الأردنية، ووصلت النشوة لدى الأردن بأنه سوف يتخلص من مشكلتي الفقر والبطالة، وتعديل الميزان التجاري، وسوف تتدفق تحويلات الأردنيين الذين سينتشرون في الخليج، ويعمل على الحد من المديونية الثقيلة، والعجز في الموازنة، لكن بعض دول الخليج قالت، تمهلوا، إن ذلك يحتاج إلى تعديل القوانين، فيما البعض اعترض على ضم الأردن، ومنذ ذلك الحين، تبخر قرار الترحيب بضم الأردن للمجلس ولو كعضو غير مكتمل العضوية.
في ذلك الوقت فقدت حكومة النسور أعصابها، وهدد النسور نفسه بأن الاحتجاجات الشعبية في الأردن سوف تصل إلى طرف ثوب الخليج إن لم يكن الثوب كله، وقال في مؤتمر صحفي، إن حصل شيء سيء في الأردن سيدفع دول الخليج لإنفاق نصف ثروتها في تدبير منظومة صواريخ دفاعية.
لكن لا يمكن القياس على تلك المرحلة من العلاقات، فمما لا شك فيه، أن دول الخليج حريصة كل الحرص على أمن واستقرار الأردن، والحيلولة دون سقوط النظام فيه، وانتشاله عن حافة الهاوية كلما انزلقت قدماه، ولكن على قاعدة لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم.
وهي بالطبع قادرة على حلحلة كل أزماته الاقتصادية وتمتلك فائضاً نقدياً يصل إلى 2 – 3 تريليون دولار، لكن من الواضح أنها لا تسعى إلى ذلك، بل تسعى إلى جعل الأردن في حاجة دائمة لها، لكي ينفذ كل طلباتها وهي إلى جانب ذلك، تأخذ عليه أنه لا يعالج الفساد ولا يكف عن الشكوى كلما تعرض إلى مأزق اقتصادي لذلك، لا يمكن إنكار أن دول الخليج قدمت ولا زالت تقدم الدعم المالي والمساعدات الاقتصادية له، ولكن بدون انتظام، فهي تتلكأ وتماطل في إيصال هذا الدعم في الغالب، فقد وصف أحد الوزراء السابقين في حكومة النسور المساعدات السعودية للأردن بأنها كانت دائماً مشروطة بمبررات إنسانية، ومنطقة عازلة في منطقة درعا جنوب سوريا.
لا شيء مجاني إذن، هي تريد الأردن أن يكون باستمرار تحت الطلب، دون أي اعتبار لظروفه وموقعه الجيوسياسي، وعلاقاته الإقليمية، والأردن بعد أن فقد أوراق الضغط التي كانت بحوزته ولم يعيد هيكلة اقتصاده بحيث تصبح المعونات والمنح الخليجية وغير الخليجية من المسائل الثانوية، أصبح رهينة المزاج الخليجي، لم تعد دول الخليج مثلاً بحاجة للأردن لكي يكون جسراً سرياً بينها وبين الكيان الصهيوني، فقد أصبحت علاقاتها بالكيان مكشوفة وعلنية، وحتى دعم الأردن الأمني والعسكري لم يعد ضرورياً بعد أن حصلت على العون الأمني والعسكري والسياسي من مصر علاوة على دعم الولايات المتحدة وتركيا، إضافة إلى أنها دربت الآلاف من مواطنيها على أيدي دول عديدة.
أما تهديدات الأردن بأنه يمتلك بدائل، فقد أصبحت لا تخيف أحداً، فعندما عرضت إيران تزويد الأردن بحاجته من النفط لمدة 30 عاماً مجاناً لم تأبه دول الخليج بهذا العرض، لأنها تعرف أن الأردن لا يملك الجرأة لقبول العرض الإيراني.
على كل حال، أوفت بعض دول الخليج ببعض تعهداتها، كالمنحة التي قررتها منتصف عام 2011 وقدرها 5 مليار دولار وذلك لتمويل مشاريع إستراتيجية كالطاقة والنقل والمياه، لقد تسلم الأردن المنحة باستثناء دولة قطر وتبلغ حصتها من المنحة 1,250 مليار دولار.
وكانت السعودية قدمت للأردن خلال الفترة من 2011 – 2014 ما مقداره 3 مليار دولار على ما أفاد به تقرير صندوق النقد الدولي وقامت بتخصيص مبلغ 1,250 مليار دولار مساعدات خارج إطار الصندوق الخليجي ودعم الموازنة تم إيداع 250 مليون لتمويل المنحة و200 مليون دولار لدعم الخزينة، وتعتبر السعودية الشريك التجاري الأول والأهم للأردن، حيث بلغ حجم التجارة البينية العام الماضي 3982,2 مليون دينار منها 523,5 مليون صادرات أردنية و3458,6 مليون صادرات سعودية، وبلغ حجم الاستثمارات حوالي 1,335 مليار دينار بين 1995 – 2011 وفي بورصة عمان 1,28 مليار دينار مع نهاية 2012.
ومع انخفاض أسعار النفط لأكثر من 70% من سعره قبل منتصف عام 2014، ولكون الاقتصاد السعودي ريعي، فقد تأثر الاقتصاد السعودي سلباً، ومدت الحكومة يدها إلى الاحتياطي النقدي، ومع ذلك لم ولن يكون لذلك أي تأثير على المساعدات للأردن، ولو أن الخليجيون استخدموا ذلك كذريعة لوقف المساعدات لعدة مرات.
وبصراحة، الأردن يتحمل جزء رئيسي من المسؤولية، إذ لم تحدث كل المساعدات والمنح والقروض الخليجية والدولية أي تطور إيجابي في الاقتصاد، فالمديونية وصلت إلى 24,7 مليار دينار تشكل 90% من الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات الفقر والبطالة ارتفعت بمعدلات قياسية، واستمرت حالة الركود، واستمر الفساد يستشري في أوصال النظام.
وبدلاً من أن يوظف الأردن ما تدفق عليه من مساعدات ومنح من دول كثيرة في العالم، سمح الفساد بتسربها إلى جيوب الفاسدين، واستمر الأردن بذات النهج الاقتصادي والسياسي دون أي إصلاح مديراً ظهره لمطالب الشعب أي أنه استخدم المساعدات لرفاهية النظام وليس لرفاهية الشعب، يحث يمكن القول أن تلك المساعدات كانت وبالاً على الاقتصاد ولم تكن ذات مردود تصحيحي.