كلمة د. سعيد ذياب في المؤتمر الوطني الخامس لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني
صفقة القرن.. إلى أين؟
صفقة القرن.. إلى أين؟
مهما يكن المدخل لقراءة ما يعرف بصفقة القرن، لن تقود القراءة إلى اعتبارها مجرد صفقة، لأن الصفقة تعنى تحويل الصراع إلى مشاركة وتعاون بحيث يكون الجميع مستفيد ورابح.
إنها في الجوهر ليست إلا توليفة لمواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف وممثلي الكنيسة الإنجيلية متناغمة مع مواقف الإدارة الأمريكية وسياستها الشرق أوسطية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية الفلسطينية.
أيها الرفاق والأصدقاء..
في مشهد مثير اتسم بالاستعراضية والتحدي وقف دونالد ترامب بكل يمينيته وعنصريته وبجانبه أمير القمار الملياردير اليهودي شيلدون إديلسون الذي يطلق عليه صانع الملوك في الحزب الجمهوري بالإضافة إلى ممثلين عن التيار المسيحي الصهيوني وسفراء الإمارات والبحرين وعمان وذلك في الثامن والعشرين من يناير عام 2020 ليتم الإعلان عن صفقة القرن.
في تلك الصفقة كان ترامب في كل كلمة ينطقها يهدم أساساً من الأسس التي توافق عليها المجتمع الدولي ليضع بديلاً عنها رؤيته الصهيونية والعنصرية.
هي خطة جاءت لإضفاء الشرعية على واقع خلقه وشرّعه الاحتلال وما يفكر فيه الاحتلال. خطة راح يمارس ترامب من خلالها كل سياسات الترويع لتسويقها وتنفيذها باعتبارها الفرصة الأخيرة للفلسطينيين وإلا فالويل والثبور لهم.
الأخوة والرفاق..
يبرز السؤال الهام عن العوامل التي شجعت ترامب على تجاوز الإطار العام للإدارات الأمريكية والموقف الدولي. باعتقادي أن أبرز هذه العوامل هي:
الحال الفلسطيني
إنه الحال الفلسطيني المنقسم على ذاته، بين غزة محاصرة وبين سلطة أسقطت كل خياراتها باستثناء خيارات التفاوض بل أنها عمقت من دورها كحامية للاحتلال من خلال التنسيق الأمني. وضع فلسطيني شعبي اتسم بالغضب وعدم الثقة بل والخجل من القيادات ومن تصرفاتهم إزاء الاحتلال، ومن الحال الذي اوصلتهم إليه.
هذا الضعف الفلسطيني محاط بوضع عربي يعاني من انهيار مستمر بدأ مع كامب ديفيد مروراً بأوسلو ووادي عربه، ودول عربية غارق بصراعاتها الداخلية.
ودول عربية أخرى أعادت تموضعها الجيوسياسي من خلال نسج علاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني والتحول من العداء الظاهري إلى الصلح معه والتطبيع بل والدخول في تحالف مشترك معه لمواجهة إيران التي تحولت إلى العدو الأخطر بالنسبة لتلك الدول.
صعود المسيحية الصهيونية
كل شخص يحاول فهم السياسة الخارجية لدولة عظمى عليه أن يحلل ديناميكيات العوامل الداخلية والخارجية التي تتحكم في تلك السياسة
ما يهمنا موقف الولايات المتحدة من القضية الفلسطينية والدور الحاسم الذي لعبه تيار المسيحية الصهيوني في إنجاح دونالد ترامب من ناحية وتبنى ترامب لرؤية هذا التيار للصراع العربي “الإسرائيلي”.
يدعو هذا التيار لرؤية جديدة لحل الصراع. انطلاقا من أن الصراعات يجب أن تحسم بهزيمة واضحة واعترف بالهزيمة، وهذا النهج من شأنه توفير السلام (مثال ألمانيا واليابان).
هذا التيار معروف بدعمه الغير محدود لإسرائيل، وإيمانه بضرورة عودة اليهود إلى فلسطين، وأن قيام دوله يهودية يمهد للعودة الثانية للمسيح.
إن التدقيق في نصوص صفقة القرن يدلل على حجم الدور الذي لعبته المسيحية الصهيونية في صياغة نصوص الصفقة.
والعامل الأخير جنوح الكيان الصهيوني نحو اليمين بشقيه العلماني والديني وتلاشى أي دور لما يعرف باليسار الصهيوني يفسر كذلك حجم التوافق بين نصوص الصفقة ورؤية اليمين “الإسرائيلي” للحل.
