مقالات

الفكر الريعي

لا تقف الانعكاسات السلبية للدولة الريعية واقتصادها الريعي عند الحدود الاجتماعية من فساد، وحاكمية غير رشيدة، وغياب العدالة، وعدم المساواة، وغياب الديمقراطية، ولجوء هذا النمط من الحكومات إلى كسب أفراد المجتمع عبر الأعطيات والهبات، وإبقاء العلاقة بين الحاكم والرعية.

لكن المهم بالنسبة لي هو ما يُعرف بـ”الفكر الريعي”، الفكر الذي ينحرف عن مساره الطبيعي في الدفاع عن قيم الحرية، ومقاومة المحتل، والخروج عن المألوف، والتجديد، والإبداع، ليتحوّل وبشكل رخيص إلى أداة لتقويض كل ما هو قِيميّ ونبيل، وتسويق منطق العبودية والتبعية للأجنبي.

إن سبب حديثي هذا مردّه ما قرأته لأستاذ يتحدث في محاضرة له، ليعلن أن السابع من أكتوبر مخطّط له منذ بدايات القرن الماضي، وأنه ترافق مع مشروع كامبل-بنرمان، وأن إسرائيل استغلّته لذبح الفلسطينيين، بل إنه يحمل المقاومة مسؤولية الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون.
أعتقد أن هذا البروفيسور سيأتي عليه يوم ويحمّل الفلسطينيين مسؤولية النكبة!
ويشاركه الرأي كاتب سياسي يعتبر نفسه صاحب السبق في التصدّي لكل من يدافع عن المقاومة، بل يرى في نفسه المدافع عن الهوية الأردنية، وأن كل صوت معارض يُعدّ في صفّ المعادين للدولة.
هكذا هم مثقفو الدول الريعية.

الشعب الفلسطيني، لو استمع لمثل هذه الأصوات وسار على توجيهاتها، لاستكان وترك النضال من أجل وطنه.

نسي مفكّرو الدولة الريعية أن شعوبًا كثيرة ابتُليت بالاستعمار وقدّمت الملايين من الشهداء على مذبح الحرية.
والمقاومة لا تحتكم في أساليب عملها إلى ردود فعل العدو، بل هي تنطلق من فكرة عدم السماح للعدو بالاستقرار مهما طال الزمن، والاستمرار في مقاومة المحتل حتى يرحل.

نسي الأساتذة المحترمون، أنه لو لم يتخاذل العرب، ووقفوا مع المقاومة وأهل غزة، لما كان مسار الحرب كما هو حاليًا من غطرسة إسرائيلية.
وتناسى هؤلاء كيف ينظر مثقفو الحرية في العالم إلى ما يعانيه الفلسطينيون، دعمًا وإسنادًا وإعجابًا بأسطورة الصمود الفلسطيني، وليس كما يفعل مثقفو التبعية والارتهان للأجنبي، الذين يشوّهون المقاومة، وصولًا إلى تبرير التخاذل الرسمي العربي.

على العموم، أنا مقتنع بأن مواجهة هذا الفكر الريعي باتت ضرورة، كما هو الحال مع اقتصاد الريع، فهو لعنة، كما وصفه الكثيرون من الاقتصاديين عندما تحدثوا عن “لعنة الموارد”، وما تجلبه من كوارث اجتماعية، وما تفرزه من تشويه للفكر والوعي.
ولنا عودة لهذا الموضوع.

اظهر المزيد

د. سعيد ذياب

د. سعيد ذياب الأمين العام… المزيد »
زر الذهاب إلى الأعلى