نداؤنا

نحو جبهة وطنية شعبية

لم يكن استهداف حكومة سليمان النابلسي والانقلاب عليها لأنها ديمقراطية وجاءت نتاجًا لانتخابات نزيهة فحسب، بل لأنها اختطت سياسة وطنية تنحو نحو التحرر من أي شكل من أشكال التبعية، سواء لجهة التخلص من المعاهدات أو الاصطفافات الإقليمية والدولية، لصالح الانشداد نحو العمق القومي العربي.

منذ تلك الفترة، وبالرغم من التضحيات الكبيرة التي قدمتها الحركة الوطنية للحفاظ على حكومتها الوطنية والديمقراطية، إلا أنها عاشت بين التشتت والانقسام، وبين فقدان الاتجاه بين التطرف والليبرالية. كل تلك “الأمراض” أوصلتها إلى حالة من الضعف وفقدان القدرة على التأثير في مسار الحدث، الأمر الذي أبقى المجال مفتوحًا وبكل حرية وتفرد وإصرار على تغييب المشاركة الشعبية من قبل الحكم والشرائح الطبقية الحاكمة، مما قاد إلى تنامي شريحة انتهازية بشكل مذهل، كما العشب الضار في حقل متروك منذ زمن دون جهد لتنظيفه.
هذه الشريحة انتعشت بدعم من الحكم، بحيث تجاوزت كل ما يمكن أن نسميه قيمًا ومنطلقات، وبلغت بها قلة الحياء درجة النيل من الشهداء.

طالت تلك الظاهرة كل شيء، واندفع الحكم للعبث بكل شيء، حتى وصلت إلى النقابات التي طالما تفاخر بها، باعتبارها بيوت خبرة. تم التدخل في قراراتها وخياراتها، وبدأت تفقد بريقها ودورها تدريجيًا، لتتحول إلى هياكل جوفاء لا أكثر ولا أقل.

لم تقف الأمور عند النقابات، بل اندفعت الحكومة، وتحت شعار “التحديث السياسي”، ومن خلال الهيئة المستقلة للانتخابات، للتدخل في الأحزاب في أبسط شؤونها، بل والسعي إلى تحويلها إلى مجرد دوائر تابعة للهيئة المستقلة، وصولًا إلى فقدان الأحزاب لدورها، وتحولها إلى هياكل تأتمر – وللأسف الشديد – بأوامر موظف في الهيئة المستقلة.

أعتقد أن ذروة هذا التحول تمثلت في الاصطفافات السياسية والاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها الحكومات على امتداد أربعة عقود، من وادي عربة وحتى المعاهدة الأردنية الأميركية. جميعها، والموقف الباهت للحركة الوطنية منها، تفسر أسباب السياسة الخارجية المتناقضة مع المصلحة الوطنية الأردنية، وكذلك النهج الاقتصادي والإصرار على السير عليه، رغم مصائبه المجتمعية من بطالة وفقر ومديونية.
وهذه الانحيازات السياسية تتناقض تمامًا مع المزاج الشعبي الأردني.

هذه الصورة لا تزال الأحزاب والنقابات والنخب الثقافية تتعامل معها بحالة من التشتت الذهني، وفقدان القدرة على تحديد الحلقة المركزية والانطلاق منها ونحوها بهمّة وعزيمة.

إني أرى أن التحرر الوطني، والتخلص من معوّقاته من قواعد أجنبية ومعاهدات، هو الأساس الذي يجب أن تتوحد حوله كافة الجهود. بناءً على ما ذُكر آنفًا، فإني أرى:

أولًا:
علينا الانطلاق من أن العدو الرئيسي الذي يهدد وجودنا وطموحاتنا في التحرر هو الكيان الصهيوني.

ثانيًا:
الانطلاق من أننا جزء من الأمة العربية، وجزء مشارك وفاعل في نضالاتها من أجل النهوض القومي والتحرري.

ثالثًا:
اعتبار الحريات العامة واحترامها، وحق الناس في التعبير، هو المدخل لكل المطالب.

رابعًا:
الشروع في برنامج اقتصادي يعتمد على الذات، وعلى فلسفة الإنتاج، والتخفيف من مظاهر الاستهلاك الترفي.

إن قدرتنا على تحقيق ذلك لا تتحقق إلا من خلال جبهة وطنية شعبية، نطمح أن تكون الرافعة لإنجاز تلك الأهداف.

لقد شرعت، منذ مدة، عدد من الأحزاب والفعاليات الوطنية والشعبية في بلورة تلك الفكرة. كلنا أمل وثقة في إنجاز هذا الهدف.

إننا لا ننظر إلى الجبهة الوطنية كإطار شكلي جديد يُضاف إلى الأطر القائمة، بل نراها إطارًا كفاحيًا تتجمع فيه كل الجهود الخيّرة في مجتمعنا، من أجل المشاركة في تحقيق الأهداف المذكورة آنفًا.

إني آمل أن يشكل هذا الطرح مدخلًا حقيقيًا وجديًا لتشهد الجبهة الوطنية الشعبية النور.

اظهر المزيد

د. سعيد ذياب

د. سعيد ذياب الأمين العام… المزيد »
زر الذهاب إلى الأعلى