مقالات

الرئيس الأسد في موسكو .. ماذا تفعل القوات الروسية في سورية!؟

أسئلة كثيرة تطرح حول الموقف الروسي من الأزمة السورية.. ولماذا جاءت القوات الروسية إلى المنطقة أصلاً، قبل ستة أعوام؟

 لقد عزز من حدة هذه التساؤلات، تصريحات روسية حول رؤية موسكو لأمن “إسرائيل” في المنطقة، ثم لقاء الرئيس السوري ببوتين في موسكو صباح اليوم.

وبغض النظر عن الخلفيات لأصحاب هذه التساؤلات، إلا أنها تتصف غالبا بالتسرع والرغائبية، والمواقف المحددة مسبقا. 

وتعاود مثل هذه الأسئلة للظهور، كلما قام الكيان الصهيوني بعدوان على الأراضي السورية أو إستهداف أحد حلفاء سورية القريبين فوق الأراضي السورية، أو قامت القوات الأمريكية بضربة، أو تحركت القوات التركية في الشمال السوري.. أو حتى عندما يتقدم الجيش العربي السوري في الميدان.

 في البداية لا بأس من تكرار عبارة؛ بأن موسكو -رغم أنها حليف مخضرم لدمشق- لم تأت إلى المنطقة للمساعدة في تحرير فلسطين، ولا حتى الجولان، فهذه المهام تعيدها روسيا إلى أصحابها، وإلى مرجعيات وأطر الأمم المتحدة والقرارات ذات الصلة، وهي تصرح بذلك علناً.

روسيا حضرت إلى سورية في العام 2015 بناء على دعوتها من قبل القيادة السورية، وفور إنتشار قواتها، أعلنت صراحة بأن وجودها العملياتي في سورية قائم على صيغة آستانا، وأنها تلتزم بإستراتيجية محددة، تقوم دعائمها على:

* محاربة الإرهاب.

* ضمان سيادة الدولة السورية.

* ضمان وحدة التراب الوطني السوري.

* خلق أجواء تسمح بإطلاق حل سياسي للأزمة السورية.

وعملت موسكو بجدية وكفاءة مشهودة لإنجاح مسعاها، كما وفرت للقيادة السورية، الإمكانيات لدعم أهدافها، ووفرت لدمشق، منصة إسناد على المستوى الدبلوماسي الدولي، وأجهضت لوحدها، أو مع (بكين أحيانا)، كل القرارات السياسية الغربية للنيل من سورية دولياً، وقد دفعت مقابل ذلك أثمان غالية، وما تزال.

أما تكتيك موسكو “غير المعلن”، فقد جاء من إدراك، بأن المعسكر الغربي، الذي يشن حربا عدوانية على سورية، لم يكن ليسمح بسهولة، أن تأتي إلى المنطقة قوات روسية جوية وأرضية هامة، وتنتشر على كل المساحة السورية -المشبعة بالجيوسياسي- هكذا بكل بساطة، دون إستحصال قرارات دولية واضحة، ودون أن يقابل هذا بحضور غربي وازن!!

ولكن موسكو هيأت لحضورها العسكري العملياتي إلى سورية بـ؛

*  تفاهمات مع أمريكا بالأساس، ثم مع أوروبا، (( بأن هذا الحضور الروسي المسلح، سيلتزم بالمهام المحددة أعلاه، دون التجاوز ليمس بتوازن أطراف الصراع في المنطقة))، وقدمت موسكو ضمانات بهذا الخصوص!

* وضعت إطارا للتنسيق العسكري الأمني “الإسرائيلي” الروسي، والتركي الروسي الميداني، بعدم التعرض لبعضهما البعض، بالأذى فوق الأراضي والأجواء السورية. (كما وضعت الأردن الذي كان يستضيف غرفة الموك، بحيثيات رؤيتها تلك).

