أخبار محلية

عمال الأردن في عيدهم: غياب القضايا المركزية وتراجع في حراكهم وانتظار “رحمة” حكومية لرفع الحد الأدنى للأجور

  • الخطيب: بدون وجود حركة نقابية عمالية ومهنية فعّالة وديمقراطية وحرة ومستقلة، فإنه لا وجود للديمقراطية الحقيقية
  • جرار: تدخل الأجهزة الحكومية وتغوّل الإدارات على القيادات النقابية العمالية، أدى إلى تقييدها وإزاحتها عن دورها في المشاركة في صياغة القرار السياسي والاقتصادي
  • عوض: لم تنضج تجربة الحراكات النقابية الجديدة بعد لكي تطور قدراتها ونهجها في ربط قضايا تحسين شروط العمل بالنموذج الاقتصادي الذي يتم تطبيقه والسياسات المنبثقة عنه

يحتفل عمال الأردن بعيد العمال العالمي، في ظل أوضاع اقتصادية وحقوقية ومعيشية صعبة. فالحد الأدنى للأجور لا يزال على حاله منذ أن تم رفعه في عام 2012 بمقدار 40 دينار (تم رفع الحد الأدنى للأجور في عام 2012 من 150 دينار ليصبح 190 ينار). وذلك على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم في السنوات الأربعة الأخيرة وتزايد المطالبات العمالية برفع الحدالأدنى للأجور بمقدار 50 دينار كحد أدنى.

ولاتزال النقابات العمالية أسيرة السيطرة الحكومية عليها في ظل قوانين تقيّد فتح المجال للعمال للانخراط فيها ومنع حرية تنظيم العمل النقابي.

وعلى الرغم من الحجم الكبير للاحتجاجات العمالية في السنوات الأخيرة، إلا أنها بقيت محددة بقضايا مطلبية، ولم ترتقِ لربط المطلبي بالتغيير الوطني الديمقراطي. كما شهدنا تراجعاً كبيراً في حجم هذه الاحتجاجات ناتج عن تراجع الحراك الشعبي وعودة القبضة الأمنية. حيث انخفضت الاحتجاجات العمالية من 890 احتجاجاً عام 2013، لتنخفض إلى أقل من 480 احتجاج عام 2014.

غياب عن نضالات التغيير الديمقراطي

ويرى الناشط النقابي العمالي الأستاذ جمال جرار أن فقدان الحركة العمالية لعوامل الحماية الاجتماعية والأمن الوظيفي بسبب عدم وجود مظلة نقابية حقيقية تقوم بحماية العمال وتعمل على خدمة مصالحهم وتعمل على تحسين ظروفهم المعيشية، كما أن غياب الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات العمالية أدى إلى غياب دور الحركة العمالية في المشاركة في القرار السياسي والاقتصادي، وأدى إلى انعدام الشراكة بين الطبقة العاملة التي تشكل غالبية المجتمع وبين الحكومات، مما أدى إلى تراجع الوضع السياسي والاقتصادي وغياب الديمقراطية بمعناها الحقيقي وتراجع الحريات العامة.

ولفت جرار في حديثه لـ نداء الوطن، أن وجود نقابات ضعيفة ليس لها هيئات عامة ولا يوجد فيها انتخابات ديمقراطية، بل أن الهيئات الإدارية تبقى راكدة فيها لعدة دورات، ويأتي أعضاءها بالتزكية أو التعيين. كما أن وضع الاتحاد العام لنقابات العمال بصيغته الحالية الذي هو في الغالب عبارة عن هياكل نقابات عمالية كرتونية تخدم أصحاب العمل والحكومة أكثر مما تخدم العمال، جعل الطبقة العاملة طبقة ضعيفة من جهة، وليس لها أي دور في التخطيط ورسم السياسات الاقتصادية لزيادة النمو الاقتصادي بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج بما ينعكس إيجابياً على الإنتاج القومي للدولة ويخدم مصلحة المجتمع بشكل عام. كما أن تدخل الأجهزة الحكومية وتغوّل الإدارات على القيادات النقابية العمالية، أدى إلى تقييدها وإزاحتها عن دورها في المشاركة في صياغة القرار السياسي والاقتصادي.

