نداؤنا

هل كانت منظمة التحرير الفلسطينية مشروع تحرير أم تسوية ؟!

مهما تباينت تقييمات القوى السياسية والفعاليات الوطنية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإننا نجد أن هناك إجماع وطني على اعتبارها انجازاً وطنياً، نجح فى إبراز الروح الوطنية الفلسطينية وفي تجسيد الكينونة الفلسطينية، ولفهم الدور الذي لعبته المنظمة من الضروري الحديث عن نشأة المنظمة، وارتباط تلك النشأة بالظروف السياسيه التى كانت سائدة في تلك الفترة من ناحية، وأهداف المشروع الصهيوني من ناحية أخرى.

فالمشروع الصهيوني لم يكن يستهدف السطو على فلسطين فحسب بل ترافق ذلك بالسعي لإلغاء الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني لتبرير جريمته، وكان شعار الحركة الصهيونية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” هو الناظم للسلوك الصهيوني.

لقد جرى تكريس هذا الشعار أولا من خلال ما يعرف بوعد بلفور الصادر في 2تشرين الثاني عام1917 الذي أنكر وجود الشعب الفلسطيني وتعامل مع الفلسطينيين كإحدى الطوائف الموجودة على أرض فلسطين وليس كشعب له حق تقرير المصير.

والمحطة الثانيه في إلغاء الهوية الوطنيه الفلسطينيه تمثلت بقرار التقسيم الصادر في 29تشرين الثاني عام1947، والذى نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية ولم يذكر اسم الشعب الفلسطيني، وتعامل معهم كمجاميع قبائل عربية.

ما بعد النكبة عاش الشعب الفلسطيني ما يشبه الغيبوبة السياسية بسبب انشغاله بقضاياه الحياتية لكنه سرعان ما راح يتلمس طريقه نحو الوطن وتحريره ورأى ضالته في الانخراط في الأحزاب القومية ورؤيتها بأن الوحدة هي الطريق لتحرير فلسطين.

لكن الأمواج العاتية التي كانت تتقاذف الشعب الفلسطيني بقصد إبقاء قضيتهم مجرد قضية لاجئين، وقضية انسانية تبحث عن حل لها بعيداً عن حق العودة. بالإضافة للأطماع لدى بعض الأنظمة العربية بالسعي لاختطاف التمثيل للشعب الفلسطيني.

ضمن هذا المناخ يمكن فهم دعوة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الثالث والعشرين من كانون الأول عام 1963 إلى مؤتمر قمة عربية لبحث التهديدات الاسرائيلية بتحويل مياه نهر الأردن، والمطالبة بخلق إطار ممثل للشعب الفلسطيني ليتحمل أعباء ذلك التمثيل.

انعقد مؤتمر القمة فى شهر كانون ثانى عام 1964 واتخذ قرار بتمكين الشعب الفلسطيني بتنظيم نفسه والقيام بدوره فى تحرير وطنه، وتم تكليف أحمد الشقيري ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية بالقيام باتصالاته مع الشعب الفلسطيني فى كل أماكن تواجده وصولاً للطريق الأمثل لتحقيق تلك المهمة.

النشأة والتكوين

وفي سياق التحضير لانبعاث منظمة التحرير فإن الاتصالات التى قام بها أحمد الشقيري مع الشعب الفلسطيني تكللت بعقد أول مجلس وطني فلسطيني في الثامن والعشرين من أيار عام 1964.

وكان ذلك في مدينة القدس وبحضور 418 عضو، حيث قرر المؤتمرون إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية ، وأصدر المؤتمر بياناً أكد فيه أن قيام المنظمة هو لخوض معركة التحرير.

وتم إقرار “الميثاق القومي”. وكان واضحاً النفس القومي في الميثاق، ثم النفس الرسمي العربي والذي تمثل بغياب نص واضح يتحدث عن تقرير المصير والاستقلال للشعب الفلسطيي حتى لا تتسبب تلك الإشارة بالحساسية لدى بعض الدول العربية.

