أسعار الكهرباء.. من جديد/ بقلم: جمانة غنيمات
كانت الحكومة قد تعهدت بعدم رفع أسعار الكهرباء خلال العام الحالي؛ الأمر الذي قوبل بارتياح واستحسان شديدين من المواطنين عموماً.
إلا أن الحكومة ذاتها استدركت سريعاً على تعهداتها تلك، بأن أضافت عبارة “طالما بقيت أسعار النفط منخفضة”؛ ما يعني أن النوايا البدهية، وإن لم تُقل صراحة، تتجه إلى إمكانية زيادة تعرفة الكهرباء في حال ارتفعت أسعار النفط عالمياً!
السيناريوهات متوفرة لدى الحكومة، وثمة معايير ستتبعها بشأن الاستمرار بسياسة عدم رفع التعرفة، أو الانقلاب عليها. وقد بُني أحد هذه السيناريوهات على أساس أن ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما يزيد على 45 دولارا، سيعني عودة شركة الكهرباء الوطنية إلى تكبد الخسائر، والتي ستؤدي بدورها إلى ارتفاع المديونية العامة.
اليوم، يقترب متوسط أسعار النفط عالمياً من الرقم السابق، ما يفتح الباب من جديد لبحث قرار زيادة تعرفة الكهرباء. مع ضرورة الإشارة إلى أن هذه الزيادة لن تشمل شرائح الاستهلاك العليا التي تدفع الآن فعلاً المبلغ المستحق عليها من دون دعم حكومي، وهي مصدر تحقيق الربح لـ”الوطنية”. ومن ثم سيمسّ قرار الزيادة المحتمل شرائح الاستهلاك الدنيا والمتوسطة، التي ستعود الخزينة إلى دعمها في حال تحركت أسعار النفط نحو الارتفاع. وطبيعي أن يكون مثل هذا القرار أصعب بكثير من المس بالشرائح العليا.
على الأغلب، سيكون القرار متعلقا أساساً بالشرائح المتوسطة، المنتمية للطبقة الوسطى، مع تناسٍ تام لما تؤكده كل الدراسات من تآكل هذه الطبقة، بانزلاق كثير من أفرادها إلى ما دون ذلك. وهو الواقع الذي يعني أن هذه الطبقة لا تحتاج مزيدا من قرارات زيادة الأسعار “النسورية”، إن أريد لها التماسك والحفاظ على وضعها الحالي.
قبل أن تقدم الحكومة على زيادة تعرفة الكهرباء، عليها دراسة شبكتها للأمان الاجتماعي، كما مراجعة بنود الدعم للشرائح الفقيرة في المجتمع، للتأكد من وجود مخصص مالي لتعويض هذه الشرائح عن رفع الأسعار، وبالتالي ضمان السيطرة على أبعاد القرار وردود الفعل عليه.
ومن المسائل التي تحتاج إلى تحضير، تلك المتعلقة بآلية توزيع الدعم النقدي، ومدى دقة قاعدة البيانات المتوفرة، وتحديد المعايير المطلوبة لتقديم الدعم لمن يستحق. إذ إن تجاربنا في تقديم الدعم النقدي طالما عانت من تشوهات واختراقات، فهل ستتقن الحكومة ما عليها هذه المرة، أم ستُقدم على الخطوة من دون دراستها بعناية؟
بصراحة، موقف الحكومة صعب. فهي، من ناحية، تدرك أن ارتفاع أسعار النفط سيضر بالاقتصاد ويزيد من العوامل الضاغطة عليه. لكنها، ولاسيما رئيسها د. عبدالله النسور، تدرك من ناحية أخرى، حساسية مخاطر الإقدام على زيادة الأسعار في نهاية عمر الحكومة التي اتخذت كثيرا من القرارات المماثلة، حتى صار يلاحقها وصف “حكومة الجباية”.
من جديد؛ القصة ليست فنية بحتة تخضع لمعادلة رياضية بسيطة؛ بأن “1+1 = 2″، بل هي خلطة معقدة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية التي تتعدى ذلك، وصولا إلى تحقيق منظومة الأمن الشامل. ولو كان القرار رياضيا، ومداخيل الأردنيين في ازدياد، فلا ضير من اتخاذ القرار.
وكذلك، لو كانت شبكة الأمان الاجتماعي حاضرة، لقلنا أيضا إنه “لا ضرر ولا ضرار”. لكن القصة أعقد من ذلك بكثير.
القرار بشأن تعرفة الكهرباء يقوم على حسابات الربح والخسارة للوطن، وليس لشركة الكهرباء الوطنية. وعلى من يفكر في اتخاذ هذا القرار دراسته بمختلف أبعاده، وضمان نتائجه قبل أن يقدم عليه. وفي حال إقدام الحكومة على زيادة أسعار الكهرباء، وفق المعطيات القائمة، فإنها ستكون كمن يقول لنا إن عملها مجزوء؛ ففي الوقت التي تعجز فيه عن تحقيق أرقام نمو وتنمية حقيقية تخفف من همّ الناس الاقتصادي، نراها تسارع إلى اتخاذ قرارات صعبة، في نموذج صارخ على السياسات العرجاء.