الرفاق والأصدقاء
لقد وضعت الصفقة القضية الفلسطينية على طريق التصفية من خلال تقويضها لمرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني، وهذا ما بدا واضحاً بـ:
أولا: القدس
في السادس من كانون اول عام2017 أعلن ترامب اعترافه بالقدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمة “لإسرائيل” وفى 14 من أيار من نفس العام تم افتتاح السفارة الأمريكية لتكون بمثابة أمر واقع على المدينة المقدسة وعلى الفلسطينيين والعرب.
هذا الموقف كان بمثابة ضوء أخضر “لإسرائيل” للمضي قدما لفرض سيطرتها على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وبهذا القرار سعى ترامب إلى إخراج القدس من دائرة التفاوض.
اللافت للنظر أن الصفقة وإمعاناً في تزوير الحال تعاملت مع القدس من منطلق ديني أساساً. وأنها تهم الأديان الثلاث ولكن أعطت اليهودية الأولوية حينما تعاملت مع تاريخ القدس بدأً مع إبراهيم ثم دولة داوود وسليمان.
ثانياً اللاجئون
ترى الصفقة أن الصراع العربي الإسرائيلي أوجد مشكلة لاجئين فلسطينيين ولاجئين يهود. وليس الكيان الصهيوني وسياسة التطهير العرقي هي المسؤولة عن مسألة اللاجئين الفلسطينيين.
تؤكد الصفقة انه لن يكون هناك حق عودة او استيعاب لأي لاجئ فلسطيني في “دولة إسرائيل”.
مقاربة الأونروا وتعريفها المتعدد الاجيال للاجئين فاقم مشكلة اللاجئين.
*تحدد ثلاث خيارات:
- الاستيعاب في دولة فلسطين.
- الاستيعاب المحلي في البلد المضيف.
- قبول 5000 لاجئ كل عام لعشرة أعوام في الدول الإسلامية.
وفى سياق تثبيت ذلك النهج أقدمت الإدارة الأمريكية على وقف مساهمتها في دعم الأونروا في سياق تصفية المؤسسة الدولية
بهذا النهج كذلك تقف وجها لوجه في مواجهة القرار الدولي رقم 194 الذي يؤكد على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم.
الحدود
لا تحتاج “دولة إسرائيل”، إلى اقتلاع أي مستوطنه ستكون المستوطنات جزء من “إسرائيل”.
وادى الأردن سيكون تحت السيادة “الإسرائيلية”.
ستكون المعابر والأجواء تحت السيادة “الإسرائيلية”.
ربط بعض أجزاء الضفة وغزه من خلال جسور وأنفاق.
نحن أمام حكم ذاتي. للجزء المتبقي من الضفة.
أيها الأصدقاء
في سياق تكريس الصفقة وخلق الأجواء الملائمة لها سرعان ما تتابعت الاتفاقات الخليجية “الإسرائيلية” السودان والمغرب تحت عنوان السلام الإبراهيمي والذي يعنى عدا عن تنكره للشقيق وحقوقه تزييف لجوهر الصراع باعتبار صراع ديني وأن تفاهم الديانات الثلاث باعتبار أنها تعود إلى ابراهيم يصبح السلام ممكنا. هكذا تم القفز عن الطابع الاستعماري الاستيطاني للصراع في أبشع عمليه تزييف للحقائق.
الرفاق والاخوة
يدور السؤال عن مصير صفقة القرن وما تمثله
أعتقد أن الصفقة وبعد فشل ترامب في الانتخابات الأمريكية وسقوط نتنياهو والرفض الفلسطيني والشعبي العربي لها نجحا في إسدال الستار عن الإطار العام الصفقة باعتبارها مساراً للإدارة الأمريكية لحل الصراع.
ولكن أعتقد أن الصفقة نجحت في خلق وقائع على الأرض من نوع.. نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.. ثم اتفاقيات الصلح مع بعض الدول العربية التطبيع معها.
والموقف من وكالة غوث اللاجئين والذي يعتبر استكمالاً للدور السابق لإدارة ترامب التي تخلت عن دعمها للوكالة، فالموقف الحالي لا يختلف كثيراً من حيث الشروط التي وضعتها الإدارة الحالية على الوكالة.
هذا يتطلب تكثيف الجهد الشعبي لإفشال التطبيع وإسقاط اتفاقات العار مع الكيان.
وضعت صفقة القرن الشعب الفلسطيني في مواجهة الحائط. لقد تم استبدال كل قرارات الدولية بقرارات صهيومسيحية وباتت الدبابة هي المرجعية.
الأمر الذي يفرض على الفلسطيني رفض هذه الصفقة وكل المشاريع التي تنتقص من حقه الوطني والمشروع.
هذا يتطلب تشكيل جبهة مقاومه فلسطينية وعربيه للتصدي لهذا المشاريع وتحرير الأرض كاملة غير منقوصة.