فيما يرى الأستاذ أحمد عوض مدير مركز الفينيق والمرصد العمالي، أننا لا نستطيع القول أن الطبقة العاملة غابت برغبة عن لعب دور أساسي في عملية التغيير (التحول) الوطني الديمقراطي الأردني، إذ أن مشاركتها عادة ما تكون من خلال تعزيز حضورها من خلال منظمات نقابية من أهم سماتها الاستقلالية والديمقراطية، ولأن هذه السمة غابت عن المنظمات النقابية العمالية الأردنية ولعقود طويلة مضت، وما زالت تغيب، فإن دورها في تمثيل الطبقة العاملة كتعبير اجتماعي عن هموم الطبقة العاملة وتطلعاتها في النضال من أجل بناء توازنات اجتماعية مع مكونات المجتمع الأخرى وعلى وجه الخصوص أصحاب الأعمال والحكومات، وعادة ما يتم هذا من خلال الأدوات النقابية المتعارف عليها من مفاوضة جماعية واحتجاجات بمختلف أشكالها.

ويشير الأستاذ عوض في تصريح أدلى به لـ نداء الوطن، أن النتيجة الحتمية لحرمان العاملين في الأردن بمختلف أنواعهم من حقهم في تنظيم أنفسهم بمنظمات نقابية مستقلة وديمقراطية، أن سيطر على غالبية النقابات العمالية في الأردن مجموعة من الأشخاص الذين وصلوا إلى قيادتها بشكل غير ديمقراطي، ووضعوا أنظمة داخلية مركزية، سواء على مستوى النقابات أم اتحاد نقابات العمال، مكّنتهم من السيطرة على رسالة الحركة النقابية العمالية الأردنية، ومكّنتهم هذه الأنظمة (وتعاونهم من العديد من المؤسسات الرسمية المتنفذة، ومنظمات أصحاب العمل)، كذلك من استمرار السيطرة عليها مصالحهم ومنافعهم الشخصية واستمرار المحافظة عليها، بالتالي سرقة مصالح وتطلعات العاملين في الأردن. لذلك هم يحاربون بشكل شرس كافة محاولات عمال الأردن في القطاعين العام والخاص من تشكيل منظمات نقابية جديدة، وبذلك تكرست عملية احتكار تمثيل عمال الأردن بالقوة القانونية والسياسية.

ويعتبر الرفيق جميل الخطيب مسؤول الدائرة العمالية في حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، أن الحلف الطبقي الحاكم أدرك بعد فترة المد الوطني في الستينات وتنامي دور الأحزاب الوطنية والتقدمية واليسارية ومعها الحركة العمالية والنقابية وتحقيقها العديد من الحقوق والمكتسبات العمالية والنقابية نتيجة نضالاتها وتضحياتها، أهمية دور النقابات العمالية ودورها في التصدي للسياسات الحكومية المتعاقبة المعادية لمصالح العمال، فحاولت السيطرة الكاملة على اتحاد النقابات العمالية واحتوائه وعزله عن قاعدته العمالية بكل الأساليب من قمع وحرمان ومطاردة للقيامات النقابية المناضلة، وشراء البعض الآخر من هذه القيادات الانتهازية.

ويكمل الرفيق الخطيب في اتصال أجرته نداء الوطن، “بالإضافة إلى إجراء تعديلات جوهرية على قانون العمل والعمال تقيد حركة النقابات من خلال التصنيف المعني الذي حصر عدد النقابات بــ 17 نقابة عمالية وأعطى صلاحيات مطلقة للوزير بحل النقابات العمالية وتأسيسها وفق رؤية ومصالح النظام، لقد مارست الحكومات المتعاقبة سياسة الإقصاء المنظم للطبقة العاملة وتنظيمها النقابي، وغاب الاتحاد العام للنقابات العمالية الرسمي عن المشاركة في الحياة العامة نتيجة غياب آليات العمل الديمقراطي وتزوير الانتخابات وتعقيد عمليات الترشيح للانتخابات العمالية، بالإضافة إلى حرمان العاملين في القطاع العام من حق التنظيم النقابي الذين يشكلون ثلثي القوى العاملة.”

