أخبار محلية

كلمة الرفيق د. عصام الخواجا حفل تأبين الرفيقة الراحلة أم علي في نادي الوحدات

الأخوات والأخوة

أبناء نادي الوحدات

الأخوة القائمين على هذا التأبين

الحضور الكريم جميعاً

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

آخر مرة رأيناها فيها كان في شهر آذار الماضي، أثناء إحياء رابطة المرأة الأردنية ليوم المرأة العالمي .. بالكاد كانت قادرة على الوقوف والمشي، لكنها أصرت على المشاركة، كان ذهنها متوقداً .. كانت قادرة على الافصاح الجريء عن هواجسنا ومواجعنا بأبسط الكلمات وأعمقها أثراً، ملأت روحنا ووعينا إرادة وأملاً، لم يغب عنها الدعاء الصادق بصوتها المتهدج القادم من أعماق القلب.

ترتدي ثوبها الذي لم يفارقها، ثوبها المطرز بتفاصيل الوطن من الجليل إلى النقب، ومن أريحا إلى الكرمل ..  يحكي تاريخاً كنعانياً يبوسياً متجذرا.

373681

تشبثت أم علي بالمخيم مكاناً لإقامتها .. كان محطتها الأخيرة استعداداً لرحلة العودة إلى فلسطين .. حلم لم يفارقها، ولم ولن يفارقنا.

مزقت أم علي كل تذاكر السفر والابتعاد عن هذه الجغرافيا، الحارسة لذاكرة الوطن .. ذاكرةٌ حفرت عميقاً وتعاظمت في حضورها، حتى غدت عنواناً للمقاومة، فحراسة الذاكرة وإنعاشها مقاومة، تحولت إلى معولٍ هشم سردية المحتل والمستعمر الصهيوني، وقوضت خطاب من دعمه ووالاه، وكشفت عورة من استسلم، ومن برر تنحيه عنها، عن المقاومة، بحجج أسماها الواقعية وموازين القوى. ومتى كانت موازين القوى غير المؤاتية تمنع الشعوب من شق طريقها نحو تحررها وانعتاقها

حرصت أم علي على الحضور والمشاركة في كل مناسبة ارتبطت بفلسطين، من النكبة إلى يوم الأرض، وما بينهما. النكبة، التي تحولت إلى هولوكوست مفتوح، رد عليه شعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948  بهبة يوم الأرض، عنواناً للصمود والمقاومة، في ظروف غير متكافئة، تعكس إرادة لا تهزم، وتشبثاً بالحق لا يستكين،

16c2 scaled

 هذا تماماً ما كانت تمثله أم علي، في كل نَفَسٍ ونبضٍ في جسدها، وما تمثله من إرث خالد مجيد بعد رحيلها .

ما نقوله للراحلة، الرفيقة أم علي وعنها، ليس مبالغة، ولا تملقاً، بل عرفاناً وإيفاءاً لها بحقها، وحق فلسطين علينا، أن نُخلد رموزاً كانوا حراساً للوطن في الشتات، وحماة للذاكرة في كل زمان، دون أن يكونوا قد تبوأو موقعاً أو مركزا قيادياً، أبطالٌ حقيقيون، رموز المكان والزمان البسطاء، العظماء، الباقون والمتجذرون .. رائحتهم من رائحة كروم العنب، وبيارات البرتقال، ومعاصر الزيتون .. لونهم دحنون وزهر لوز ورمان ..

أم علي كانت امرأة حقيقية، تماماً كما كانت أم سعد، في رواية غسان كنفاني، امرأة حقيقية، وأستحضرُ هنا ما قاله الشهيد القائد والأديب العميق غسان كنفاني:  “أعرفها جيداً، وما زلت أراها دائماً، أحادثها وأتعلم منها، وتربطني بها قرابة ما، ومع ذلك لم يكن هذا بالضبط، ما جعلها مدرسة يومية، فالقرابة التي تربطني بها واهية إذا ما قيست بالقرابة التي تربطها إلى تلك الطبقة الباسلة، المسحوقة والفقيرة والمرمية في مخيمات البؤس، والتي عشت معها، ولست أدري كم عشت لها” .

“إننا نتعلم من الجماهير، ونعلمها” ، يستطرد غسان،  ومع ذلك فانه يبدو لي يقيناً أننا لم نتخرج بعد من مدارس الجماهير، المعلم الحقيقي والدائم، والذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءاً لا ينفصم عن الخبز والماء، وأكف الكدح ونبض القلب”.

لقد علمتنا أم سعد، ونقول أيضاً، لقد علمتنا أم علي .

يستطرد غسان، “أكاد أقول أن كل حرف جاء في السطور التالية (اي سطور الرواية) انما هو مقتنص من بين شفتيها اللتين ظلتا فلسطينيتين رغم كل شيئ، ومن كفيها الصلبتين اللتين ظلتا، رغم كل شيئ تنتظران السلاح عشرين سنة”.

أم علي امتشقت السلاح في ذلك الزمان، وكانت شاهدة على مقاومة انطلقت، قاربت أن  تكمل عقدها السادس، وما زالت، تقدم نموذجاً اسطورياً تتعلم منه الشعوب.

أم سعد ليست امرأة واحدة، يقول غسان، “لقد كانت صوتاً لتلك الطبقة الفلسطينية التي دفعت غالياً ثمن الهزيمة، وتقف الآن ليس فقط تحت سقف البؤس الواطئ” بل تحت سقف الإبادة والتطهير العرقي والتجويع في غزة، وتحت سقف الخطر الداهم للتطهير العرقي والتدمير والتهجير في الضفة، وتحت سقف الترويع والترهيب في الجليل والساحل والنقب، لكن، “في الصف العالي للمعركة”، كما يقول غسان، وفي الصف المتقدم من احتضان المقاومة وحماية نهجها وثقافتها، والتشبث بها خياراً لا بديل عنه للتحرير … نعاهد الراحلة وكل الشهداء : لن يفت من عضدنا وارادتنا وتصميمنا ما نراه من  انبطاح مخجل أمام سيد البيت الأبيض، دونالد ترامب، والتهافت لإرضاء رغباته وطلباته وشروطه دون أن يكون مقابل ذلك، أقل القليل مما يوقف الابادة والتطهير والقتل في غزة، ودون أن يكون إغداق كل هذه التريليونات قادراً على إدخال الغذاء والدواء، ودون أن تكون مانعةً لقصف او تدمير للمشافي والمدارس وأماكن إيواء النازحين للمرة العاشرة، إن لم يكن أكثر ..

أين أنتم من شعب الاباء والوفاء والنخوة والشهامة أبناء اليمن العظيم ..

الراحلة الرفيقة العزيزة أم علي ..

برغم كل هذه المأساة فستبقين حاضرة بيننا

نرى فيك أمهات الأسرى والمفقودين والشهداء، الصابرات والمحتسبات، المتمسكات بالمقاومة

نرى فيك الأم التي تقول “أبنائي فداء للأقصى” .. “أبنائي فداء لفلسطين” .. “أبنائي فداءٌ للمقاومة” طريقنا الوحيد للتحرير

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

د. عصام الخواجا

اظهر المزيد

نداء الوطن

محرر موقع حزب الوحدة الشعبية… المزيد »
زر الذهاب إلى الأعلى