منظمة التحرير الفلسطينية
منظمة التحرير الفلسطينية

لقد وافقت جميع القوى على انبثاق المنظمة باستثناء الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية حسب قول الهيئة “تجاوزا لدورها النضالى”.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد رفضت قيام المنظمة ووجهت مذكرة إلى بعض الدول العربية للتحذير منها.

بعد نكسة حزيران 1967 شهدت المنظمة تحولاً هاماً في بنيتها وميثاقها بحيث سيطرت فصائل المقاومة و”فتح” بشكل خاص على المنظمة وانعقد المجلس الوطني عام 1968.

وتم إقرار “الميثاق الوطني الفلسطيني” الذي عكس بشكل واضح رؤية “فتح” من خلال الابتعاد عن القومي لصالح القطري.

ولفهم الدور الذي لعبته المنظمة، من المفيد رصد التعديلات التي أدخلت على “الميثاق القومي” والبرنامج لمنظمه التحرير فمن خلالها يمكننا التعرف على الدور والمسار السياسي الذى لعبته المنظمة.

لم تكد تمضي سبع سنوات على انطلاق الثورة حتى شهدنا التحول الأبرز في برنامجها عام 1974، بتبني ما عرف بالنقاط العشرة التي تحدثت عن سلطة وطنية على أي جزء من أرض فلسطين.

فى عام 1988 وفي ظل أجواء الانتفاضة ونشوتها نجحت القيادة المتنفذة في تمرير هدف الدولة الفلسطينية والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية وقرار 242 ونبذ العنف، وبالتالي تم تقديم الدفعة الثانية من التنازلات الفلسطينية قبل الحصول على أي شيء.

كان التنازل الأكبر من خلال اعتراف المنظمة بالكيان الصهيوني عند التوقيع على اتفاق أوسلو عام1993.

و تكلل ذلك كله بتعديل شامل للميثاق الوطني بإلغاء كافة النصوص التى تتحدث عن الكفاح المسلح وعن تحرير فلسطين.

يعنى كل ذلك وللمتابع أن كل التعديلات المتكررة على برنامج منظمة التحرير الفلسطينية وفي أكثر من محطة أن القيادة المتنفذة للمنظمة كانت منذ البدء محكومة بالنظرة التسووية، وأنها كانت تعيش تحت وطأة الوهم بأن إسرائيل يمكن أن تقبل بنوع من التسوية غير الاستسلام الكامل لإرادتها، ودللت مسيرة الثورة وما رافقها من تنازلات أن هذه القيادة بقدر استعدادها للتناغم مع التسوية فإنها كشفت عن افتقادها للمناعة الثورية التي من المفترض توفرها فى قيادات الثورة.

من المفيد الإشارة على أنه بالرغم من التضحيات التى قدمها الشعب الفلسطيني ولا يزال، والبطولات المنقطعة النظير فإن القيادة المتنفذة لم تتعامل مع تلك التضحيات ومع الكفاح المسلح كاستراتيجية متكاملة يجب وضع كل الإمكانات لها وصولاً إلى إحداث تغيير في ميزان القوى وإعطاء القضية بعدها القومي لزج الطاقات العربية في عملية الصراع، بل تعاملت تلك القيادة المتنفذة مع الكفاح المسلح كهدف تكتيكي لفرض القضية على الرأي العام العالمي ودفعه للبحث عن حل لها.

مما سهل على تلك القيادة مهمتها في البحث عن تسوية و تفردها فى قيادة المنظمة لغياب أبسط أسس العمل المؤسسي والديمقراطي.

منظمة التحرير الفلسطينية إلى أين؟

بعد كل التراجع والهزال الذي أصاب المنظمة، بل والتحول الخطير فى دورها من أداة لتحرير إلى أداة للتغطية على تسويات سياسية حملت فى مضمونها تنازلاً مكشوفاً عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

وبالرغم من تغول السلطة التي من المفروض أن تكون أحد أدوات منظمة التحرير الفلسطينية وتابعة لها، إلا أن السلطة تعاملت مع المنظمة بشكل استخدامي لتغطية تنازلاتها، ولذلك سعت إلى تهميشها وتحجيمها حتى لا يكون لها دور في تعديل المسار السياسي.