الطبقة العاملة وانحصار نضالاتها بالقضايا المطلبية

حراك العمال الذي بدأ بالتصاعد منذ عام 2006، وكان شرارة انطلاق الحراك الشعبي في عام 2011، بقي منحصراً في القضايا المطلبية بعيداً عن ربط هذه القضايا بالنهج الاقتصادي والسياسي للحكومة

ويرى الأستاذ أحمد عوض أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى أن الحراكات العمالية الجديدة والمستقلة تخوض معركة قوية لتأكيد شرعيتها ووجودها، إذ أنها ملاحقة في أعمالها وفي استمرار وتشنج الحكومة وأصحاب الأعمال والنقابات العمالية الرسمية واتحادها العام في الاعتراف بها، حيث رفضت كافة محاولات إجراء تعديلات على قانون العمل أو إصدار قانون جديد لتنظيم العمل النقابي استناداًإلى التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2011، وقرار المحكمة الدستورية رقم ستة لعام 2013، بما يسمح لها بالوجود. لذلك لم تنضج تجربة الحراكات النقابية الجديدة بعد لكي تطور قدراتها ونهجها في ربط قضايا تحسين شروط العمل بالنموذج الاقتصادي الذي يتم تطبيقه والسياسات المنبثقة عنه، فهي بحاجة إلى مزيد من حرية العمل ليتسنى لها لعب هذا الدور.

فيما يعتبر الناشط العمالي جمال جرار أنه ظل قصور التشريعات وعدم دعمها للحقوق العمالية والعمل النقابي بشكل كافي وفي ظل التشوهات في النظام الداخلي بالاتحاد العام لنقابات العمال والنقابات العمالية، حيث أن هذه الأنظمة تصاغ لمصلحة فئة معينة بسبب الترشيح والعضوية وفي ذلك بالإضافة إلى التدخلات الخارجية في الحركة العمالية وتغول أصحاب العمل والإدارات على النقابيين وتوجيه العقوبات لهم يضاف إلى ذلك أزمة الثقة بين الاتحاد العام والقواعد العمالية، كما أن قلة عدد المنتسبين إلى النقابات العمالية الذين لا يصل عددهم إلى (80) ألف عامل بنسبة (3 _ 4%) من أصل مليوني عامل.

ويرى الأستاذ جرار أن عدم فتح باب الانتساب من قبل النقابات أمام العمال كل ذلك أدى إلى إضعاف الحركة العمالية وحصر دورها في تقديم مجموعة من المطالب لتحسين ظرف منسبيها وشورط عملهم وغالباً ما تلاقي هذه المطالب تعنتاً من قبل أصحاب العمل بدعم من الحكومة ولا يتحقق من هذه المطالب إلا الشيء اليسير في معظم الأحيان.

فيما يلفت الرفيق جميل الخطيب إلى أنه نتيجة للموقف المعادي وسياسة السيطرة والاحتواء من قبل الحلف الطبقي الحاكم والإجراءات الأمنية ضد كل حراك مطلبي سواء من قبل الأحزاب التقدمية واليسارية أو النقابية، هذه الأجواء السيادية بالإضافة إلى غياب دور الاتحاد العام لنقابات العمال الأردني الحكومي عن المساهمة في الحياة العامة ودفاعه عن سياسات الحكومة المعادية لمصالح الطبقة العاملة، وغياب التشريعات العمالية الديمقراطية ومخالفتها لمعايير العمل الدولية وحقوق الإنسان.

