مقالات

الصهيونية والدين اليهودي/ بقلم: محمد محفوظ جابر

الصهيونية هي حركة سياسية برجوازية استعمارية سخرت الديانة اليهودية لتحقيق مصالحها الطبقية عبر تجميع يهود العالم فوق أرض فلسطين وإقامة دولة يهودية هي “إسرائيل”، هي إذن ليس حركة دينية، ونستطيع أن نؤكد على ذلك عبر تشكيل الحكومات التي قامت بعد احتلال فلسطين عام (1948) وهي حكومات علمانية ولم تنشأ حكومة دينية حتى الآن بعد مرور (68) عاماً على إنشاء الكيان وهذه دلالة على أن القضية ليست قضية “أرض الميعاد” وأن الجانب الديني هو وسيلة للوصول إلى “أرض الميعاد” فقط وأن شرعية وجود “إسرائيل” مرتبطة بقرار الأمم المتحدة رقم (273) في الدورة (3) بتاريخ (11 أيار 1949).

وهذا بالطبع عكس شرعية فلسطين العربية من النهر إلى البحر والمرتبطة بتاريخ الشعب الفلسطيني على هذه الأرض وتطوره وحضارته التي بدأت منذ أيام الكنعانيين.

لقد انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في (29 آب 1897) في بال سويسرا وناقش البرنامج الصهيوني الذي عرف لاحقاً باسم “برنامج بال” وكذلك ناقش إعلان قيام المنظمة الصهيونية العالمية هذه المنظمة هي التي قامت بتوحيد اليهود في العالم خلفها وهي التي قادت اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين والإقامة فيها من خلال تعبئتهم بالشعور القومي وجعلهم قوة سياسية.

إذن لم يكن هناك قيادة دينية يهودية تشكل مرجعية لليهود في العالم كما لم يكن هناك قيادة دينية يهودية تطالب اليهود بالهجرة إلى فلسطين لأنها “أرض المعياد” بل تشكلت قيادة سياسية نتيجة المؤتمر الأول الصهيوني ولم تشكل قيادة دينية توحد اليهود وتقودهم إلى الهجرة إلى فلسطين “أرض الميعاد” كما يطلق عليها المتدينون اليهود.

إن خيار “أرض الميعاد” هو استغلال القيادة السياسية لموروث ديني ويؤكد على ذلك مناقشة خيار الأرجنتين وخيار أوغندا وهذه الدول لم يكن لها علاقة بالديانة اليهودية فكيف وضعت على جدول أعمالهم وكيف تناقش وتقدم الدراسات حول امكانية إقامة دولة يهودية في الأرجنتين أو في أوغندا لو لم يكن المشروع الصهيوني مشروعاً سياسياً وليس دينياً، يقول هيرتسل في كتابه “دولة اليهود”: “هل نختار فلسطين أم الأرجنتين؟؟ إننا سنأخذ ما يعطى لنا ما يختاره الرأي العام اليهودي. والجمعية هي التي ستنظر في هاتين النقطتين وتقرر بشأنهما”.

ويرى هيرتسل في كتابه: “إن أراضي الأرجنتين من أخصب أراضي العالم ومساحتها شاسعة وعدد سكانها قليل ومناخها معتدل”. هذه المواصفات الكافية لإقامة دولة اليهود تؤكد أن القضية ليست “أرض الميعاد” بل هي “مشروع استثماري” استعماري.

علماً بأن يهود أوروبا هم من سلالة القبيلة الثالثة عشرة من مملكة الخزر في أواسط آسيا والتي تهود حاكمها بولان سنة (740 م) وكان الخزريون وثنيين وتبعته الطبقة الحاكمة في التهود فكانت دولة الخزر اليهودية، كما يؤكد الباحث اليهودي البلغاري أرثر كوستار.

كما أثبت المفكرون والباحثون الذين جمعهم هنري فورد للقيام بعمل بحث من أربع مجلدات أن

“يهود اليوم ولا سيما الأميركيون منهم، ليسوا شعب الله المختار”.

لقد قرر هيرتسل أن المسألة قومية لا يمكن حلها إلا عن طريق تحويلها إلى قضية سياسية عالمية وأن هذا يعني بالتحديد أن يمنح اليهود السيادة  ” فوق رقعة أرض ” ولم تكن فلسطين هي الخيار الوحيد كما طالب بإنشاء شركة يهودية على غرار الشركات الاستعمارية بتوطين المستعمرات الأوروبية واستغلال الموارد والسيطرة عليها.

إذن ما أراده هيرتسل هو مستعمرة يسيطر عليها وكانت فلسطين في النهاية هي الحل للمسألة اليهودية.

قد حدد المؤتمر الصهيوني الأول هدف الصهيونية بما يلي:

“إن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام”.

أما وسائل تحقيق هذا الهدف فكانت:

1_ العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق
أسس مناسبة.

2- تنظيم اليهودية العالمية وربطها بواسطة منظمات محلية ودولية تتلائم مع القوانين المتبعة في كل بلد.

3_ تقوية وتغذية الشعور والوعي القومي اليهودي.

إن استعمار فلسطين هو الهدف من إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية ولكن استغلالها للدين اليهودي شجع نمو التيار الديني المتطرف داخل “إسرائيل” وبالتالي انتشرت ظاهرة العنصرية ضد العرب في فلسطين ولكي يحل الترحيل القسري والقيام بالمذابح البشرية مما أدى إلى تهجير جزء كبير من الشعب الفلسطيني للقيام بإحلال المهاجرين اليهودي فكانت “إسرائيل” بحق دولة استعمارية عنصرية استيطانية واحلالية.

لقد أثبتت الأيام الأخيرة ازدياد قوة التيار الديني داخل “إسرائيل” وازدياد العنصرية لدى المستوطنين اليهود ولا تستطيع أن تفرق بين ممارساتهم وممارسات “داعش”، فإن حرق الطفل أبو خضير بعد سكب النفط عليه في مدينة القدس وحرق عائلة الدوابشة في منطقة نابلس والتغني بأعمال الحرق هو إرهاب لا يختلف عن حرق “داعش” للطيار الأردني معاذ الكساسبة، كما وقد ازدادت عمليات خطفهم للاطفال وقتلهم لهم. وقد ازدادت نسبة الدواعش الصهيونية وظهرت نتائج ذلك في تمثيلهم في الكنيست الاسرائيلي وهم يتقربون يوماص بعد يوم من استلام السلطة وسوف يكون خطرهم أكبر من خطر داعش الإسلامية لأن داعش اليهودية لها امتداد عالمي وهيمنة على اقتصاد وإعلام العالم يسهل لها القيام بجرائمها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى