فتح الحراك الشعبي العربي الذي انطلق عام 2011، الآفاق ورفع سقف الآمال والتوقعات الشعبية، بحدوث تغييرات تفضي إلى دول تحترم الدستور وحقوق الإنسان والإعلاء من شأن مبدأ دولة القانون. إلا أن مسيرة الأحداث دللت على نجاح تلك الدول العربية في التعامل مع الحراك ولكن ليس على قاعدة الاستجابة لتلك المطالب، بل على قاعدة احتواء الحراك والالتفاف على مطالبه، والتراجع عن كل ما ولّده من آمال لدى الشعوب العربية.
بل إن الأدهى من كل ذلك، أن النزعة السلطوية لدى تلك الأنظمة بل والاستبدادية، راحت تتعزز من خلال سعيها لإعادة النظر بالدساتير وتعديلها وفق أهوائها ومشيئتها وبما يمكّنها من إحكام قبضتها على السلطة، بدلاً من أن تكون تلك الدساتير مدخلاً بل عاملاً أساسياً للتوافق والتفاهم بين الحكام والشعوب.
ضمن هذه الرؤية العربية العامة، يمكننا فهم ما جرى من تعديلات دستورية قدمتها الحكومة تتناقض بالكامل مع روحية مطالب الحراك الشعبي الأردني. هذا الحراك الذي أكد على وجوب احترام مبدأ أن الشعب مصدر السلطات، وأكد على احترام مبدأ الفصل بين السلطات.
إن ما جرى من تعديلات دستورية يقود أولاً وأخيراً إلى تجريد الحكومة من العديد من الصلاحيات، الأمر الذي يتم فيه تغييب عملية المساءلة في تلك الصلاحيات. ويأتي هذا التعديل في الوقت الذي تطالب فيه الناس بإعطاء الحكومات حقها في الولاية العامة. إن مثل هذه الخطوة ستقود حتماً إلى تقويض مبدأ (دولة القانون والمساءلة).
لقد ترافق إجراء التعديلات مع مؤشر كبير على التراجع في مستوى الحريات، والتضييق بشكل رئيسي على حرية الرأي والتعبير، واستهداف الصحفيين، واستهداف الحراك الشعبي المطالب بالتعبير عن رأيه، بصورة باتت لافتة للنظر لأي مراقب. الأمر الذي قاد إلى أن يحتل الأردن موقعاً متأخراً في مستوى الحريات العامة، حسب تقارير المؤسسات الدولية.
إن غياب الضبط لهذا التراجع في حرية الرأي، ترافق كذلك مع حالة اقتصادية صعبة، وإيغال حكومي بفرض المزيد من الضرائب واعتماد سياسة اقتصادية تؤدي حتماً إلى إفقار الناس وتجويعهم.
إن هذه الصورة من التراجع وضرب آمال الناس من شأنها تعزيز الأصوات المطالبة بالخروج إلى الشارع وعودة الحراك الشعبي لإيصال أصوات والمطالب إلى صنّاع القرار، بعد أن أقر النواب تلك التعديلات وأخفق في حماية الدستور من العبث الحكومي.