كل هذه العوامل وفق الرفيق الخطيب، خلقت حالة من غياب الوعي الحقيقي لدور الحركة النقابية المساهمة في رسم السياسة العامة للبلاد والمساهمة في التغيير الوطني الديمقراطي، وخلق فهم خاطئ لدور العمال والنقابات أنه محصور بالنضال المطلبي الاقتصادي فقط والابتعاد عن المشاركة في النضال السياسي.

القوى الوطنية ووعي الطبقة العاملة

في ظل هذه المعاناة والتراجع لدور الحركة العمالية، يعتبر الأستاذ جمال جرار أن للخروج من الوضع المأساوي للحركة العمالية الأردنية يأتي من خلال تضافر الجهود من قبل كافة مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات للضغط على الحكومة ومجلس الأمة لتفعيل مواد الدستور الأردني وخصوصاً المادة (16) والمادة (23) التي تنص بصراحة على حق الأردنيين بإنشاء الأحزاب والجمعيات والنقابات، كما تضمن تنظيم نقابي حر سواء للعاملين في القطاع العام والقطاع الخاص، على حد سواء، وقد أكد هذا الحق قرار المحكمة الدستورية رقم (6) لسنة (2013).

ويؤكد جرار على ضرورة الضغط على مجلس الأمة لعدم تحرير قانون العقوبات الذي يحظر على النقابيين العاملين في الخدمات العامة ممارسة حقهم بالإضراب عن العمل أو التروج به أو التحريض عليه تحت طائلة المسؤولية والعقوبة، لأن هذا القانون في حال إصداره يفرغ النقابات العمالية من مضمونها ويزيد وضع الحركة العمالية سوءً.

فيما يعتبر الأستاذ أحمد عوض مدير المرصد العمالي أن المطلوب في هذا السياق من مختلف الشركاء والحلفاء (سواء كانوا أحزاباً سياسية أو منظمات مجتمع مدني ديمقراطية)، للحركة النقابية الأردنية لتفعيل أدوار الحركة النقابية في عملية التغيير الديمقراطي، العمل في إطارين متوازيين؛ يتمثل الأول في إعطاء أولوية كبرى في خطابها السياسي والاقتصادي والاجتماعية لأهمية تمكين العمال من تنظيم أنفسهم بحرية، والتخلي عن فكرة (وحدة الحركة النقابية) بقوة القانون، بل تشجيع الوحدة بينها بإرادتها الديمقراطية المستقلة، لأن غياب الممارسات الديمقراطية الداخلية وآليات العمل المركزية، تضعف إرادة العمال، وتؤدي إلى احتكار تمثيلهم، وبالتالي سرقة مصالحهم كما هو حاصل الآن. أما الجانب الثاني فيتمثل في أن يقوم هؤلاء الحلفاء والشركاء وخاصة الأحزاب السياسية بعدم التعامل مع المنظمات النقابية باعتبارها منظمات حزبية، بل أن التعامل معها باعتبارها العقل الاجتماعي للأحزاب، بحيث يتم الأخذ بعين الاعتبار مصالح العمال والنقابات في البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسات المنبثقة عنها.

ويلفت الرفيق جميل الخطيب إلى أن المطلوب هو مضاعفة النضالات العمالية والمطلبية والوطنية والعمل الجاد على وحدة الحركة النقابية في إطار ديمقراطي حي وإيجاد قانون ينظم العمل النقابي في القطاعين العام والخاص، والمشاركة الفعّالة في معركة التغيير الوطني الديمقراطي وإجراء إصلاحات ديمقراطية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

ويختم الرفيق الخطيب بالتأكيد على أنه بدون وجود حركة نقابية عمالية ومهنية فعّالة وديمقراطية وحرة ومستقلة، فإنه لا وجود للديمقراطية الحقيقية،ولا إصلاح سياسي واقتصادي يؤمّن مصالح الشعب ويحفظ حقوقهم ويخلق حالة استقرار وأمن وطني ووظيفي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى