هل يموتُ الإنسانُ قهراً ؟
كثيراً ما كُنا نسمع بأن فلاناً مات من القهر، كان الاعتقاد السائد أن الأمر لا يعدو كونه مسألة مجازية لا أكثر ولا أقل، لكن العلم أثبت أن تداعيات القهر تسبب الوفاة .
حمدة الخياطة نموذجاً للموت قهراً، حمدة سيدة أردنية فرضت علىها ظروف الحياة القاسية العمل فى معمل للخياطة فى منطقة الأزرق، صاحب العمل مارس سلطته عليها تأنيباً وصراخاً وتهديداً بالطرد من العمل، حمدة لم تكن قادرة على استيعاب ما تشاهده وتسمعه من شتائم، ولكن الأشد من ذلك هو عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها .
كبتت قهرها فى نفسها، لكن حجم القهر كان أكبر من قلبها وقدرتها على الكبت، سقطت حميدة ضحية القهر، وبقيت صرختها محتجزة بين ضلوعها غير قادرة على إطلاقها، انفجرت من الداخل لإنها لم تكن قادرة على تفريغ شحنات غضبها للخارج.
تُرى هل يصل القهر بنا والعجز مداه لنموت قهراً وتبقى صرخاتنا مكبوتة بين أضلعنا؟
مثل حمدة هناك الملايين من المعذبين والمقهورين يشاهدون الفساد بأم أعينهم ويعانون من الظلم لكن صرخاتهم تبقى مخنوقة في صدورهم، عندما نطالب بالعدل ولا نجده والإصلاح ولا نحصل عليه ويستشري الفساد .. أليس هذا مدعاةً للقهر ؟
عندما نجد اللصوص يجلسون خلف المكاتب يتحدثون عن الفضيلة ولا نقوى على محاسبتهم، أليس هذا مدعاةً للقهر ؟
نحن مثلك يا حمدة نعاني من القهر لكن يبدو أننا أصبحنا لا نشعر يا حمدة، أما أنتِ فقلبك الرهيف لم يحتمل جرعة القهر الزائدة فتوقف عن الفعل رافضاً الاستمرار فى رؤية كل هذه البشاعة، لك الرحمة يا حمدة وليكن موتك مدعاة لإنصاف جميع المقهورين من الطبقات العاملة من الظلم الذى يحيق بهم، وليكن موتك صرخة لنا بعدم السماح لهم بقهرنا واستلاب حريتنا .