برغم كل ذلك فهي لا تزال تشكل الكيانية المعترف بها كممثل للشعب الفلسطيني، ولا تزال تشكل قاسماً مشتركاً لكل فصائل العمل الوطني، ولكن على قاعدة إعادة الاعتبار لها ولدورها فى عملية التحرير.

كان للتفرد الذي مارسته “حركة فتح” دور كبير في وصول المنظمة إلى الحال الذي وصلت إليه، الأمر الذي يفرض إعادة النظر بكل المرتكزات التنظيمية ووضع الأسس والضوابط التي تمنع التفرد وتعزز مبدأ التشاركية في قيادة النضال الوطني.

يعنى ذلك أن المنظمة بحاجة إلي أسس تنظيمية وسياسية جديدة كي تتمكن من لعب دور الإطار الوطني الجامع.

من المفيد التذكير أن من أبرز التحفظات التى أبدتها الأحزاب والقوى السياسية عند انعقاد المؤتمر الأول والإعلان عن انبثاق منظمة التحرير الفلسطينية هو عدم انتخاب أعضاء للمؤتمر، وتعيين المؤتمرين. وهى مسألة أثبتتها صحة الوقائع اللاحقة. لأن العضو المنتخب يكون أكثر جرأة وفعالية من العضو المعين، لأنه متحرر من كل أشكال الزبائنية والتبعية للجهة التي عينته.

إن غياب الانتخاب أضعف قدرة المجلس الرقابية على اللجنة التنفيذية وقدرتها على رسم التوجهات السياسية الصائبة المنسجمة مع الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني.

فالمنظمة ينص نظامها الداخلى على عقد اجتماع سنوي للمجلس الوطني والذي ينتخب اللجنة التنفيذية ويحاسبها، لكن وللأسف فإن المنظمة ومنذ تأسيسها لم تعقد سوى 23 دورة.

إن تغييب المجلس وهذا الانفلاش التنظيمي أضعف دوره افراداً وكمؤسسة ووفر فرصة كبيرة للتفرد فيها من قبل “فتح” خاصة مع انتشار حالات الاستزلام وشراء الذمم.

يعنى ذلك أن أي تفكير لإعادة بناء المنظمة يجب أن ينطلق من انتخاب أعضاء المجلس والابتعاد عن أسلوب المحاصصة.

والمسألة الأخرى العودة إلى “الميثاق الوطنى الفلسطيني” وإلغاء كافة التعديلات التى تم إدخالها عليه ارتباطا بمتطلبات أوسلو، واحترام الميثاق وعدم الرعونة في التعامل معه.

والوصول إلى برنامج وطني يؤكد على وحدة الشعب الفلسطيني والجغرافيا، والتأكيد على خيار المقاومة بكافة أشكالها لتحقيق الهدف الوطني بالتحرير الكامل والناجز.

لقد بات واضحاً لمن له بصر وبصيرة أن الحال الفلسطيني يرضي العدو ولكنه لا يرضي صديق، لأن حالة الانقسام بين جموع تقاوم وجموع لا تقاوم بل تنسق أمنياً مع العدو، واستمرار العبث بالحقوق الوطنية الفلسطينية من شأنه إضعاف الحال الفلسطيني وتعميق انقسامه وتعقيد فرص الإصلاح.

العودة للجذور والمطلقات والبديهيات التى تعارفت عليها الشعوب فى مواجهة محتليها هو المخرج ولا سبيل غيره.

إقرأ أيضاً :د. سعيد ذياب يكتب لـ “الهدف”.. أوسلو: من الثورة إلى وهم الدولة

اظهر المزيد

نداء الوطن

محرر موقع حزب الوحدة الشعبية… المزيد »
زر الذهاب إلى الأعلى