* عدم السماح لدول المنطقة المتاخمة لسوريا، بأن تعتدي على بعضها البعض، أو تثير نزاعات عنيفة بينها طيلة التواجد الروسي.

* قدمت موسكو ضمانات دولية، بأن لا يجير التواجد العسكري الروسي، في إحداث خلل في ميزان القوى بين دول أطراف الصراع العربي-الصهيوني!

وروسيا الدولة الناهضة، والباحثة عن مكانة متقدمة على الصعيد الدولي، وأمام حراجة الموقف السوري في الميدان (القوات السورية عام ٢٠١٥  كانت تسيطر على  حوالي 40% من الأراضي السورية)، تدرك دقة المعادلات الدولية، وحجم الإستهداف الغربي لسورية..

وبدأت مبكرا  في محاولة تحييد الجارتين “المشاغبتين” لسورية، ( تركيا  و”إسرائيل”)..

  ألزمت روسيا نفسها بسقف هذه التفاهمات، كما أن القيادة السورية، والإيرانة -التي حضرت على أرضية آستانا أيضا_ تفهمتا حيثيات هذا الموقف الروسي بشكل كامل، وإستفادتا منه، وتعاملتا معه على أرض الواقع بشكل مرن وفعال، كما تقبّل حزب الله هذه التفاهمات، وعمل بمقتضاها دون أن يخضع للضمانات الروسية الدولية، كونه ليس دولة!!

ومن جانبها تعاملت موسكو مع هذه التفاهمات بشكل مدروس، ومتدرج، وكانت تزود القوات السورية بالأسلحة والمقدرات الدفاعية بشكل متصاعد، وتدفع تدريجيا، بقواتها على الأرض، وصولاً إلى العمل الميداني المشترك مع حزب الله أحيانا، وشكلت هذه العوامل تحولا مفصليا في طبيعة ومهام القوات الروسية على الأرض.. وإستطاع الجيش السوري المتماسك أن يكون بحجم المراهنة على دوره المركزي في التقدم، ومسك الأرض.

رغم التفاهمات، حاولت “إسرائيل” أن تبقي ذراعها العدواني طليقا.. فدعمت الإرهاب، متذرعة بأنها توجه ضرباتها لحزب الله على الأرض السورية، وليس ضد الدولة السورية، وحرصت روسيا، أن لا يعيق ذلك، القوات السورية وحلفائها من التقدم في الميدان وتحقيق إنجازات ميدانية وإستراتجية هامة، دون السماح بفرض أي خط أحمر يرسم من الخارج.

إنجازات عسكرية سورية هامة، بدعم جوهري من روسيا وحزب الله وإيران، أعادت لدمشق أمنها السياسي والعسكري، وقطعت يد “إسرائيل” وغرفة الموك في تهديد العاصمة والدولة السورية في مرحلة أولى، ثم بإنتزاع حلب من أنياب العدوان التركي، ثم بسطت سيطرتها على أكثر من ٨٠% من الأراضي السورية”، ومؤخرا في إعادة باقي محافظتي درعا والقنيطرة لسيطرة الحكومة السورية.

أثبتت التقديرات والتفاهمات الروسية مع مختلف الأطراف، صوابيتها، وفتحت المجال أمام طرح الحل السياسي، وأدارت المصالحات بين مختلف الأطراف ضمن صيغتي آستانة وسوتشي.. وعبر هذا الإطار وبمساعدة لصيقة من إيران التي أجادت رسم خطوط التوازن مع الحضور الروسي، تحاول دمشق بالتعاون مع موسكو وطهران الآن، فكفكة باقي حلقات الأزمة السورية، بدءًا من العدوان الأمريكي على الأرض السورية في الشرق والجنوب الشرقي، وصولا إلى التعدي التركي في الشمال والشمال الغربي السوري.

الرئيس الأسد في موسكو
الرئيس الأسد في موسكو
بواسطة
د. موسى العزب
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى